من بغداد والموصل إلى بروكسل وبرلين: عصابات داعش الارهابية تنقل خلاياها النائمة إلى أوربا بهدوء وسلاسة

 منذ الصيف الماضي وأحمد سليم البالغ من العمر (26) سنة يقضي ساعات أكثر برفقة أصدقائه في منطقته بحي المنصور غربي العاصمة بغداد بعد أن كان يهرب منها إلى أي مكان آخر خشية أن يلتقي صدفة بنزهان شاكر الشاب الثلاثيني الذي يعرف الجميع في هذا الحي أنه أحد أخطر المنتمين إلى التشكيلات السرية لتنظيم داعش أو ما يعرف بالخلايا النائمة للتنظيم.

فأحمد وأصدقاؤه يعرفون جيدا أن نزهان قد يجعلهم في قائمة ضحاياه الذين قتلهم بعد تعذيبهم لأسباب تافهة كالنظر إليه نظرة لا تعجبه او انتقاده لموقف ما، ويعود أول اسم في القائمة الى العام 2005 عندما كان نزهان العنصر الأكثر نشاطا في الخلية السرية التابعة لتنظيم القاعدة وقتها.

الشاب المتشدد اختار فجأة أن يترك هذا الحي لكن وجهته لم تكن الى (أرض الخلافة) كما يسميها في إشارة الى المناطق التي يسيطر عليها تنظيم داعش في العراق وسورية والتي يعرف المقربون من نزهان أنه كان يحلم أن تمتد إلى وسط العاصمة بغداد حيث يسكن هو وعائلته بل كانت وجهته إلى أوربا التي كان يصفها دائما بـ(أرض الغرب الكافر).

ويقول أحمد إنه فوجئ بمعرفة أن نزهان سافر فعلا إلى أوربا.. “هذا الأمر كان بالنسبة إليه ضربا من الخيال” غير أن معرفة الأسباب وراء هذا القرار المفاجئ سرعان ما تزيل علامات الاستفهام عن سفر نزهان.

فالمسؤول عن الخلية التي ينتمي إليها الأخير أبلغه بضرورة السفر الى تركيا الصيف الماضي ومنها الى أوربا التي كانت حدودها مفتوحة أمام أفواج اللاجئين من العراق وسورية ليرتبط بعدها بمسؤول آخر ينتظره في بروكسل العاصمة البلجيكية.

وبالفعل ووفقا لما ترويه والدة نزهان لجيرانها في الحي فإن ابنها وصل إلى بروكسل وهو بانتظار الحصول على الإقامة وجواز السفر البلجيكي.

تعهد المسؤول الأعلى في الخلية التي ينتمي إليها الشاب المتعصب هنا في بغداد بإيصاله هو وكثيرين غيره الى أوربا لينتشروا في عواصمها المترامية الأطراف وفقا لتقسيم عمد على وضعه قادة تنظيم داعش.

لم يكن أحمد ليعرف شيئا عن الرجل الداعشيورحلته الى أوربا والحقيقة وراءها، لولا أن عمر وهو الأخ الأصغر لنزهان كان أيضا من المعارضين بشدة لتوجهاته ما جعله يتحدث إلى أحمد وبقية الشباب في المنطقة دون تحفظ.

ويؤكد عمر أن نزهان فاجأهم بقرار السفر إلى أوربا ذات ليلة لينفذ قراره في صبيحة اليوم التالي دون أي تردد أو تهيئة مسبقة للموضوع.

لم يكن صعبا بالنسبة له وهو المتمكّن مادياً بحكم أنه ابن لعائلة ثرية أن يحصل على تذكرة سفر مستعجلة على متن الخطوط الجوية التركية بعد أن ساعده في الحصول عليها موظف أحد مكاتب الشركة في بغداد مقابل أجر إضافي يوفر عليه عناء الانتظار لأسبوع على أقل تقدير بسبب الزخم على السفر إلى الجارة الشمالية وقتها.

لم ينتظر نزهان في تركيا أكثر من 24 ساعة ليعبر بعدها إلى اليونان ومنها اكمل مسيرته الى بلجيكا حيث ينتظره هناك رفاقه في الخلية الجديدة والذين وصل أكثرهم بالطريقة نفسها.

ويوضح عمر أن أخاه الأكبر نزهان لن يواجه مشكلة في الحصول على الإقامة أو الجواز البلجيكي باعتبار أن قضيته التي قدمها الى الجهات المعنية في منح هذه الوثائق هي قضية مضمونة إذ أن التنظيم وظف أشخاصا يعملون لضمان حصول عناصر خلاياه على الإقامة وحق اللجوء دول الاتحاد الأوربي، وهم يهيئون كل ما يحتاجه العنصر الجديد في كسب القضية بدءاً بقصة الهجرة وأسباب طلب اللجوء والدلائل على وجود خطر حقيقي على حياته في بلده الأصلي وغيرها.

اللافت أن الشاب الارهابي رفض أن يرافقه أي أحد من عائلته في هجرته إلى أوربا بل إنه أجبر شقيقته على الانفصال عن زوجها الراغب أيضا في الهجرة الى أوربا وطلب اللجوء فيها وأخبرها وقتها أن الفتاة التي تريد الحفاظ على سمعتها وأخلاقها يجب أن لا تفكر بالعيش في دول الغرب وهو ما أثار استغراب عائلة نزهان أكثر حول سبب سفره المفاجئ والذي لم يجدوا له تفسيرا إلا بعد تأكدهم من أنه سافر من أجل الانتماء في تشكيلات جديدة للتنظيم المتطرف هناك.

