كيف هزم البغداديون الخوف وتحدوا الارهاب؟

“انظر، مازلنا على قيد الحياة”، هكذا قال أحد الشباب أثناء سباق سيارات الروديو في العاصمة العراقية، وهو أحد السباقات غير الرسمية التي ينظمها كثير من الرجال في حي الزيونة، تجمع العشرات لاستعراض سيارتهم السريعة ومهاراتهم في القيادة، في سباقات يطلق عليها هواة السباق “بطناشات وتفحيط”.

يدوس الشباب على الفرامل بقوة، ويسرعون المحركات، يستعرضون سياراتهم من الماركات المختلفة، باعثين كميات من الدخان في هواء العاصمة. وبعيداً عن “مضمار السباق” غير الرسمي الذي يستخدمه الشباب، يظن العابر أن هناك قنبلة قد انفجرت من كمية الدخان، لكن هدير المحركات وأصوات الضحك المرتفعة تخفف سريعاً من التوتر.

تسببت سلسلة التفجيرات الأخيرة في مقتل 200 شخص تقريباً في العاصمة العراقية، ورغم ذلك ما يزال الناس يحاولون الاستمرار في حياتهم بشكل طبيعي. لم يعد هناك حداد ولا نداءات للمدنيين للبقاء في منازلهم. ومازال لتنظيم “داعش”، الذي يشن حملة هجوم ضد الأغلبية الشيعية في البلاد، أياد خفية في المدينة.

وإن كان التنظيم الارهابي قد اضطر إلى تغيير تكتيكاته في الأشهر القليلة الماضية، بعد أن فقد تقريباً نصف المناطق التي كان يفرض سيطرته عليها، ومن بينها مثلاً تكريت والرمادي، بالإضافة إلى بلدات تقترب من التحرر منهم مثل الفلوجة والموصل. وكانت النتيجة هي تكثيف العمليات الإرهابية ضد المدنيين في المدن العراقية.

ولا يرى السكان المحليون وسيلة أخرى للتعايش مع الإرهاب، سوى تجاهله. فحتى في اليوم الذي ضربت فيه ثلاثة أحياء مختلفة من بغداد، وقتل فيه نحو مائة شخص، كان كثير من الشباب يجلسون ليتمتعوا بنسيم الهواء ويدخنون الشيشة ويتسامرون.

كما أن التفجيرات التي استهدفت بشكل خاص الأحياء المكتظة لم تمنع الرجال من الاستمرار في سباقات الروديو في الزيونة. ويقول أحمد فاروق في مقابلة مع DW “نحب السيارات”. قبل ذلك، كانت هناك سباقات حقيقية في مناطق أخرى من المدينة، لكن بعد أن منعت من قبل الحكومة، قام فاروق بتأجير قطعة أرض خلف الجامع وتحويلها إلى مدرج للمتفرجين.

وبنفس المنطق، لم تمنع التهديدات الأسر العراقية من الخروج للاستمتاع بالآيس كريم في حي المنصور ، أو من الخروج للتسوق في متجر المنصور الفاخر، لشراء أحدث المنتجات الغربية. بالنسبة للنساء، تعد هذه واحدة من وسائل الترفيه القليلة المتاحة.

ورغم التهديدات التي تواجه سكان الأحياء الشيعية بشكل خاص، يمكن الاستماع للموسيقى الصاخبة الصادرة من أجهزة الراديو في سيارات أحد الجسور الطويلة فوق نهر دجلة، وهي في طريقها لحفل زفاف.

وبينما يمكن للعراقيين تجاهل التفجيرات، يبدو التعامل مع الفساد أصعب، وهو الأمر الذي يجعلهم أكثر انشغالاً. ففي كل جمعة، يخرج الآلاف إلى الشوارع احتجاجاً على الفساد وضعف الخدمات المقدمة من السلطات.

باسم علاوي، الذي يدير أحد المتاجر في شارع المتنبي، حيث يلتقي المثقفون أسبوعيا، يقول إنه يشعر بخيبة الأمل ولن يشارك في الاحتجاجات، رغم أن ابنة أخيه، وهي أم لستة قتلت في الهجمات الثلاثية الأخيرة في حي مدينة الصدر. ويضيف “كنت آمل أن نتمكن من تغيير شيء ما عن طريق التظاهر، لكن الأحزاب الدينية تسيطر على الاحتجاجات”.

يتهم علاوي السلطات بعدم الاهتمام بشكل كاف بالضحايا، ويضيف: “يعتقدون أن حياة العراقيين رخيصة”. مازال هناك نقص في الكهرباء والمياه وفي عملية التخلص من القمامة. وتطلب وحدات التخلص من القمامة من السكان أن يدفعوا لها، بالإضافة إلى ما تحصل عليه من رسوم، وهو ما لا يستطيعه الكثيرون، وتكون النتيجة أكوام من النفايات تملأً شوارع بغداد.

ومثل كثيرين، يشكو علاوي أيضاً من انعدام الأمن: “نقاط التفتيش لا تعمل، ويجمع أن تكون عملية جمع المعلومات أكثر كفاءة”.

وفي ظل هذا المزيج من الفساد وانعدام الأمن، اعتاد العراقيون على التفجيرات كما يقول علاوي، ويضيف: “ليس الأمر كما هو عليه في أوروبا، حيث يتفادى الناس المكان الذي تعرض لتفجيرات، بل تجد الناس بعد تنظيف السوق من الهجوم يذهبون إلى هناك للتسوق مرة أخرى. نحن نعيش ببساطة مع القنابل”.

 

Facebook
Twitter