فصل من الذكرى : عن عبد الأمير جرص جواد الحطاب

اريد ان اتحدث اليوم عن شاعر مرّ سريعا في حياتنا الأدبية واختفى؛ لكن عبق قصائده وتفرّده لا زال مستمرا سواء في ذاكراتنا او في الدراسات النقدية التي تحاول الإحاطة به وبجيله.. ولذلك لن اشغل نفسي كثيرا بتقييمه كشاعر؛ وانما سأتحدث عن بعض الجوانب المخفية عن شخصيته الخجولة الحييّة وان كان الحديث سيكون مقتضبا؛ لأن في نيّتي ان أكتب عنه فصلا كاملا في الكتاب الذي اخطط له عن ادباء واديبات مرّوا في حياتي؛ واحمل لهم الكثير من الامتنان لأنهم تركوا لدي بعض اسرارهم؛ والكثير الكثير من العرفان والحب.
يذكر الصديق الشاعر (فضل خلف جبر) في احدى مقالاته عن عبد الأمير جرص؛ ان معرفتنا به كانت يوم زيارته لمنتدى الادباء الشباب حاملا بعض قصائده التي عرضها على جبر والذي اعجب بها؛ ويشير -جبر -في مقالته الى ان (.. الشاعر جواد الحطاب مرّ بنا مصادفة، وكان مديرا لتحرير مجلة أسفار، قدمت له عبد الأمير جرص، فتصافحا وتعارفا، ثم قدمت له قصيدة جرص. هرعت عينا الحطاب مباشرة الى التعليق المرفق مع القصيدة، فابتسم ابتسامة ذات معنى، فككت شفرتها فورا..قلت له: لا..يا صاح! انني أعني ما أقول.. إذهب واستمتع بقراءة القصيدة..وهذا ما حصل فعلا..فقد ثنى الحطاب على تزكيتي للقصيدة، ونالت موافقة التحرير، لتنشر في ما بعد، في عدد أسفار الثالث عشر).
وكان النشر في “اسفار” ايام اشرافنا عليها يحتاج الى موهبة كبيرة للنشر فيها؛ ولذلك شعر جرص بامتنان خاص لهذا الاحتفاء به؛ وارتبطنا معا بصداقة فيها الكثير من الالفة حدّ البوح بأسرار – ربما – لا أحد يعرفها عن (جرص) سواي؛ ومنها ارتباطه بعلاقة حميمية مع شاعرة كانت ناشطة في تلك الفترة؛ ثم خبا نجمها لتصبح من المتابعات الناقدات وتهاجر الى بلد اجنبي؛ واسمها احد اسرارنا – جرص وانا – ولذلك لا يمكنني البوح به الى الابد؛ وكم كنت اتمتع برواياته عن خجله امام جرأتها حيث تقوم هي بأكثر من فعل ينمّ عن الحب وسط استسلامه الطفولي؛ ثم تستغرقه الضحكة المكتومة التي عرف بها حين ينتهي من رواية المشهد الذي تأخذه- عنوة- فيه الشاعرة العاشقة.
2-
بعد تجربة مجلة اسفار امتدّ اعجابي بعبد الامير جرص – انسانا وشاعرا – الى جريدة (صوت الطلبة) وكانت من الصحف المقروءة بين اواسط طلاب الكليات؛ لأن (الاتحاد الوطني) كان يفرضها فرضا على الجامعات والمعاهد؛ حيث عهد لي الاشراف على قسمها الثقافي؛ ولعلّ الشعراء عبد الخالق كيطان والشاعر- الذي تفرغ فيما بعد للمسرح تماما- كاظم النصار ومحمد تركي النصار؛ يذكرون ان هذا القسم كان عبارة عن ملتقى ادبي نجمه (جرص) لكون جريدة الصوت قريبة من مقر عمله ك(مصصح لغوي) في جريدة الجمهورية؛ وقريبة ايضا من الكلية التي يدرس فيها كاظم النصار وكذلك محمد تركي.
ولعل عبد الامير؛ الشاعر الوحيد الذي اجري معه حوار طويل امتدّ على مساحة كبيرة من الصفحة الثقافية؛ وهو بعد لم ينشر سوى قصيدة واحدة وليست مجموعة شعرية؛ واظن ان احد الفرسان الثلاثة ( كيطان – كاظم – محمد) هو من اجري ذلك اللقاء.
3- 
ما يؤسفني ان لديّ وثائق اخرى غير تلك التي سأنشرها الان؛ ضاعت مع ارشيفي الذي كنت احتفظ به في ادراج مجلة الف باء؛ بعد ان نهبها الحواسم في احداث 2003؛ كما ان ما ثبّته الشاعر على ديوانه الاول( قصائد صد الريح) من اعتراف بما تركته نقاشاتنا على قصائده من اثر؛ وأكّده ثانية في اهداء ديوانه اللاحق؛ يدلّ على حجم نبل هذا الشاعر وعدم تنكّره لمن يقدم له ولو اصغر معروف؛ وهذه صفة من صفات الشعراء الكبار في اعتقادي.

Facebook
Twitter