الإشارات التي لا يستطع النقدُ تفسيرهاقيس مجيد المولى

هنالك طقوس خاصة للشاعر لا تلزمه أن يضع الرؤية النقدية موضع الإهتمام في كتابة نصه ، ومنها أن تكريس الزمان في النص أو السير بخطى المكان أو التفاصيل الشخصية والوقائع من الأسس الملزمة للشاعر لبلوغ مهمته الجمالية ،ولاشك أن هناك من يتصور بأن الشعر وظيفة طبيعية للإنسان وأيضا هناك نقيض هذا الرأي من أن الشعر (مهارة معزولة )
حيث قدم لنا (رينية ويليك ) عبر تاريخ النقد الأدبي الحديث الكثير من التصورات والمساجلات عن المفاهيم المتضادة لكثير من المفاهيم الأدبية والكثير من الإشتراكات في مفاهيم أخرى تخضع إلى اليوم إلى النقاش من أجل بلورة كينونة ما للوصول إلى الحكم الصائب حول هذا المنتج أو ذاك ،
ولاشك أيضاً أن ليس هناك من أمر واضح وقطعي في الشعر وليست هناك معرفة ما لنص الشاعر إلا من خلال الشاعر نفسه وما يُفسر وما يتم تقديمه حتى من قبل المعنين إنما يمثل الجانب الخارجي للمحتوى الباطن ،هناك عروض نقدية إنطباعية لا تنظر الى المنتج الشعري بكيانه النهائي والمتكامل بل مجرد إلتقاط أنفاس الشاعر وفق المغالطات النقدية التي لاترتكز الى النقد الإبداعي فليس هناك من تأمل خالص في العمل وليس هناك مساحات أوسع من المساحات المحددة في ذهنية الناقد وليس هناك قدرة (لمحو الزيف وإتاحة المجال لما هو أفضل ) …
فأحيانا تُفهم السُّخرية في نصٍ ما بعقلانية وموضوعية وأحيانا تفهم بأنها الفوضى المُنتجة وهذا التضاد في الفهم أو لنقل في الرؤيا ينعكس كذلك على أي من الاستخدامات التي يلجا الشاعر إليها للتعبير عما تريد حريته سواء عن طريق الغموض أو التعامل مع الموروث أو بتقديم شكل أخر للأسطورة أو المغامرة على صعيد الموضوع أو المغايرة وتفكيك اللغة فالشاعر يحاول إخراج المبدع من خياله أي حتى عدم القبول بخياله المألوف لأنه يرى من الضرورة أن لايعيد مشاهد مشابهة ومكررة وإن كانت مختلفة عن
الواقع لأنه يريد أن يكون إختلافها عميقاً وواسعاً ولا يفضي لحقيقة ما لأن الشاعر حين يكتب يعيش معضلته الخاصة به وليست معضلة مايشتهي الآخرون نقادا وقراء وهو يبحث عن النسق الآخر الذي من خلاله يستطيع البوح بسره غير المعلن وبكشوفاته إزاء الكون وكل مايتصل بأحاسيسه ويراه قابلا لعرض اللامتناه واللامقبول أي أنه بإزاء إحداثِ شكل من أشكال الانفصال المقدس مابين فرضيات يقررها كيانه كوجود ومابين الرغبة في عدم الأمان لذلك الوجود ،
وهو شكل من أشكال الرغبة في التحرر المطلق من الفهم السائد عن الوجود الإنساني ،
أن المعايير النقدية لاتلزم الشاعر بطبيعة لغة ما أو شكل شعري ما أو كيفية التعامل مع العاطفة أو الإنفعال وهو إزاء هذه القضايا مستمع جيد لاغير ،،
ولن يكون منفذا لما يطرح كي لايكون هناك كما أُنتقد دريدن (نقصا في شجنه ) وكما أُنتقد أديسون (نقصا في الحرارة والتدفق ) ،،المغزى مما يراد هنا هو السعي لبعثرة أي شئ منظم إحالته إلى إشارات لايستطيع النقد من تفسيرها.

Facebook
Twitter