تعدد الزوجات.. اتفاق مع الشرع واختلاف في النتائج

 

  يفكر كثير من الرجال في خوض تجربة الزواج بأخرى، ظناً منهم أن ذلك حل لمشكلات مختلفة قد يعانونها مع زوجاتهم، بعد أن يطمئنونا إلى توافر قدراتهم المادية والعقلية والخلقية على الجمع بين أكثر من زوجة والمسؤولية عن أكثر من بيت، غير أن هذه الخطوة محفوفة بكثير من المخاطر التي ربما جعلت من الزواج بأخرى قنبلة تعصف باستقرار الأسرة، وفي أحوال أخرى قد تصبح عامل نجاح واستمرار للحياة الزوجية إذا أحسن الرجل الاختيار وأقام العدل بين زوجتيه، ووفر لكل منهما حقوق القوامة التي فرضها ديننا الحنيف على الرجال، مع الأخذ في الاعتبار مدى تقبل المرأة لهذه الزيجة وقدرتها على التعايش مع الوضع الجديد.

أحمد السعداوي (أبوظبي) – من أصحاب التجارب الناجحة في التعدد، راشد سالم (50 سنة)، الموظف في هيئة حكومية في أبوظبي، والذي تزوج بأربع نساء ولديه 28 ابناً منهم 16 ولدا، منهم من أنهى تعليمه ومنهم من لايزال على مقاعد مراحل التعليم المختلفة.

أسباب مختلفة

عن أسباب التعدد لديه، قال راشد إن هناك أكثر من سبب جعله يتزوج بأكثر من واحدة، منها زيادة النسل، والتعفف في ظل وجود مغريات عديدة هذه الأيام خاصة أن هناك قدرة على التعدد من ناحية الاستطاعة العقلية والمادية، ومحاولة تحقيق العدل الذي أمر به الله بين الزوجات من حيث المبيت والنفقة، مؤكدا أن الأساس في نجاح التعدد التوفيق من الله سبحانه وتعالى.

وأشار إلى أنه من خلال التعدد يشعر الإنسان أنه فتح بيتاً آخر لامرأة تحتاج من يقف بجانبها ويتولى شؤونها وتحلم بحياة مستقرة وأبناء، وأهم ما يجب مراعاته للشخص المتعدد ألا ينسى الأولى وفضلها عليه في بداية حياته ومرافقتها له أثناء تكوين نفسه ومكانته التي وصل إليها، كون هذا التخوف دائماً يسيطر دائما على ذهن الزوجة الأولى فيجعل كثيرا من النساء يحاربن فكرة التعدد على الرغم من مزاياها العديدة لهن، حيث تقبل المرأة التعدد بأن تكون زوجة ثانية أو ثالثة بينما لو كانت الأولى ترفض اقتران زوجها بأخرى، مضيفا “إذا استطاع الرجل أن يعدل وأدار أموره بشكل سليم واتقى الله في تعاملاته ستسير الأمور بكل هدوء حتى لو كانت بداية الأمر فيها بعض المشاكل والشعور بالضيق من جانب الزوجة الأولى”.

وينفي راشد المفهوم السائد بأن التعدد يضر بالأبناء وتربيتهم بشكل سليم، مدللاً على ذلك بأن جميع أبنائه متفوقون تعليمياً، وعلى درجة عالية من الالتزام الديني، والولدان الكبيران حافظان لكتاب الله الكريم كاملا، والكبير محام ناجح، والتالي له طالب بالسنة النهائية بكلية الشرطة في دبي وسيعمل ضابط شرطة خلال عام بمشيئة الله، والابن الثالث يدرس الطيران حاليا في بريطانيا، وينتظر أن يعمل طيارا مدنيا خلال عام، أما الابنة الكبرى فتدرس حاليا درجة الماجستير في علوم الرياضيات إلى جانب عملها مدرسة بإحدى المدارس الثانوية بأبوظبي.

ويرجع راشد الفضل في استقرار الأسري الذي يعيشه على الرغم من زيجاته الأربع إلى حسن الاختيار القائم على أساس الدين والأسرة الطيبة.

الصبر والقدرة

من واقع خبرته؛ يوضح راشد أن المعدد يجب أن يكون صبورا ولديه القدرة على تحمل المشاكل، مع حرصه المستمر على الثناء على محاسن زوجته، وكسب رضائها كونها رفيقة دربه.

