فردوس ميسان تفتقد البنى التحتية لجذب السيّاح ومداخلها تجتاحها الفوضى والحداثة الاعمار الشاحب لم يحجب بدائية الحياة في المحافظة وضواحيها

المدى برس/ مهند جواد: بعد رحلة طويلة وشاقة دامت لنحو ست ساعات، وصلنا إلى مدخل محافظة ميسان،برفقة مجموعة من الإعلاميين وأعضاء اتحاد شركات السياحة العراقية، المنظمة لجولة سياحية إلى أهوار العمارة.

مدخل مدينة العمارة مركز محافظة ميسان لا يختلف كثيراً عن مداخل المحافظات الجنوبية، حيث تفتقر نقطة التفتيش الرئيسة الى التنظيم والبناء المثالي الذي يشعرك بدخول الى مدينة قيل الكثير عن التغيير الذي حصل بها خلال السنوات القليلة الماضية.

بعد تجاوز نقطة التفتيش، تجد بعض المنازل المشيدة حديثاً بتصاميم حديثة وفارهة وشوارعها جميلة ومعبّدة حديثاً، اعطت صورة ايجابية تختلف عن مدخل المدينة التي طالما تغنّى بها البعض في مجال التنمية، وعلى طول الطريق الواصلة إلى مركز المدينة يختلف شكل الاحياء بين بناء حديث وآخر لا يزال يحافظ على الصفة الملازمة للمحافظة على أنها “ريفية وفقيرة” حيث هناك بعض البيوت الطينية وسكانها ما يزالون يربون المواشي والدواجن، أما مركز المدينة فكان وضعه الخدمي جيداً من حيث الجسور الحديثة المشيّدة والشوارع الواسعة التي زرعت على اطرافها اشجار مختلفة.

وقبل حلول المساء وصلنا إلى مقر إقامتنا المقرر في منتجع (جنة عدن السياحي)، في وسط مدينة العمارة، وهو المتنفس الوحيد للعوائل الميسانية التي غادرت الصفة الريفية وتعيش نوعاً من الانفتاح البسيط على العالم والذي بدا واضحاً من خلال طريقة الملبس، فأغلب الفتيات يرتدين الجينز والسراويل مع قميص طويل! وهو زي كان “ممنوعاً ومنبوذاً في العمارة المدينة المحافظة على عاداتها القبلية والدينية”.

وكان منتجع جنة عدن السياحي يعج بالناس حتى وقت متأخر من الليل، بالإضافة إلى حفلات الزواج واستقبال المتزوجين حديثاً، ويضم المنتجع ألعاباً ترفيهية وحدائق ومطاعم وكازينوهات، لكننا “لم نلمس خدمة جيدة” من إدارة الفندق فضلاً عن كون غرفه “صغيرة وذات ألوان بائسة”.

بعد انتهاء الحفل الذي أقامته نقابة المحامين العراقيين واتحاد شركات السياحة العراقية دعماً لإدراج أهوار العراق ضمن لائحة التراث العالمي، أجريت جولة برفقة الزملاء الإعلاميين الذي كانوا يرافقوني في بعض أحياء مدينة العمارة.

بدأت الجولة من كورنيش العمارة، الذي تم اختياره كـ”أفضل شارع” في العراق عام 2012، حيث وجدناه قد “فقد تلك الصفة فكان عادياً جداً لا يكاد يضاهي أسوأ الشوارع في العاصمة بغداد”، فضلاً عن أنه كان “معتماً في أغلب مناطقه وبرغم ذلك يمكن مشاهدة الحفر والمطبات وتآكل المقرنص على جوانبه وانتشار النفايات فيه”.

 استمرت جولتنا نحو مناطق أخرى تظهر مدى “بؤس” مدينة العمارة، “ما نسف” الصورة الجميلة التي رأيناها في بعض احياء المدينة.

