قيامة الخيول .. ل الشاعرة عبير عطوة عندما يتجاور الشعر و السرد كمطلب مضمر علي الدندح

تروض جموح الكلمات كما يروض الفارس الصنديد جموح الخيل , و تسقط الحروف صرعى العشق على صفحات مجموعتها ( قيامة الخيول ) , و الصادرة عن دار بعل بدمشق لعام ال 2015 , و التي تضم عشرة قصائد حوتها دفتي الغلاف ضمن 130 صفحة .

 

قيامة الخيول رمز للوجود , و ما تحمله هذه الكلمة من معنى قديما ً و حديثا ً , لأن الخيل معقود في نواصيها الخير , و هي رمز تخفت الشاعرة وراءه .

فأي قيامة تريدها  , و أي خيل هذه التي تريد منا عبير عطوة أن نسرج الكلمات لندخل في معالم ديوانها البكر , من بوابة :    

( الموت ُ حينا ً ..

و صهيل حتى الموت أحيانا ً

تقف الخيول  

على خارطة الشرق المنسي

تعويذة معلقة

على حدائق الموتى  ) . 

وعلى إبراز صراع نفسي لذات مبعثرة , تعمل على إعادة ترتيب شتاتها بنوع من القلق , بين الغياب و الانشطار الروحي من خلال الصورة المشهدية و التي تعكس واقعا ً ألم ّ بجغرافيا المكان من الإحاطة بنصوصها الطويلة 

( في المشهد المشرقي

خزف ٌ ملون ٌ و مقهى 

و ساعة جدارية

ضد أزمنتها الصدئة 

و شارع قديم يعج بالمارة 

و الذاكرة المتعبة .. 

هل من اسم لي ؟؟ ) .

نعم يا عبير اسم  التمرد على الحزن و الغبن و التحليق نحو آفاق رحبة , مبرزة الوجهة الآخر للحقيقة المضمرة , أو للحلم المأمول أو للرغبة المأمولة , أو للصورة المحلوم بها و التي ترسم ملامحك ِ كشاعرة لها خريطتها النفسية و الذهنية , إذ :

( ولا الرايات

و لا سيوف تقطع نصل الشمس

ولا …. خيول ترقصها

دماء الرجولة

هربت خيول الحكايا

عبرت على ظلي

لا شيء لي

لا موت يجعلني حقيقة

اقتل ظلي

ثم امشي في بنفسج روحي

فخذيني يا دمشق

غيمة للرب أنا

و أنا عرس الحمام

في بلادي البعيدة ) .  

من خلال ما تقدم نلاحظ استناد الشاعرة في بوحها على الصورة الشعرية المتداعية و الاستبدال اللغوي و الاستعارة و التنويع بين الكتابة الشعرية و النثرية , ما جعلها كتابة متمركزة حول ذات رسمت سيرتها بالارتكاز على الاسترجاع , كما برز طقس كتابة ليلية , تبعا ً للقاموس الموظف في العديد من القصائد , في حين برزت العلاقة بالمكان بين الحب و النفور و التمرد , ناهيك عن الحضور القوي لصورة الوطن و انتصاراته الخالدة و معالمه التراثية , إضافة إلى استحضار بعد القضايا الإقليمية  .

( … و أصبت … بزرقة السماء

فعاودني الحنين إلى تراب البلاد

أهيم طويلا ً بين أفقين  .. بين ذاكرتين

دمشق .. عاصمة روحي 

و القدس .. نبض يقظتي

و ارتعاشات لغتي

فقه ٌ و انتماء

و الموت الصامت هو ظلي

من يوازيني كبرياء ً . ) 

فالحميمية التي تكتب بها الشاعرة عبير عطوة عن ذاتها أو مساءلتها إن كان ظاهرياً  

يعري عن انكسار و خيبة و حزن فانه في ذات الجوهر يبرز بحثا ً عن التطهر و الصفاء , من خلال خطاب ارتكز على رصد تفاصيل يومية مفعمة بجرأة عالية و بصدق كبير .

( وحدي

و إنا ملكة الفراغ

اجلس على عتبة الصدى

أطارد في النعاس

سراديب الطفولة البعيدة

و تهز أصابعي

أرجوحة  فراشة عابرة 

و غدا ً …

ستلد كفي شمس الصباح

و غدا ً تعود فرسي

تبعث  ..

من جمجمة الرماد

تقبل زبد البحر

و تشرب على الرمال

نخب ظلي . )   

لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة .. لماذا تتدثر هذه القصائد الطوال بخطاب ذاتي , و هل يمكن اعتبار الخطاب نوعا ً من الأنانية أو مجرد تمركز حول الذات نفسها !! .. أم انه مجرد بحث عن تفرد و مغايرة , لتبدو الذات ككيان محتل من طرف نفسه , حسب ما تجلى من حمى الصراع الدائر في نفسية الشاعرة .  

( تشبه ُ ما يشبهني

يجرحني فيك .. و يجلدني النداء

واحدة ٌ إنا و وحيدة

أقف على حافة الزمن الماضي

اجمع رفات التاريخ

و أبني قلاع أزمنة ستأتي

ستوقظها في يوم قريب شمسي  

و أنا أشبه امرأة ً تشبهني

قتلت حين قتلت ُ

و لم اعد أدرك فينا

أي الانانيين .. أنا . ) 

على العموم يبقى أن نقول بأن هذه المجموعة خيال ُ صدى ً , بأفق ٍ مغاير في إطار من التأمل أو التقابل حسب طبيعة الموقف أو الموضوع .. ببوح شفيف يعري عن الرغبة و الشوق و الجنون .. لتشكل صورة شعرية متداعية و منسابة بهدوء , ما يجعلها تبرز كانعتاق من ربقة الصمت من حيثيات اندساسه لحظة استرجاع مفاجئ

لتتحول ذات  الشاعرة إلى صنوبرة تبارز عاصفة , و بقدر ما تعمل على افتضاض جموحها , تعكس ظلال نفسيتها التواقة الى ارتداء الحلم , كما أخبرت به الشاعرة عبير عطوة مارتن لوثر كينغ 

Facebook
Twitter