بيضة العقر

رواية “بيضة العقر”، التي تقع في حوالي 310 صفحات من القطع المتوسط، للكاتب محمد الهجابي ليست محض حكاية شخوص روائية على ورق، حتى وإن بدا أن الأمر كذلك.

والحكاية لا تنقل الوقائع كما حصلت تماما في فترة مفصلية من تاريخ المغرب الراهن؛ نهاية سبعينات القرن العشرين. إنها ليست تأريخا، ولا تدعي ذلك بالمرة.

محمد الهجابي، كاتب وروائي، من مواليد سنة 1954، عضو في اتحاد كتّاب المغرب. متحصل على إجازة في علم الاجتماع بجامعة محمد بن عبدالله في فاس وعلى دبلوم الدراسات العليا في الصحافة بالمعهد العالي للصحافة بالرباط وعلى شهادة مركز الدراسات الإستراتيجية بكلية الحقوق في الرباط. أصدر أربع روايات هي “بوح القصبة” و”زمان كأهله” و”موت الفوات” و”إناث الدار”، وثلاث مجموعات قصصية. كما صدر له في الشعر “فغوٌ لا يبشر بطعم” و”مثل سرير من ياردات باردة”.

يتناول الهجابي في روايته الجديدة أحداث السبعينات والثمانينات، خاصة أحداث الدار البيضاء سنة 1981، كما يركز على الأحلام المجهضة لمناضلي تلك الحقبة.

الرواية، أيضا، تعرض لحيوات شخوصها الروائية، فإنها لا تزعم أنها لم تستخدم بعضا من أدوات الجراحة والتشريح الطبيين من مبزغ ومشرط ومبضع ومبطّ، وما شابه، في جسم هذه الحيوات لغايات النأي بها، قدر الإمكان، عما قد يماثلها في التجربة العيانية. الأدوات هاته فعلت فعلها تعديلا وتحويرا ومداورة وتطبيبا، لا مشاحة في الأمر. وفي كل الأحوال، يكون خاطئا من يُخرج إطار الحكاية عن إطار التخييل.

هذا التنبيه ضروري كي لا يجري تحميل الحكاية ما لا تستطيع تحمله، ما يتجاوزها بكثير. إنها، قبل هذا وذاك، مجرد سرد تخييلي، أو تخييل سردي إن شئتم، حتى وإن قام معماره على وقائع جرت.

الحكاية لا تنقل الوقائع كما حصلت تماما في فترة مفصلية من تاريخ المغرب الراهن، نهاية سبعينات القرن العشرين

عمل تخييلي

الخطاب حسب مشمولات الرواية، يتوجه بالأساس إلى تيار من اليسار المغربي هو “حركة 23 مارس المغربية” التي شكلت أحد الروافد الرئيسية لما سُمي باليسار الجديد (الماركسي- اللينيني) المغربي خلال مرحلة السبعينات من القرن العشرين. ومعلوم أن الحركة انتقلت إلى العمل القانوني الشرعي سنة 1983 تحت اسم “منظمة العمل الديمقراطي الشعبي”، بعد عودة قيادتها من المنفى في سياق انفراج سياسي نسبي، وبعد فترة طويلة من العمل السري تميزت باعتقال ونفي العديد من أطرها ومناضليها.

في هذه الرواية لا يريد محمد الهجابي لقارئه أن يخرج الرواية عن إطار التخييل. وهو يقدم تنبيها، بل يجعله ضروريا كي لا يجري تحميل الحكاية ما لا تستطيع تحمله، وما يتجاوزها بكثير. بل يسعى إلى إقناعه بأنها مجرد سرد تخييلي، أو تخييل سردي، حتى وإن قام معماره على وقائع جرت.

ورغم أن الهجابي يؤكد أن هذا العمل هو تخييلي، إلا أنه يتوقف عند أحداث تاريخية ترد بوضوح في وصفه الروائي، منها على سبيل المثال أحداث 1965، والاعتقالات خلال السبعينات، وإضرابات سنة 1979، وأحداث “كوميرا” في يونيو 1981. كما يورد أسماء مختلف الفاعلين في تلك الأحداث دون توريتها.

نقرأ على سبيل المثال ما يلي “يناير 1979، كان الشارع المغربي يغلي بفعل الغلاء والتضييق على الحريات. وكانت الجامعة، إلى ذلك، تشهد مظاهرات بسبب استضافة الملك لشاه إيران المخلوع في 22 من الشهر عينه، أي بعد يومين فقط من ذكرى منع أ.و.ط.م.”.

وفي ما يلي مقتطف من الفصل 19 من الرواية:

“.. زايد سمع بواقعة “تفسكا 1981” وهو عند أهله بأملاكو. في طريقه إلى أملاكو لم يبلغ كلميمة التي كان عادة ما يمر منها لتفقد أحوال صديقه “الشيوعي التقليدي”، كما يروق له أن يعلق ضاحكا، علي شرويطي المرغادي. الطريق التي سلك أخذته، بالأحرى، من مدينة الريش إلى بلدته في عمق جبال الأطلس. ولما تناهى إلى سمعه ما جرى من تعليق لكلبين على باب “قصر كلميمة”، بعد يومين فقط من إقامته بأملاكو، قال إن أحدهم أوجد خطة للمخزن لكي يفتك بسكان المنطقة وينتقم. وكان الملك قد أعطى تعليماته بإلغاء ذبيحة عيد الأضحى لسنة 1981، وأخبر بأنه سينوب عن “الأمة” في نحر الذبيحة.

قرار الملك ناجم أساسا عن موجة الجفاف التي ضربت البلاد إلى جانب مضاعفات برنامج التقويم الهيكلي لحكومة المعطي بوعبيد. أما قرار التعذيب الجماعي لسكان المنطقة بسبب الواقعة، فلم يبرر سوى بسخط الملك القديم على كلميمة وأرباضها. إنّ وقائع مارس 1973 ما زالت طرية.

لم يتسن لزايد الاجتماع بصديقه، فقد نشط من أملاكو على عجل حتى لا يورط المنظمة في اعتقال أحد كوادرها الرئيسيين.

لكن زايد سيعرف لاحقا أشكال التعذيب الجهنمية التي لحقت بعلي شريوطي المرغادي ومن معه.

سبق أن سمع الهلالي لمرات، وهو طفل بعد، خبر اعتقال علي المرغادي واستقدامه من كلميمة إلى مدينة قصر السوق. خبر اعتقال المرغادي لا يخفى على سكان المدينة. ولربما ألفوا حبسه.

رآه الهلالي لمرتين ينزل من سيارات المخزن مكبل اليدين، ومخفورا بحراس كأنما هو من المجرمين العتاة. كان الولد يرى فيه بطلا، البطل الذي قهر المخزن من غير سلاح ما خلا سلاح الكلمة. وعندما جعل يقتني جريدة “البيان” من مكتبة بوحصيرة بالمدينة، ومن أكشاك البيع بمكناس، بدايات السبعينات، كانت مقالات الرجل المتنوعة، سواء في رصد الأوضاع القاسية للسكان، أو في التعريف بموروثها الثقافي والتراثي، قد نالت حظها الكبير من اهتمامه

Facebook
Twitter