مناطق الحواش، السراي، مدخل الشيب، ومناطق وأحياء أخرى تتحدث بجلاء عن معاناة الأهالي حيث “لا طرق معبدة ولا مبانٍ حديثة والإهمال في كل مكان كما كان الحال في السنوات السابقة”، كما لاحظنا كثرة المشاريع “المتوقفة والمتلكئة”، ومباني الدوائر الحكومية “المتهالكة”، حتى جسر السراي المعلق الذي “يسرق أنظار” القادمين للمحافظة، “لم يكتمل وما تزال أطرافه غير منجزة لتوقف العمل به كما أن الطرق المؤدية إليه مملوءة بالحفر”.

ومما يجذب النظر في مركز مدينة العمارة، كثرة “التلال الترابية التي يخالها الناظر للوهلة الأولى طبيعية، قبل أن يقترب منها ليكتشف أنها من بقايا المشاريع أو الحفريات، التي تركت برغم خطرها وما تسببه من تلوث”.

في الرابعة صباحاً تم ايقاظنا من قبل منظمي الرحلة، للذهاب إلى هور أم النعاج، وهو الجزء “الأهم والأكبر” من هور الحويزة، شرقي ميسان، وبعد قرابة الساعتين وصلنا الهور وعقب إجراءات أمنية احترازية، سمح لنا بركوب “المشاحيف” وإجراء جولة في الهور.

الطريق من مقر إقامتنا في منتجع جنة عدن، وصولاً للهور كان جميلاً حيث الطبيعة والأنهار الصغيرة والقرى والمنازل الطينية والأبقار والأغنام التي تسير وسط الطريق غير آبهة بالمارين، كما شاهدنا العشرات من معامل الطابوق ومحطات كهربائية ومصفاة نفطية.

بدأت رحلتنا في هور أم النعاج، في قضاء الكحلاء، ويبلغ عرضه بحدود 25 كم، وعمقه لغاية الحدود الإيرانية بحدود 30 كم، وكان من ضمن الأهوار المجففة جزئياً ثم عادت له المياه بصورة طبيعية بعد سقوط النظام السابق .

المنظر في الهور “لا يوصف” حيث الطبيعة الجميلة والطيور المتنوعة بالإضافة إلى الجاموس الذي كان يغطي جسده في الماء هرباً من حرارة الجو، وفي جانب آخر كان صيادو السمك يلّوحون لنا بعدم الاقتراب من شباكهم.

 

وقد رافقتنا مجموعة من العوائل والنساء ممن يمتلكن شركات سياحية، وكان الجميع مستمتعاً بخاصة لمن يزور الهور للمرة الأولى في حياته.

حياة الناس كانت بدائية، منازلهم مشيّدة من الطين واللب والقصب، والنساء ترعى الاغنام وبعضهن يقدن المشاحيف نحو عمق الهور إما للصيد وإما لجمع القصب (البردي) لاستعماله كحطب أو لبناء المنازل.

ويقول أبو عباس، وهو من سكنة الهور، في حديث إلى (المدى برس)، إن “الحياة في الأهوار لا تختلف كثيراً عنها في الريف حيث تتكفل المرأة بشؤون المنزل كتركيب الطعام وجمع الحطب والرعي ونقل الماء، في حين يتكفل الرجال بتوفير الطعام والصيد وغيرها”.

ويضيف المواطن الميساني، أن “سكان الهور ينتظرون قدوم السياح ليتوسع مصدر رزقهم”، ويبيّن أن “وظيفتهم في الوقت الحالي تقتصر على نقل السيّاح بالمشحوف في جولة داخل الهور لمدة ساعتين، مقابل مبلغ يتراوح بين 30- 50 ألف دينار”.

ويوضح أبو عباس، أن “ما بين 20-40 شخصاً يزورون الأهوار اسبوعياً بعضهم للسياحة والصيد وبعضهم إعلاميون لإجراء لقاءات وإعداد تقارير عن الأهوار”، لافتاً إلى أن “المنطقة تعاني نقصاً في كثير من الخدمات. أن اهلها يعتمدون في غذائهم على صيد السمك والطيور بالإضافة إلى ما يزرعونه وما تنتجه الحيوانات التي يربونها”.

