الأسلام والأخلاق

عالية محمد حسن

كلما احس الانسان بنقص في ذاته او في احد افراد مجتمعه يتوخى تداركها بالأخذ بضدها وهكذا تكون من مفسدة الكذب الصدق ومن البخل الكرم ومن الخيانة الوفاء…الخ فجمع لديه قواعد مهمة في الكمال بعثها في بنية وكان منها تخفيف بعض الشر التي تطفح به تلك النفوس الامارة ..التربية فصول مترامية الاطراف :والاخلاق احد فصولها الجليلة .ان تعاليم ائمتنا /ع تقوم على تربية نفسية عالية لو تدبرت حقيقتها لوجدنا القليل من يتماشى على مقتضاها .
لما كان هذه العالم المادي مشتملا ً على النواقص العديدة وكانت الغاية من خلق هذه العوالم السابحة في الفضاء ـ تحتم ان يكون هناك عالم اخر غايته الكمال ولذلك وجب علينا ان نكمل و نهذب نفوسنا بمزايا حميدة واخلاق فاضلة لأن حقيقة الدين الألهي ليست هي ألا الأخلاق كما قول الرسول (ص) ((انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق))وان من يتدبر في الدين الأسلامي واحكامه لا يرى فيه سوى اخلاق عالية لو سار بمقتضاها الأنسان لبلغ درجة الكمال المطلوبة من تكوينه اذن فتهذب النفس لا يكون الا بتعاليم الدين التي هبطت على الأنسان من لدن الكمال الاعلى .مساحة فسيحة تخطر بها النفس بأميالها وأمانيها ولما كانت هذه المساحة عرضة لان تنبت الاشواك المضرة وجب تعهدها بقلع جذورها السامة لئلا تمتد الى المنابت الصالحة فتفسدها كما قول النبي (ص) ((ان في الأنسان مضغة اذا هي سلمت وصحت سلم بها سائر الجسد فأذا سقمت سقم بها سائر الجسد وفسد وهو القلب))
وعنه (ص) (( اذا طاب قلب المرء طاب جسده واذا خبث القلب خبث الجسد)) وعن الامام موسى بن جعفر/ع ((الزم العلم لك مادلك على صلاح قلبك واظهر لك فساده))
ان في هذين الحديثين الشريفين اشاره الى الامراض التي تعترض القلب وتضعف اصول الحكمة فيه فلا يقوى على مكافحتها وهي كثيرة منها القسوة التي يستحجر معها القلب فلا تلينه أي حكمة و موعظة وقد وردت الآيات القرانية والأحاديث النبوية الشريفة بالأشارة اليها كما قوله تعالى ((ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالاحجارة او اشد قسوة وان من الحجارة لما يتفجر منها الأنهار وان منها لمايهبط من خشية الله )) وقال تعالى ((فلولا اذا جائهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم )) وعن امير المؤمنين /ع انه قال ((من يأمل ان يعيش غدا فأنه يأمل ان يعيش ابدا ً ومن يأمل ان يعيش ابدا ًيقسو قلبه ويرغب في دنياه )) وعنه ايضا/ع((ماجفت الدموع ألا بقسوة القلب )) وهناك كلمة تجمع علم الطب كله وقد اخذها الأوربيون فقالوا (فتش عن المعدة) وحين تتعفن المعدة تفسد كثرة الطعام ولما كان القلب من جملة الجوارح التي يفيض عليها الدم الفاسد  وجب ان تتبلد فيه منافذ العروق وتتبلد فيه منافذ العاطفة فيقسوا وعن امير المؤمنين /ع ايضا ((اياكم والبطنة فأنها مقساة للقلب مكسلة عن الصلاة مفسدة للجسم )) وعن النبي محمد /ص ((من قل طعامه صح بدنه وصفى قلبه ومن كثر طعمه سقم بدنه وقسا قلبه )) وفي مصباح الشريعة ((ليس شئ اضر للقلب من كثرة الأكل وهي مورثة شيئين قسوة القلب وهيجان الشهوة)) اذا لا يخفى علينا ان الحركة المعدية تسرع في النوم اكثر منها في اليقظة فأذا كثر النوم حمل الدم بسبب تلك السرعة اجزاء مختمرة اكثر من حاجة الأعظاء الطبيعية وحينذاك يقسو القلب فيغفل عن واجباته .فلنتدبر في هذه الحكمة العالية التي اتانا بها الشرع الشريف.. كذلك حب الدنيا … اذا غلب على المرء حب الدنيا طال امله فيعد العدة اللازمة لدوام البقاء والترف في العيش لذلك سيكون المال سببا ًلهذه الغاية فيتكالب الأنسان على جمعه كما هو عند اغلب الناس ..وبما ان المال من ضروريات نظام الكون ولو ازمه الاقتصادية وبدونه لا نتمكن ممارسة اعمالنا لكننا نقول اذا لم يملأ الأنسان فراغ رأسه بالعلم تمكن فيه الجهل وتمشت فيه سدة الحرص وظهرت عليه افة البخل فيقسو قلبه ولا يلين لأي منظر مؤلم في فقراء البشر حينئذ يكون بمنزلة العضو المنفصل عن جامعة البشر علينا ان نستحلب اموالنا في اعلاء راية العلم لان قسوة القلب تنشأ عن الجهل والحرص وقد اشار لذلك سيد العارفين امامنا امير المؤمنين /ع قال (ايها الناس اعلموا ان كمال الدين طلب العلم والعمل به وان كثرة المال مفسدة للدين مقساة للقلوب وان كثرة العلم والعمل به مصلحة للدين وسبب الى الجنة).فلنتفكر في هذه الأسرار التي تكشف لنا على السنة هداتنا الاعاظم عليهم السلام فأخذ بها غيرنا واهملناها نحن فأصابنا هذا الانحلال والأنحطاط في جامعتنا علينا ان نصرف اموالنا في سبيل امتنا ونساعد فقرائنا وان ننمي خيراتنا بالدخول من ابواب العلم والدين .لنسر على التعاليم الألهية المقدسة في نفوسنا كي لا نضعف كيان اسلامنا وعلينا ان نرفع لواء الأسلام بأخلاقنا وصدقنا والتجرد عن الأنانية وحب الذات وان نكون كتلة واحدة تعضدنا قوة الأيمان بالله والثبات على المبدأ كي ترسخ اقدامنا ونقوي شوكتنا وان نصبح امة واحدة يضللها علم واحد ويجمعنا جمع واحد.

Facebook
Twitter