وأهم المشكلات التي يواجهها المعدد، وفق راشد، تأخره أحيانا عن البيت، وينبغي أن يكون الرجل صريحا مع أهل بيته إذا تأخر لظرف ما، وعليه أيضا أن يذكرها باستمرار بحسن الجزاء من الله على طاعة الزوج والإسهام في تربية أبنائهما تربية صالحة، وعلى الزوج أيضا أن يعرف أهمية الهدية في حياة الزوجين، والدعاء بظهر الغيب لزوجتيه وطلب التوفيق من الله في حياته الأسرية.

ويتابع “التفريج عن الأبناء والحرص على تنظيم رحلات وزيارات خارج المنزل ولو مرة كل شهر من الأمور التي تبث الدفء في الحياة الأسرية، وتظهر للزوجة مدى حرص الزوج على إسعاد أهل بيته وإدخال السرور على حياتهم، ولو توافرت فرصة لعمل رحلة حج أو عمرة مع زوجته، يعتبر من احب الأشياء إلى قلوب الزوجات”.

ويشدد راشد على ضرورة تأكد من ينوي التعدد من قدرته على العدل في شيئين مهمين للغاية، وهما المبيت والنفقة، والقدرة على التعامل مع ردة فعل زوجته الأولى حين تعلم بخبر زواجه الجديد.

ومن تجربته، ينصح راشد الزوجة الأولى، بالصبر والشكر لله على النعم الكثيرة التي تعيش فيها وربما تفقدها كثير من السناء الأخريات، ومن سبل الشكر الحرص على طاعة الزوج وخدمته كما أوصانا الإسلام، وتعلم أنها ستؤجر على ذلك، وتحتسب صبرها عند الله سبحانه وتعالى، وإدراك أن السعادة الكاملة في رضا الله وطاعته والعيش حياة هادئة وخالية من المشاكل.

ويرى راشد أن هناك كثيرا من النساء يعشن مع أزواجهن بمفردهن ولكنهن غير سعيدات لأسباب مختلفة، وربما لا تجد تقديرا كافيا من الزوج، وليس بالضرورة أن المرأة التي لا يعدد زوجها تعيش في سعادة، ولذلك يجب ألا تخاف من التعدد وأن تتقبله وتنظر إلى مزاياه، خاصة الموظفات اللاتي يعتبر التعدد من الأشياء المفيدة جدا لهن ويتوافق مع ظروف عملهن، حيث يكون هناك متسع من الوقت لترتيب أمور بيتها، وأخذ وقت كاف من الراحة والاهتمام بالنفس والأولاد، كون ضيق الوقت يكون حائلا دون إعطاء الزوج حقوقه وكذا الاهتمام بتربية الأبناء.

تجارب سيئة

على الجانب الآخر، ومن أصحاب التجارب السيئة، يروي المهندس رامي ضيف الله (54 سنة)، ويعمل اختصاصي تكنولوجيا المعلومات في شركة كبرى بأبوظبي، أن الله أفاء عليه بالخير الكثير ولديه أربعة أبناء في مراحل عمرية مختلفة.

ومنذ عدة أعوام أراد الاقتران بأخرى ظنا منه أن ذلك سيجعله يعيش في سعادة ويقلل حجم المشاكل الكثيرة التي يعانيها مع زوجته منذ بداية رحلة الزواج قبل أكثر من عشرين عاما، غير أن حلمه في ذلك باء بالفشل بعد اقترانه بطبيبة من بلده، وجاء بها إلى الإمارات وعاش معها فترة من الزمن، غير أنه اكتشف بمرور الوقت معاملتها السيئة جدا لأولاده واهتمامها الشديد بنفسها التي تصل إلى درجة حب الذات، دون النظر إلى أي اعتبارات أخرى، فما كان منه إلا أن سارع بإنهاء إجراءات الطلاق، وتسفيرها إلى بلدها مرة أخرى، بعد أن خاض تجربة مريرة وعاش شهورا صعبة قبل أن يأخذ قراره بالانفصال والعودة إلى نمط حياته التي كان يعيشها سابقا.