عودة الحياة للأهوار وضمها للائحة التراث العالمي “لا يكفي” كما يرى عدد من أصحاب الشركات السياحية، إذ يدعون إلى “إقامة بنى تحتية ومنتجعات سياحية لاستقطاب السيّاح من مختلف العالم”.

ويقول رئيس منظمة العراق لتنمية وتطوير السياحة والآثار، مهند الساعدي، إن “العراق يمتلك مناطق بيئية وسياحية جميلة تحتاج لدعم دولي لتطويرها واستثمارها جيداً”، مبيناً أن “أهالي الأهوار عانوا كثيراً منذ تجفيف المنطقة والحصار الذي فرض عليهم من قبل النظام السابق”.

ويذكر الساعدي، أن “شركات السياحة تعد برامج خاصة بالأهوار خاصة بالعراقيين كمرحلة أولى، على أن تكون في السنوات المقبلة للأجانب”، مشيراً الى أن “المناظر الجميلة في الأهوار لا تكفي ولا بد أن تكون هناك بنى تحتية سياحية لجذب السيّاح الأجانب”.

ويتابع رئيس المنظمة، أن “الفنادق في ميسان وذي قار بعيدة عن الأهوار إذ توجد في الأولى على بعد نحو 40 كم وفي الثانية 70 كم”.

بدوره يقول أمين سر اتحاد شركات السياحة والسفر، فراس الدليمي، إن “الأهوار مدن سياحية لم يتم استثمارها على الوجه الأمثل”.

ويرى الدليمي، أن هناك “ضرورة لبناء منتجعات سياحية ومرافق قريبة من الأهوار وتعبيد الطرق الواصلة إليها”، مؤكداً أن تلك “الأمور بسيطة ويمكن إنجازها خلال مدة قصيرة عن طريق الاستثمار الخاص بدعم حكومي”.

ويوضح أمين سر الاتحاد، أن “عدم توافر تلك الخدمات يشكل أهم معوقات تنشيط السياحة في الأهوار التي تمتاز بالأمان وسحر طبيعتها إذ لا يوجد مكان يشبهها”، متوقعاً أن “تنشط السياحة نحو الأهوار من قبل الأجانب في السنوات المقبلة خاصة بعد أن يتم ضمها للائحة التراث العالمي”.

ويشدد الدليمي، على أهمية “تنظيم عمل أصحاب المشاحيف ووضع أسعار مناسبة للجولات التي يقومون بها للسيّاح”.

 

100 زورق نهري للتنقل في الهور

ويقول المدير المفوض لشركة (أحلى الرواسي للسفر والسياحة)، محمد كريم مزعل، إن “شركات السياحة العراقية قادرة على استضافة السيّاح الأجانب والمحليين وتنظيم جولات لهم في الأهوار”، مضيفاً أن “الأمر لا يقتصر على شركات السياحة فقط إنما يجب أن تعمل الحكومة على إقامة بنى تحتية سياحية كاملة قرب الأهوار بالإضافة إلى توفير أكثر من 100 زورق نهري وزيادة عدد عناصر الشرطة النهرية للسيطرة على حركة السيّاح وأهالي المنطقة داخل الأهوار وتنظيم الصيد فيها”.

ويذكر مزعل، أن “الأهوار تشكل كنزاً عراقياً لم يكتشف بعد أو يستثمر بالنحو الصحيح”، ويدعو إلى ضرورة “استثمار الأهوار بنحو علمي سليم لإفادة سكانها وتحسين ظروفهم بما يعود بالخير على البلد بعامة”.

وكانت منظمة اليونسكو، وافقت، الـ(17 من تموز 2016)، على ضم الاهوار والمناطق الاثرية في العراق على لائحة التراث العالمي بعد تصويت جميع الاعضاء بالموافقة.

وبموجب قرار منظمة اليونسكو فإن الاهوار والمواقع الآثارية التي ادرجت على لائحة التراث العالمي هي آثار اور وأريدو في ذي قار وآثار الوركاء في المثنى وهور الحويزة في ميسان والاهوار الوسطى في ذي قار وميسان وهور الحمار الشرقي في البصرة وهور الحمار الغربي في ذي قار.

Facebook
Twitter