خدودك شيوعيات يا صاحبيعلي السوداني

سأكتب لكم الليلةَ وأزيد، عن مكان ما زال مزروعاً على شاشة الذاكرة، مثل ترنيمة أو حرزٍ يسترني كلّما هاجتْ الروح ولابتْ من ثقل الحنين. سينما بابل الجميلة بشارع عبدالمحسن السعدون ببغداد العبّاسية التي من فرط تبغددها علينا، كادت تفطر القلب وتبيّض ما تبقى من سواد الشعر. سأجيء على تفصيلٍ اسمهُ “إسبوع الفيلم الروسيّ” وهذا كان يحدث في سبعينات القرن الفائت أيام الاتحاد السوفيتي، وطقطوقة الجبهة الوطنية.
كنتُ أيامها الحلوة أقف بباب تلك السينما الجميلة مشتولاً خلف عربانة تبيع الزبائن الكرام، الثلاثية العراقية المشهورة الصائحة “حَبْ سكائر علك” وكانت مساءات الفيلم الروسي مثل ظهيراته، مجدبة قفراء لا يحضرها إلا بُعيض ثلل شيوعية أتتْ من فجاجها وجيوب فقرها ربما بإيعاز حزبي، وكان هؤلاء على درجة مما كنا نعتقدهُ بخلاً مفرطاً، ثمّ تبين أنه بعض تدبّر وتقليدٍ لطيفٍ لأتباع لينين وماركس. شيوعيات وشيوعيون وسيمون، فتيانهم مثل حميد قاسم وخزعل الماجدي ونعمة السوداني وطبعاً محمد الجزائري الذي ربما كان شاهد اسبوعها، الفيلم العظيم “ديرسو أوزالا” ووجه الصياد الباسل الذي ما زال ملطوشاً بقوة فوق سلّم الذكريات.
أما النسوان الحلوات فكنّ مستلّات من موديل سعاد حسني حيث التنورة الحصر الطالعة فوق الركبة واسمها “ميني جوب” ونتاجها فرجة ساق سماوية مدهشة تجعل شرطة الآداب تتمطّق وهي تقوم بصبغ هذا اللحم الإلهي المذهل بفرشاة الأبيض الدهين. هي خلطة مبروكة اذن من فرقة “آبا” التي انولدت فوق دكة باب السويد العالي، والزلف الطويل وبنطلون الجارلس وشعر الخنافس.
المشهد الرحيم كان متكاملاً مثل وصف سعدي الحلي البديع لحبيبته التي حوّلها المشاكسون إلى حبيب إذ ناح بمطلعها “خدودك شيوعيات” دلالة الحمرة والعافية.
جريدة طريق الشعب كانت على مبعدة أربع سعلات يسارية من جسم السينما، وعلى يمين الدار ثمة المركز التجاري السوفيتي وصورة مضيئة للعمّ بريجينيف، وحجّي نعمة أبو الشاي المهيّل وعضيده خصّاف الطويل، وعربة كرزات ومكسرات أبو إسكندر التنافسية، وأخي الأكبر جواد الشيوعيّ الحميم الذي كان يمتلك المطعم الوحيد الذي يأكل كمشة أمتار من بدن السينما، والمشهور ببيع الساندويجات الباردة التي منها الروست واللسان والكفتة والبتيتة جاب والمخ، وبقية الجمهور سيكون من بعثيين لطيفين جادّين ومشوربين يراقبون جمهرة الشيوعيين وغنج الشيوعيات عن كثبٍ وكُثيب.
قلبي يوجعني. شكراً. فيمالله أغاتي بغداد.

Facebook
Twitter