في السياق ذاته، يحكي ح، أ، (52 سنة)، من إحدى الجنسيات العربية ويعمل بوظيفة مرموقة، عن تجربة مختلفة في تفاصيلها، حيث إنه تزوج بالأولى منذ ما يقرب من عشرين عاما، ثم انتقل للعمل في أبوظبي في إحدى الجهات المهمة، وحين جاء إلى هنا طلب من زوجته القدوم إلى الدولة والعيش معه، غير أنها رفضت، معللة بأنها لا تستطيع المخاطرة بالاستقرار الدراسي والنجاح الذي يحققه الأبناء في بيئتهم التي ولدوا وتربوا فيها، وطلبت منه النزول في العطلات السنوية فقط، وأن يحضر الأولاد إلى هنا خلال العطلة الدراسية، وبالفعل وافق على ذلك، ومع مرور الوقت اكتشف أن الأمر صعب عليه ولا يستطيع العيش من دون زوجة، فتزوج بأخرى من بلده الأم، وجاء بها لتقيم معه هنا، فكانت الطامة الكبرى حين علمت زوجته بذلك، وكانت غضبة كبيرة وقطيعة هائلة استمرت سنين، ورفضت الزوجة كل محاولات الصلح بينهما، وإلى الآن تصر الزوجة على العيش بعيدا عن زوجها من دون أن تطلب الطلاق حرصا على المظهر العام للأسرة، ولكنه لم يرها أو يلتقيها رغم المحاولات الكثيرة التي بذلها هو وأهله من أجل ذلك، لأنه يعترف بفضلها، فهي أم أبنائه وقد رافقته في مسيرة حياته ولم ير منها إلا كل خير، غير أنه عانى آلام البعد عن زوجته الأولى التي يحبها بصدق، فالظروف حالت دون اجتماعهما معا تحت سقف واحد، ما يجعله يشعر بالتقصير نحوهم مهما أعطاهم من مال وحرص على التواصل معهم هاتفيا بشكل يومي طوال العام فتزوج بأخرى كانت الشعرة التي قصمت ظهر البعير.

دوافع الزواج

حول دوافع التعدد، يقول الاختصاصي في الشؤون الأسرية، عيسى المسكري، إنه يمكن تقسيمها إلى عدة أنواع، أولها الدافع الفطري، حيث زين للرجل حب النساء وجُعل ذلك من أفضل المكافآت في الجنة، لحصوله على حور عين وزيادة عددهن، دليل على حسن الثواب ورفعة المنزلة التي حصل عليها الشخص.

ويضيف “الدافع الثاني، الافتخار، وهذا ما يدور في مجالس الرجال، فمن تزوج أكثر من واحد،ة يعتبر محل تقدير والحصول على مكانة اعتزازية بين الرجال في مجالسهم، وينظرون إلى هذا الشخص بمعايير الرجولة وكأنه ذلك البطل، الذي انتصر في القوامة، والنفقة والإدارة”.

ويتابع المسكري “الدافع الثالث، كثرة النسل، وهذا أمر فطري ويعد زينة في حد ذاته، والله سبحانه وتعالى يقول (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً). والأولاد مصدر للافتخار مثلما جاء في القرآن الكريم (كَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا) وكلما زاد الأولاد، شعر الأب بمكانته الاجتماعية وعند كبرهم يشعر بقوّة اقتصادية، ومكانة اجتماعية”، موضحا “يلاحظ أن غالبية الرجال لا يقدم على التعدد إذا كانت الزوجة بها عيب، أو نقص، كون الرجل يعتبر وقوفه معها في هذه الحالة، أعلى مراتب الرجولة. ولكن تنظر بعض النساء إلى التعدد وكأنه إشارة إلى وجود نقص أو علة من الزوجة، وهذا خطأ فالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) لم يتزوج أكثر من مرة لهذا القصد، حيث كان في زمنه عائشة رضي الله عنها، الكاملة، التي تعتبر الزوجة المثالية بكل معايير الجمال والأخلاق والنسب والدين”.

ويعدد السكري عديدا من المزايا للتعدد والزواج بأكثر من واحدة، أولها الجانب الاجتماعي، حيث في التعدد اتساع لشبكة العلاقات الاجتماعية القوية مع العائلات المختلفة. ومن الناحية الاقتصادية للمرأة، يقول السكري “نجد من يعول المرأة ويتكفلها في سائر أمورها، وكذلك الإسهام في القضاء على العنوسة التي تعاني منها كثير من فتيات العالم العربي، نظراً لكثرة النساء وقلة الرجال، ما دعا بعض النساء في هذه الأيام إلى المطالبة بالتعدد للتغلب على هذه الظاهرة”.

