تفاصيل مؤامرة الاربعة (الجبوري والمالكي والنجيفي وعلاوي) ضد حيدر العبادي العبادي يخوض في حقل الغام داخلية وخارجية

سليم الجبوري يلعب في المنطقة الرخوة ويرتكب اخطاء دستورية

 

 

 

 
يتذكر العراقيون قرارات الدكتور حيدر العبادي الاصلاحية التي جاءت في ظروف غليان الشارع العراقي ومطالبته بالاصلاح . كانت الحزمة الأولى من القرارات الاصلاحية تشتمل على :
– إقالة نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء
– خفض رواتب النواب وأعداد حراساتهم .
هذه الحزمة حظيت بتأييد مجلس النواب وصوّت عليها بالإجماع في آب 2015 .

مجلس النواب نفسه ، بعد نحو تسعة أشهر ، وبالتحديد في الثاني من تشرين الثاني 2015 ، أخضع القرارات التي يصدرها رئيس الحكومة إليه . لاحظوا الصيغة ، فهو لا يريد أن يقول إن قرارات العبادي غير دستورية ، لأن مجلس النواب في هذه الحالة سيكون قد اتخذ قرارا غير دستوري ، وهو حامي الدستور ، بالتصويت على تلك القرارات بالإجماع .

بعد تسعة أشهر ، كما لو كان هذا الزمن منسي ، كما لو كان الزمن نفسه غير دستوري ، ينتبه البرلمان إلى أن قرارات حيدر العبادي غير دستورية ، لكنه ينسى أن يقول إنه هو نفسه أخطأ دستوريا!

إذن ما أعطاه البرلمان بيد ، سحبه باليد الأخرى ، من دون توضيح ، من دون تلميح ، وبصياغة منافقة وغريبة.
فيما يأتي صيغة القرار البرلماني : (بناء على احكام البند (ثانيا) من المادة (59) من الدستور صدر القرار الاتي: ان مجلس النواب العراقي اذ يؤكد تأييده ودعمه الكامل لحزمتي الاصلاحات النيابية والحكومية وحرصه على انجازها وفقا لاحكام الدستور والقوانين النافذة ضمن التوقيتات الزمنية المحددة بما ينسجم وتطلعات ابناء الشعب الذين وضعوا ثقتهم بهذا المجلس وحملوه مسؤولية تمثيلهم، فانه وفي الوقت نفسه، ينفي قيامه بتفويض اي من اختصاصاته التشريعية الموكلة اليه بموجب الدستور الى اي من السلطات الاخرى حيث انه والتزاما بمبدأ الفصل بين السلطات فانه ينبغي على كل سلطة من سلطات الدولة القيام بوظيفتها وان لا تحيل هذه الوظيفة الى غيرها من السلطات).
هذه الصيغة هي أقرب الى التوضيح منها الى القرار ، وهي متأخرة جدا عن قرارات العبادي الأولى ، لكن ترتبت عليها عودة نواب رئيسي الجمهورية والوزراء ، وتقديم أول صدمة “دستورية” للعبادي المتحمس الذي آزرته الجماهير والمرجعية . 
هناك سؤالان مشروعان يردان إلى الأذهان إزاء الصياغة البرلمانية لقرارها : هل هناك حادث استدعى هذا التأكيد البديهي المتعلق بفصل السلطات والبرلمان في دورته الثالثة؟ أليس هو متأخر جداً عن تاريخ قرارات العبادي؟
لقد استنتج الكثيرون أن الأمر مرتبط بتصحيح خطأ دستوري اقترفه العبادي بتنحيته نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ، خطأ عَبَرَ من فوق رؤوس الجميع في البرلمان ، ولم يُسمّ باسمه ، خشية الفضيحة ، لأن البرلمان في هذه الحالة متهم بعدم معرفته بالدستور وهو حاميه والمدافع عنه!
لكن علام هذا التستر وإخفاء الخطأ بدلا من البوح به؟ الجواب هو الاحتفاظ بالجدل داخل البرلمان ومنع ظهوره إلى شارع يغلي ما زال يتظاهر. لكن كيف كان يمكن أن تخفي صياغة لغوية تناقضات لها امتدادات في الشارع؟ واقع الحال أن المواطنين الذين كانوا يتظاهرون من أجل تحقيق مطالب لم ينفذها لا البرلمان ولا الحكومة ، باتوا على قناعة أن البرلمان لا يسترجع حقاً دستورياً في قراره الأخير ، بل يحمي نفسه من أي مساس بامتيازات أعضائه وممثلي الكتل الكبيرة في الحكومة والرئاسات .
هذا هو الاستنتاج الصحيح . البرلمان نفسه حدّد أفق الاصلاحات ، وأمسك بالعبادي المنطلق ، وأثار الشكوك من حوله ، وحاول تجريده من تأييد الجماهير والمرجعية! 
بصرف النظر عن دوافع العبادي الشخصية ، وبصرف النظر عن استعداداته الشخصة في الذهاب بالاصلاح أبعد ، ومقاومة جماعات المصالح له ، فإن حزمة قراراته الأولى جاءت استجابة لتحرك جماهيري كبير ندّد بالفساد وطالب بالحدّ من امتيازات النوابوالمسؤولين الكبار وإصلاح القضاء ، وحظى بتأييد المرجعية الدينية ، ولقد رضخ البرلمان نفسه إليها . من هنا فإن الموقف يتعدى دلالات الصلاحيات الدستورية إلى الوضع الكارثي الذي يمر به البلد .
إن اختزال كل هذه الوقائع ، والتشبث بالدستور ، حَمَلَ بصمات جماعات المصالح المتهمين بالفساد الذين يملأون البرلمان والحكومة . المعروف أنها المرة الأولى التي يعلن فيها المجلس النيابي عن حقوقه الدستورية ، بينما لم يعلّق على عشرات القضايا التي جرى فيها تجاوز الدستور أثناء حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. 
انتظر الجميع أن يرد العبادي على جماعات المصالح التي مارست لعبة إحراج وعزل ، لكن العبادي كان محرجا مرتين ، فهو خشي من أن يجعل هذه المعركة السياسية تعلو على صوت المعركة ضد داعش ، كما أنه شعر بالخذلان ، فحتى في حزبه ، حزب الدعوة ، يوجد تيار كبير ينتقده ويشهّر به ، كما أن قائد الحزب ، المالكي ، راح يثير أمامه الصعوبات . 
كان أول رد فعل للعبادي على قرار البرلمان تصريح نقله موقع مكتبه الإعلامي في 3 تشرين الثاني ، أي بعد يوم واحد فقط من القرار ، جاء فيه : “أن رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي أكد ” عزمه وإصراره على الاستمرار في الاصلاحات ومحاربة الفساد والفاسدين وعدم التراجع عن ذلك رغم التحديات والعقبات”.
ثم هذه الملاحظة التي تشير إلى الصراع الدائر: ” ولن تفلح محاولات من خسروا امتيازاتهم بإعاقة الاصلاحات أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ونقض ما أنجزناه، فإرادة المواطنين أقوى منهم وستقتلع جذور الفساد وتحقق العدل في العراق”. 
تعزيزاً لهذا الموقف نشر العبادي على موقعه الشخصي في الفيسبوك ملاحظة بدت رداً مباشراً على قرار البرلمان وإن كان ينقصها الوضوح والتفاصيل ، قال فيها : ” إن الفصل بين السلطات أمر مهم، ولكن ليس على أساس الفصل العضوي والتصارع بينها كما كان سابقا، إنما على أساس التكامل، ولكن البعض يحاول أن يعيد هذا الصراع ولن نسمح له”.