من يعرف نزهان يجد أنه فتى طائش لم يفكر في الزواج رغم بلوغه نهاية الثلاثينات من العمر وله ميول إجرامية منذ الصغر عمل على مراعاتها بالتمتع بالقتل وتهديد شباب المنطقة بالتعذيب طيلة فترة انتمائه للتنظيمات المتطرفة التي بدأها بالقاعدة وصولا إلى داعش قبل أن يأخذ فترة انتقالية قضاها في تشكيلات الصحوة التي دعمتها القوات الأميركية والحكومة العراقية بهدف إنهاء تنظيم القاعدة وقتها.

كما أنه ورغم ثراء عائلته كان يحب الحصول على المال من أي كان وبأي وسيلة كانت، وذات ليلة ظل ساهرا حتى الصباح ليكسب رصيد تعبئة إضافي في هاتفه الجوال بعد حدوث ثغرة في نظام شركة الاتصالات التي يمتلك خطا فيها ليكون حديث الكثيرين من الجيران الذين استغربوا حاجة شخص ثري مثله إلى بضعة دولارات تضاف إلى رصيده في الهاتف.

نزهان هو واحد من عشرات الأشخاص وربما المئات الذين ينتمون الى الخلايا النائمة لتنظيم داعش والذين تمكنوا من الوصول الى اوربا بالطريقة ذاتها وبتفاصيل مختلفة كما يعتقد الكثيرون هنا.

 

أما داخل مناطق سيطرة تنظيم داعش كالموصل في نينوى والحويجة في كركوك والشرقاط في صلاح الدين وهيت في الأنبار فالأمر مختلف قليلا.

حيث يعمد التنظيم الى حصر موافقات السفر بقادة محددين وهم وحدهم المخولون بتحديد الأشخاص الذين يمكن الإفادة منهم خارج مناطق سيطرة التنظيم من الذين يعملون على إخراجهم بطرق عملية تمكنهم من عبور نقاط تفتيش القوات العراقية أو السورية في الجانب الآخر وصولا الى تركيا ومنها الى أوربا.

وتؤكد وثيقة أن التنظيم حدد مكاتب منح موافقات السفر (أو مكاتب الكراجات كما يسميها التنظيم) داخل كل منطقة تخضع لسيطرته وحدد القادة المسؤولين عن منح هذه الموافقات.

إلا أن نازحين من هذه المدن أكدوا أن هذه المكاتب لم تكن تمنحهم الموافقات رغم تنفيذهم للشروط التي تحددها مسبقا بينما يتمكن عناصر التنظيم من الخروج في الوقت الذي يريدون والسفر إلى حيث يشاؤون.

“طلبوا مني ما يثبت حاجتي لإجراء عملية جراحية فقدمته لهم .. وطلبوا مني سند بيت داخل الفلوجة فقدمته لهم وطلبوا الكثير من الضمانات فقدمتها ولم يمنحوني الموافقة على الخروج حتى جاءت القوات الأمنية العراقية وحررت المدينة” .. يقول محمد الفلاحي أحد النازحين من مدينة الفلوجة.

ويضيف الفلاحي إن “عناصر التنظيم المعروفين داخل المدينة كان بإمكانهم الخروج منها في حال أرادوا ذلك ونحن نعرف الكثير ممن خرجوا ولم يعودوا دون أن يثيروا غضب التنظيم.. هم أخرجوا من يريدون وأبقونا نحن داخل المدينة”.

يتخذ تنظيم داعش حاليا أشكالاً غير محددة لوجوده في الدول الأوربية ودول العالم بصورة عامة بعد تراجع مناطق وجوده في العراق وسورية إلى نسب قليلة عما كانت عليه منذ إعلانه إقامة الدولة الإسلامية في حزيران من العام 2014.

“تنظيم داعش يعتمد على اللامركزية في عمله حتى في المسائل الأمنية والعسكرية بما فيها الهجمات التي تشن في هذا البلد او ذاك وتنسيقها” يقول الخبير في شؤون الجماعات المسلحة هشام الهاشمي.

ويوضح الهاشمي أن “هذا الأمر هو سبب بقاء التنظيم في أماكن مختلفة من العالم حيث أن اللامركزية تعطي الحرية في الدعم والإسناد”.

ويعتقد الهاشمي أن الاعتداءات التي شهدتها أوربا وأميركا في أوقات سابقة وتبناها تنظيم داعش تفسر أن “اللامركزية باتت عابرة للحدود لدى الجماعات التابعة للتنظيم”.

ويرى الهاشمي أن “قيام التنظيم بنشر اسم وصورة منفذ العملية وتفاصيل عن حياته وهو أمر يصعب على الـ(CIA) والـ(FBI) القيام به هو دليل على أن المنفذ فعلا منتمٍ للتنظيم حيث أن هنالك تنسيقا واستعدادا مسبقا لنشر الخبر بالتفاصيل والصور”.

وبموازاة ذلك يعمل تنظيم داعش حاليا على إنشاء شبكة تواصل إليكترونية تسهل من التنسيق بين عناصره في دول العالم المختلفة لا يزال شكل هذه الشبكة مقتصرا على الوسائل الإليكترونية المعتادة في التخاطب والتواصل كالبريد الإليكتروني ومواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات التواصل في الهواتف الذكية وغيرها وهو ما يجعل منه كيانا غير محسوس على أرض الواقع رغم زيادة أعداد عناصره.

كما تظهر استمارة أن التنظيم يعمل على إحصاء كل قتلاه لتبليغ ذويهم لاسيما من هم من دول بعيدة وهو دليل آخر على أن التنظيم يستخدم البريد الإليكتروني وغيره من وسائل دون أي اكتراث لمتابعات أو غيرها.

 

Facebook
Twitter