استشارة موفقة

يحكي راشد سالم الموظف بإحدى الهيئات الحكومية، أحد المواقف التي عايشها حيث استشاره أحد الأصدقاء الذي كان ينوي التعدد، فنصحه بالصبر على زوجته الأولى وغضبها فترة من الوقت، ولا يفكر في طلاقها لأي سبب، وفعلا تزوج الصديق وغضبت الزوجة الأولى وذهبت إلى أهلها، وبقيت هناك 6 أشهر، وبمرور الوقت وصبره عليها عادت المرأة إلى بيتها، ويعيشون الآن حياة عائلية مستقرة مع زوجتيه، اللتين تقيم كل منهما في مسكن منفصل.

فوائد التعدد

من أهم فوائد التعدد، التي يذكرها الاختصاصي في شؤون الأسرة، عيسى المسكري، إحياء سنة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لما فيها من منافع للمجتمع ككل وليس لفرد من أفراده، وهناك فوائد سياسية أخرى تعود على المجتمع ككل من وراء التعدد، فالرسول الكريم قال “تكاثروا فإني مباه بكم الأمم”، وتعداد الدول يكسبها مكانة كبيرة بغض النظر عن قوتها الاقتصادية.

وفيما يتعلق بالمساوئ والعقبات، التي يمكن أن يواجهها المتزوج بأكثر من واحدة، يقول المسكري إن الرجل لا يستطيع أن يعدل ولو حاول، لأن العدل صفة كمال لله عز وجل، وأخوف ما يفزع المرأة، الإحساس بالظلم ولو كان بنسبة لا ترى، هذا يؤدي إلى الغيرة التي تؤدي بدورها إلى الخلافات والذي يطفئ نار الخلافات هو العدل، فاجتهاده في هذه المسألة، باب واسع من أبواب التوفيق، وعلى من يريد التعدد أن يعرف قيمة العدل ويضعه أول سلم نحو التعدد وإلا سيعاني كثيراً.

ويضيف “النفقة والجانب الاقتصادي، من الأمور المهمة في هذا الصدد، ويجب على الرجل أن يحسبها من الناحية المادية، حساباً دقيقاً قبل الشروع في التعدد ويعرف مدى قدرته على الإنفاق على أكثر من أسرة، وأي خلل في هذا الجانب سيؤدي إلى النزاع والخلاف”.

ويتابع “ربما يؤدي التعدد إلى القصور في تربية الأبناء نظراً لأن الذي يربي اليوم ليس الأب والأم، وإنما هناك وسائل أخرى تدخل في التربية، منها، الإعلام، المدرسة المجتمع، الأصحاب، فتغيب الأب لفترات طويلة، قد يترك ثغرة ولكن حكمة الرجل تعمل على وضع توازن في التربية والقوامة”.

نصائح خبير

يوجه المسكري نصائح عدة للرجال المقبلين على التعدد أو الذين يفكرون فيه:-

◆ أقول لا للتعدد لكل من ليس له قدرة مادية، وسلوكية وأخلاقية، وليس في قاموس حياته مخافة الله.

◆ لا للتعدد إذا كان ذلك سيكون سبباً في هدم البيت الذي بناه، أو تشتيت الأبناء وإذا كان ذلك سيشعل فتنة النزاع والخلافات بين الأهل والأقارب.

◆ نجاح الرجل في التعدد يعتمد على حسن الاختيار، ويجب ألا تختار الثانية على أساس عاطفي وشكل فقط، وإنما تكون الرؤية المتوافقة، مع المصلحة النهائية لكل الأطراف، واستمرار الحياة الزوجية.

◆ على الرجل استشارة أصحاب التخصص في شؤون الأسرة والمجتمع حتى يأخذ صورة شاملة عن التعدد إيجابياته وسلبياته، ثم الاستعانة بالاستخارة لما فيها من حسن التوكل على الله الذي يعلم الغيب، وما ينفعنا في حياتنا وآخرتنا.

◆ ينصح المرأة التي يتزوج زوجها بأخرى، بأن تقدم أوامر الله على كل شيء، كون التعدد أمرا مشروعا أقره الإسلام، فالعقل مقدم على العاطفة والدين مقدم على العقل. وهذا هو النهج السليم الذي يجب أن يتبعه كل مسلم.

 

Facebook
Twitter