لا تثقوا بالولايات المتحدة : خلّي أمريكا تكفّينا شرها وما نريد خيرها (6) د. حسين سرمك حسن

اخترتُ هذا التعبير الذي أعلنه الشيخ العراقي الباسل المقاتل “قيس الخزعلي” للصحفيين عبر الفضائيات (26/1/2015) والمأخوذ عن مثل عراقي معروف ليكون عنواناً لهذه الحلقة ، ففي هذا التعبير خلاصة ما نريد قوله ، وهو إعلان يثلج القلب والضمير لأن قطاعا مهمّاً من القادة العراقيين يدرك طبيعة الدور الأمريكي التخريبي في العراق . لقد دمّروا وطننا .
ولكن قبله دمّروا كلّ بلد امتدت إليه إيديهم . قد يقول قائل إنّ هذه المواقف تعبّر عن كره غير مبرّر للولايات المتحدة الأمريكية . وقول القائل هذا يشعر به الساسة الأمريكيون قبل غيرهم باستمرار . هل تعتقد سيّدي القارىء أنّ السؤال الذي طرحه الرئيس الأمريكي المدمن والمتأتىء “جورج بوش الإبن” بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وهو :
(لماذا يكرهنا العالم مع أنّنا طيّبون ؟)
هل تعتقد أخي القارىء أنّه سؤال جديد على الساسة الأمريكيين الذين يندهشون لأن العالم يكره دولتهم وهي أعظم وأقوى وأحدث دولة في التاريخ ؟
نفس هذا السؤال طرحه الرئيس الأمريكي “دوايت إيزنهاور” وهو الرئيس الرابع والثلاثون للولايات المتحدة (1953 – 1961) طرحه في مناقشة داخلية على هيئة مستشاريه في عام 1958 حيث سألهم ، وبالحرف الواحد :
(هناك حملة كراهية ضدنا في العالم العربي ليس من قبل الحكومات فحسب ، بل من قبل الشعب . فما هو السبب ؟) .
فجرى نقاش حول ذلك ، وقدم مجلس الأمن القومي تحليله قائلا :
(هنالك إدراك في المنطقة بأن الولايات المتحدة تدعم أنظمة قاسية وحشية فاسدة ، وتحول دون قيام الديمقراطية ودون التنمية ، وتفعل ذلك كله بسبب اهتمامها بالسيطرة على مخزون النفط في المنطقة ) .
وأضافوا قائلين :
(من الصعب مواجهة هذا الإدراك لأنه صحيح ، وليس صحيحا فقط ، بل ينبغي أن يكون صحيحا . ومن الطبيعي أن ندعم الحكومات القائمة وأن نمنع ظهور الديمقراطية ، ونحول دون التنمية ، لأننا نريد الاحتفاظ بمصادر الطاقة في المنطقة ، ولهذا هناك حملة كراهية ضدنا من قبل الشعب ، وهذا هو سببها ) .
إذن شعور الأمريكان بأن الشعوب تكرههم ، ومعرفتهم بالأسباب الحقيقية معروف وليس غريباً ، ولكن الأغرب هو أنهم يصرّون على الأسباب التي تجعلهم مكروهين وهذا ما نسمّيه “البنية” ، البنية النفسية والعقلية العدوانية ، التي ترسخت مثل الإسمنت ولا ينفع معها سوى الكسر .
لكن هل هذا الكره هو بين الشعوب فقط كما يرى الرؤساء الأمريكيون ؟
سيندهش السادة القرّاء حين يعلمون أنّ هذا الكره موجود حتى بين فئة “التكنوقراط” المُعجبين بالنموذج الأمريكي والذين تُطبّل الولايات المتحدة لدورهم وتعتبرهم مفتاح الخلاص للشعوب المتخلّفة . وهذه مفارقة عجيبة كشفها المؤرّخ والمفكر “نعوم تشومسكي” حين أظهر أنه ليست الشعوب فقط هي التي تكره سياسات الولايات المتحدة بل حتى “مريدوها” !! . فقد أجرت الصحافة الأمريكية خصوصا “الوول ستريت جورنال” استقصاء في الشرق الأوسط لإيجاد جواب عن سؤال جورج بوش الإبن الهام : ” لماذا يكرهوننا ، مع أننا طيبون ؟ ” . لم تجره على قطاعات شعبية أو مجموعات سياسية معارضة أصلا لسياسات الولايات المتحدة ، بل على ما يسمونهم ” المسلمين المتموّلين ” ، أي المصرفيون والمحامون ومديرو فروع شركات وبنوك الولايات المتحدة في العالم ، وهم أناس ضمن إطار نظام الولايات المتحدة وبالتالي يحتقرون “الإرهابيين” الذين يكرهون الولايات المتحدة لأنهم يشكلون هدف هؤلاء الأساسي ويلاحقونهم ، فماذا كان رأي هذه المجموعة في الولايات المتحدة ؟ .
لقد تبين أنهم مُعادون لسياسة الولايات المتحدة – مثل السياسات الاقتصادية العالمية التي هم جزء منها !! ، ولكن اعتراضهم الأساسي يتركز على واقعة أن الولايات المتحدة الأمريكية تعارض الديمقراطية والتنمية وتدعم الأنظمة الفاسدة الوحشية . وهم يعترضون بقوة على دعم الولايات المتحدة طرفا واحدا هو الاحتلال العسكري “الإسرائيلي” القاسي والوحشي الذي مازال مستمرا .                                                                     
وكان جوابهم النهائي هو أنهم يكنون كرها كبيرا لسياسات الولايات المتحدة ، رغم أنهم في قلب النظام الأمريكي كله . هذا جواب على سؤال جورج بوش (من كتاب االقوة والإرهاب جذورهما في عمق الثقافة الأمريكية) .
لكن هذا الكره هل هو بالنسبة للعرب فقط ؟
وفي ختام الحلقة السابقة نقلنا تصريحا لـ “كارلوس ساليناس” مدير العلاقات الحكومية في منظمة العفو الدولية (آمنستي انترناشيونال) آنذاك قال فيه  :
(الأمريكيون اللاتينيون أدرى من معظم الشعوب الأخرى بأن الحكومة الأمريكية هي أحد أكبر عرّابي الإرهاب ورُعاته)
فما هو الخراب الذي سبّبته الوايات المتحدة لدول أمريكا اللاتينية ؟ 

Facebook
Twitter