هذه الردود المهذبة التي لم يجر تداولها بكثرة ، كما لم يجر تحليلها لمعرفة ما جرى ، أضافت الغموض على موقف العبادي الذي استغلته جماعات المصالح في البرلمان والحكومة .

 
لقد جرت عملية سحب البساط من تحت رئيس الوزراء حيدر العبادي من قوى متناقضة اتفقت على الرغم من اختلافها في الدوافع والمراجع ، وجميعها استخدمت الشكلية الدستورية كذريعة. فالأكثرية وجدت في بقاء العبادي الرمزي ، وخلفه ضغوط جماهيرية وتأييد قوي من المرجعية ، ما يهدّد مصالحها، ويثير في ميزان القوى السياسي الاضطراب عن طريق عامل يقع خارج البرلمان غير محسوب النتائج .

 
الواقع أن كل الفاعلين المسؤولين سواء في البرلمان أو الحكومة لا يتحدثون بوضوح عما جرى ، فهم لا يريدون فتح نقاش علني لأنهم جميعا يتحملون المسؤولية في وصول البلد إلى حافة الإفلاس المالي ، بسبب الفساد وسوء التخطيط ، وفقدان أي هدف إيجابي . فضلاً عن ذلك ، يخوض البلد حرباً صعبة ضد داعش تستنزف الموارد المالية والبشرية ، وتضعه سياسياً تحت ضغوط دولية وإقليمية غير قادر على تفادي آثارها .

