العراقيون: الانتخابات كذبة كبيرة ونتائجها معدة سلفا سواء انتخبنا ام لم ننتخب

همس في أذني وقال “ها شكلنه يبقى الحال على ما هو عليه”، وكان الهامس أحد المقاطعين للإنتخابات، وأراد أن يثبت لي نظريته التي سبق أن تناقشنا حولها، حيث كان يرفض المشاركة في الإنتخابات، فيما كنت أحاول أن أجعله يعدل عن قراره، مستغلاً بعض أحلامه التي علقت بها على صوته لتحقيقها.

لكنه كان مصراً على رأيه في المقاطعة، وسعى في المقابل لإقناعي برأيه من خلال إستعراض التجارب السابقة، وها هو يضيف تجربة أخرى، لكن من دون أن يشعر بخيبة الأمل، لأنه كما يرى، حسم الأمر.

واضاف بلهجة بغدادية “وداعتك، محسومة قبل الإنتخابات. وكلهه كلاوات (ضحك على عقول الناس)

وتنتاب الكثير من العراقيين هواجس من أن تصبح فكرة التغيير عبر صناديق الإقتراع “قشمرة وكلاوات”.

من هنا جاءت فكرة الإستطلاع، من عينات عشوائية، كيف تنظر الى الإنتخابات، وما هو تقويمها لنتائجها.

باقون بانتخاب او بدونه!

المهندس أوس النهر، بادرني في الحال بعدما عرضت عليه وجهة النظر التي يمثلها صاحبي ذاك: إنهم يحاولون أن يوصولنا الى هذه القناعة: باقون سواء إنتخبنا أم لم ننتخب.

وأضاف “الإنتخابات تعني وجوه جديدة، وليس عملية إستنساخ، لكن كما ترى هذه ثالث إنتخابات، والوجوه نفس الوجوه، والمشاكل تتعقد وتوغل في أذيتنا”.

يبدو حديث أوس عمومياً، ولعل زميله أراد أن يعطي رأيه من دون تحفظ قائلا “الإنتخابات تعتمد على ركنين لا ثالث لهما: السلطة والمال، فمن يمسك بزمامهما يبقى على سدة الحكم سواء بشراء الأصوات أو تزويرها”.

واضاف المهندس أحمد عبد الكريم “إذا كانت المشاركة ديمقراطية، فعدم المشاركة ديمقراطية أيضاً، بمعنى أن يكون الخيار من حق الناخب سواء شارك أو لم يشارك”.

سألته: لكن الاترى أن المصلحة الوطنية تقتضي المشاركة؟

ويبدو أنهما لم يريدا أن يدخلا معي في نقاش طويل، حاسمين موقفهما بعبارة دبلوماسية “رأيك محترم، وتشرفنا بالحديث معك، وغادرا المكان”.

المعلمة نهلة جواد، كانت متحفظة بعض الشيء، ومحكومة بمنهج أكاديمي كما يبدو، قائلة “الإنتخابات حق مشروع، والشعب هو من يختار حكامه”.

واضافت “أنت تذهب الى الإنتخابات من أجل إختيار الحاكم، وهذه المفاوضات التي نسمع عنها اليوم بين الكتل الفائزة، تدور جميها حول من سيحكم”، مبدية ارتياحها لنتائج الانتخابات قائلة “المرشح الذي إنتخبته فاز”.

ولخصت سيدة من ربات البيوت، وتدعى أم أحمد، عملية الإنتخابات بالعيد. وقالت “العيد يجي كل سنة، واللي ننتخبه هم (ايضا) يجينه مثل هلال العيد، بس كل أربع سنوات”.

الصحفي إياد الدليمي يرى أن إنتخابات المجالس المحلية هي المرآة التي تعكس صورة الإنتخابات التشريعية، “لذا تجد في الدول الديمقراطية أن الأحزاب والقوى المتنافسة تبني على نتائج الإنتخابات البلدية، لأنها تعدها بارومتر الإنتخابات الوطنية، وبالتالي يمكن أن نعرف نسبة وحجم هذه الكتلة من تلك، لكن التجربة العراقية قلبت الموازين، كما يبدو، فما تحقق في إنتخابات المحلية، يختلف تماما عما أظهرته نتائج الإنتخابات التشريعية، فهل يمكن أن تتغير إرادة الناخب خلال عام بهذا الشكل المغاير لكل التوقعات”.

وعن اسباب ذلك قال الصحافي العراقي “هناك ثلاثة معطيات أسهمت في ذلك، أولاً اعتماد نظام سانت ليغو المعدل، وثانياً ان المفوضية لم تنف المشاكل التي تعانيها التجربة الانتخابية، وما يعانيه سجل الناخبين ومشاكل البطاقة الالكترونية التي صدرت لغير العراقيين، وللعراقيين دون سن الـ18 عاماً وهذا ما أكده عضو مجلس المفوضين في مفوضية الإنتخابات، محسن الموسوي، نفسه، ثالثاً مسألة مراكز العد والفرز الفرعية”.