 
إن محاولة البرلمان إخفاء الجدل الداخلي بشأن دستورية قرارات العبادي ، تضافر مع صمته طيلة الأشهر السابقة عن مطالب الجماهير والمرجعية الدينية بمحاسبة الفاسدين وتطهير مؤسسة القضاء . هذا التضافر بات مكشوفاً جداً ، ولا يمكن إخفائه بلغة غامضة تتستر بالدستور . في هذا المفصل لم يطور العبادي نفسه حالة هجومية قوية ، ويعتمد على سياسة تتفق مع مزاج الجماهير . وهذه هي مآخذ الكثيرين عليه .

 
يشير المحلل السياسي مصطفى الكاظمي في مقال له منشور في موقع “المونيتور” الى أن العبادي نجح في السير بين الألغام في منهج وسطي قائلا : “حتى هذه الساعة بذل جهوداً مكثفة لحفظ التوازن بين قوى متصارعة . فمن جهة التنافس الإيراني – الأمريكي، اتخذ العبادي منهجاً وسطاً يجمع بين رؤى الطرفين لحفظ المصالح المشتركة للعراق معهما. فقد قام في وقت متقارب بزيارتين مهمتين ، الأولى للولايات المتحدة في 13 ابريل ، والثانية لإيران في 17 يونيو ، بعد تسلمه المنصب”.

 
يضيف ” ومن جهة التنافسات الداخلية، لم يتحيز العبادي في الخلافات القائمة بين الإقليم والمركز ، كذلك بين الأحزاب والأطراف الداخلية المشاركة في السلطة ، ما جنّب البلد الصراعات العلنية والشديدة التي كانت تحدث سابقا”.

 
يقول أيضا : “حتى في القتال ضد داعش ، احتفظ العبادي بنوع من التوازن بين قوات الحشد والقوات الرسمية العراقية وقوات التحالف ، وظهرت النتائج الإيجابية لهذا الموقف في تحرير تكريت. لقد فاوض وقام بتقسيم الأدوار بين الأطراف المتنازعة لكي تمضي الحرب ضد العدو المشترك إلى هدفها في تحرير الأراضي”.

 
كذلك : ” ومع بدء مسيرة الاحتجاجات العراقية، وقع العبادي بين مطرقة المطالبات الشعبية المدعومة بالمرجعية بقوة وسندان معارضة شركائه في السلطة المدعومين من إيران. لكنه واصل منهجه الوسطي ، ففي حزمته الأولى للإصلاحات أقال نواب رئيس الجمهورية الثلاثة ، كما أقال نواب رئيس الوزراء الثلاثة، وهم جميعا ينتمون إلى جهات سياسية مختلفة من المكونات الرئيسية الثلاثة في البلد. بهذه الطريقة تجنب الوقوف مع جهة ضد جهة أخرى. وفي الحزمة الثانية للإصلاحات، لم يطرح العبادي أي مطلب من شأنه أن يعدّ انحيازاً لجهة دون أخرى”.

 
يخلص الكاظمي الى الاستنتاج الآتي :” وبرغم أنّ هذا المنهج يحمل إيجابيات كبيرة من حيث عدم المسّ بالتوازن القائم في السلطة وتجنب المواقف الانقسامية في العملية السياسية التي تشكو أصلاً من الانقسامات ، لكن التحديات القائمة حالياً في البلد هائلة وتحتاج إلى معالجات أوسع”.

من الواضح أن العبادي الذي نجح في وسطيته في تناول عدد من القضايا المهمة والمؤثرة ، سيكون عليه أن يخشى من اولئك الذين يرون في هذه الوسطية هي الأفق الوحيد لسياسته . إنها مشكلة بالتأكيد خاصة وأن العراق بات منطقة صراع دولي ، حسب المعطيات الجديدة المعبر عنه بالتدخل الروسي المباشر في سورية ، وانتخاب ترامب رئيسا للولايات المتحدة الأميركية وإعلانه سياسة جديدة يتوقع المراقبون منها تغيير الكثير من المعادلات القائمة .

 
التوقعات تشير الى تغييرات دراماتيكية في المشهد السياسي العالمي ، سواء قبل انتهاء معركة الموصل أو بعدها ، وحصول استقطابات سياسية داخلية مسنودة من الخارج ، تتوفر تربتها أصلا ، تستدعي سياسة جديدة تستند على آمال المواطنين في إصلاح سياسي وقانوني واقتصادي يعيد للعراق الأمن والسلام والرخاء – سياسة جديدة لا تخشى ولا تجامل مجموعات المصالح التي تحاول تعزيز وجودها في عودة قوية في الانتخابات القادمة التي تستعد لها بأساليب الاحتيال وتوزيع الهبات كما فعلت في الانتخابات السابقة ، خاصة أن مفوضية الانتخابات كانت قد خسرت استقلالها على يدها!

 

 

Facebook
Twitter