وأضاف “ان أعضاء مجلس المفوضية أنفسهم كشفوا في كتابات داخلية لهم عن ان جهاز قراءة البصمة لا يقرأ 19% من البصمات، وقد ثبت بالتجربة الانتخابية ان الكثير من الناس صوتوا من دون بصمة، كما أن زيادة نسبة التصويت ما بعد الساعة الثانية ظهراً الى السادسة عصراً مبالغ فيها جداً”.

وقال ايضا “على سبيل المثال كانت نسبة التصويت في محافظة بابل وقت الظهيرة هي 25% وفي نهاية اليوم وخلال اربع ساعات فقط ارتفعت الى 76%، وهذا من واقع ما اصدرته المفوضية، كما أن بدعة محطة الصفر التي ابتدعتها المفوضية وضعت الموظف تحت ضغط لسهولة معرفة لمن صوت ولأي جهة”.

من جانبه، قال المحلل السياسي عدنان الحاج “ان النتائج الإنتخابية تحتاج الى تفصيل دقيق، خصوصاً مايتعلق بالإقتراع الخاص، حيث هناك في حدود مليون مقترع منزوع الإرادة، يؤمر فينفذ، إنتخب فلان فينتخبه، ولعله أخبر سلفاً بأن ورقة إقتراعه لم تعد سرية، وبالإمكان معرفة من إنتخب من خلال الباركوود (ترميز البطاقة)، إضافة الى المعتقلين، والمناطق المعزولة بفعل الفيضانات أو المعارك والإجراءات الأمنية.

أما المحامي عبد القادر الشيخلي، فيرى أن نزاهة الإنتخابات كانت تتطلب جهة مستقلة تشرف عليها، موضحاً أن “خضوع الإنتخابات للسلطة الحاكمة، يجير كل الإمكانات لصالحها، وبالتالي تحصد أغلبية الاصوات، في ظل تبعية المفوضية المستقلة نفسها، للسلطة التنفيذية”.

واضاف “من الخطأ ان تشرف الحكومة على الإنتخابات، وإنما مهمتها تنحصر في تهيئة مستلزماتها، لذا كان ينبغي أن تتحول الحكومة الى حكومة تصريف أعمال قبل الإنتخابات، حتى لا تملك سلطة التحكم في عملية الإقتراع والعد والفرز”.

وتابع قائلا “لا يمكن أن تكون المنافسة عادلة وهناك طرف يمتلك سلطة القوة والمال، ويستحوذ على مستلزمات الدعاية الإنتخابية، سواء بوسائل الإعلام أو عن طريق النفوذ الذي يتيح له التأثير في توجهات الناخبين من خلال إستغلال حاجاتهم الأساسية، والتي تتطلب المال والقرار، وكلاهما محصورة به”.

ويقدم العميد المتقاعد جمال عاصم أمثلة لنمطية تأثير السلطة على مشاعر الناخبين، ناقلاً عن بعضهم إنتخاب (فلان) لأنه منح له قطعة أرض، أو تعهد بتمليك البيت الذي يسكنه تجاوزاً، فيما إندفع تطلع آخرين الى إنتخاب (أبو التعيينات)، وهذا هو مربط الفرس لحصول جهة من دون أخرى على غالبية الأصوات.

لكن المحامي خالد القيسي، يضيف الى ذلك، إستغلال العنوان الطائفي في تحديد مسارات الناخبين، من خلال تخويف الناخبين من وجود جهة تحاول تصفيتهم، حتى يبدو خيار البقاء مرهوناً ببقاء هذا الطرف الذي ظهر لشارعه بمظهر القوي الذي يحميهم من المارد الذي يتهددهم ويتوعدهم بالقتل، لذا كانت العمليات العسكرية بمثابة رسائل تطمين، إضافة الى أنها إستطاعات أن تحيي صراعات دفينة وتعيدها الى أرض الواقع تحت مسميات تاريخية مغمسة بالطعم الطائفي.

بدوره، يرى الأكاديمي حيدر برهان أن الإنتخابات كانت نزيهة بشهادات دولية وإقليمية، ولا بد من إحترام إرادة الناخب، معتبرا ان الطعون على نتائجها “رهان الفاشلين”، ومشدداً على أهمية القبول بالنتائج، وتشكيل حكومة أغلبية، تمثلها الكتلة التي حصلت على اعلى الأصوات.

ولدى سؤال عامل بناء عمن إنتخبه، اجاب بعفوية: إنتخبت الحكومة طبعاً، و”اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفه”.

من جانبه، أكد مواطن متقاعد “أننا لم نشهد منافسة شريفة في الإنتخابات، وإنما كانت أقرب الى صراعات وتصفيات سياسية وإستبعاد، لذا كانت النتائج من جنس المقدمات، لكن المفاجئ ذاك النفاق الدولي الذي لم يكتف بالتهاني، بل تعداه الى التغني بالممارسة الديمقراطية التي تمت متجاوزيين كل الخروقات التي جرت، ومشيدين بخلاف الواقع بعمل المفوضية، غير مكترثين بتلك المناطق التي صودرت أصواتها تحت عناوين شتى.

Facebook
Twitter