الدستور في البلدان البرلمانية يشرع مصالح الطبقة المهيمنة ونظامها السياسي والاقتصادي ويهمل الشعب
أ.د. رجب بودبوس
بعض الناس ، للبرهنة على عدم جدوى الدستور ، يتساءلون : هل وجود دستور حال دون الانقلابات في بعض البلدان ، وهل منع اندلاع حروب أهلية في بعض أخر ؟
هل وجود دستور منع موسوليني من الاستيلاء على السلطان في إيطاليا ؟
وحتى إن لم يصل الأمر إلى انقلابات ، أو إلى حروب أهلية ، الا يعدل الدستور أحيانا في ساعات قلائل ؟
هكذا بالنسبة لهؤلاء ، الجواب واضح : إذا الدستور لم يمنع الانقلابات ولم يمنع اندلاع حروب أهلية ، ولم يمنع الاستيلاء على السلطان انتهاكاً للدستور ، فإنه إذن لاجدوى من وجوده . وكما لو أن هذا لا يكفي للبرهنة على عدم جدوى الدستور فإنهم يشهرون سلبيات وجوده ويؤكدون أن الدستور يكبح حرية الشعب .
دعونا نناقش الاعتراض الأول ، واقعياً لم يمنع الدستور موسوليني أو غيره من الاستيلاء على السلطان ، ولم يمنع الانقلابات والحروب الأهلية ، الأمر هكذا يتعلق بإمكانية الدستور منع الخروج عليه ، أو حتى تعطيله أو إلغائه ، هذا السؤال مشروع جداً ويجب البحث فيه ، لمعرفة لماذا . لكن الخلاصة متسرعة جداً وليست صحيحة .
إذا كان الدستور لايمنع الخروج عليه ، تعطيله وحتى إلغائه ، ذلك لايعني عدم الحاجة إليه ، وإنما يجب البحث في أسباب ذلك . لأن السؤال يمكن أن يطرح بشكل آخر، هل عدم وجود دستور يمنع الانقلابات ، أو يحول دون وصول موسوليني إلى الحكم ويمنع اندلاع حروب أهلية ؟.
الانقلابات ، الاستيلاء على السلطان ، الحروب الأهلية ظواهر تحدث سواء وجد دستور أم لم يوجد وليس لنا إلا مراجعة سريعة للتاريخ لكي نتأكد من هذا.
في الحقيقة عندما يطرح السؤالان على هذا النحو ، فإن جوابهما يحيلنا ليس إلى الدستور ، وإنما إلى الواقع الاجتماعي ، وإلى القوة الداعمة للدستور ، والتي وراء الدستور تسنده وتفرض احترامه .
ذلك لأن الدستور هو ، في كل الأحوال ، تشريع لأمر واقع ، ولأن الدستور ، هكذا لايستمد قوته وإحترامه من ذاته ، وإنما ممن وراءه . عندئذ ، عندما ننظر في جواب السؤالين ، نجد أن الأمر يتعلق بقوة وفعالية من وراء الدستور ، ومن في صالحه احترام الدستور ، وليس بالدستور في حد ذاته .
الدستور ، هو في كل الأحوال ، تشريع أمر واقع ، إنه يسبغ الشرعية على ماهو واقع فعلاً ، وهذا الواقع ليس من صنع الدستور ، وإنما هو الذي يصنع الدستور .
هذا الواقع يستند إلى قوة فعلية ، وإذن فرض احترام الدستور يرجع إلى هذه القوة ، ويظل الدستور محترماً وملزماً ، ماظلت هذه القوة مهيمنة إجتماعياً ، الدستور يعبر عن مصالح هذه القوة ، ويمنحها الشرعية ، وإذن إحترام الدستور والالتزام به ، هو إحترام هذه المصالح ، وهذا أيضاً في صالح القوة المهيمنة ، إنه يجعل الشرعية في جانبها ، وإذن ليست في حاجة لاستخدام القوة .
هكذا بفضل الدستور يصير الأمر الواقع شرعياً ، مما يضعف القوى الأخرى المنافسة .
لكن هذه القوة يمكن أن تضعف ، أو أن قوة أخرى تظهر تنازع القوة السائدة سيطرتها على المجتمع ، عندئذ يختل توازن الأمر الواقع ، في هذه الحالة لم يعد الدستور معبراً عن الأمر الواقع والذي توازنه تغير بظهور قوة جديدة ، ذات مصالح وطموحات مختلفة ، وتوازن الأمر الواقع الجديد الذي يعبر عن القوة الجديدة ، لايتفق مع الدستور ، عندئذ تغير علاقات القوة في المجتمع ، يؤدي ضرورة إلى انتهاك الدستور وحتى تغييره بدستور آخر يشرع الأمر الواقع الجديد ، لأنه « من الناحية الواقعية ، الأقوياء دائماً يحكمون، .. أي أن الطرف الأقوى في المجتمع هو الذي يحكم » وهكذا عندما ما يتغير الطرف الأقوى يتغير الدستور ، أحياناً بطريقة غير شرعية إذا كان يتعلق بأسس الدستور .
إذن لايجب الخلط بين الدستور ، والذي يشرع دائماً أمراً واقعاً ، وفق علاقات القوة السائدة ، والذي يعني أن أي تغيير مهم في علاقات القوة هذه يدخل تغييراً في الأمر الواقع الاجتماعي ويرتب ذلك أحياناً ، تغييراً جذرياً في الدستور .
وبين صراعات ونزاعات قوى الواقع . الدستور لايمنع الصراع والنزاع ، والذي في مستوى معين ، يمكن الاحتكام فيه إلى الدستور ، لكن هذا يشترط أن القوى المتصارعة والمتنازعة ، تكن على قدر من توازن القوة ، بحيث لايستطيع أي طرف منها الخروج على الدستور وانتهاكه ، تعطيله أو إلغائه ، دون المخاطرة بتكبد ثمن فادح قد يصل إلى حرب أهلية . هكذا احترام الدستور هو نتاج خشية كل طرف ردة فعل الأطراف الأخرى .
هكذا حالة توازن القوى بين الأطراف المتنازعة ، وخشية كل طرف ردة فعل الأطراف الأخرى ، تفرض احترام الدستور .
إضافة إلى ذلك ، في حالة توازن القوى ، كل طرف يجد من صالحه عدم الخروج عن الدستور ، حتى لايخلق سابقة للأطراف الأخرى ولأنه يريد الإستفادة من الشرعية الدستورية .
لكن إذا طرف من الأطراف ، أعتقد أن بإمكانه إنتهاك الدستور ، وتعطيله أو حتى إلغائه والاستيلاء على السلطان دون خشية ردة فعل الأطراف الأخرى ، وإذا كان حقاً قوياً بما يكفي لذلك ، فإنه لن يتردد لحظة في القيام بهذا .
أما إذا لم يكن قوياً بما يكفي ، لتحييد الأطراف الأخرى ، فإن الحرب الأهلية ليست احتمالاً مستبعداً .
إذن وصول أمثال موسوليني ، ليس بسبب عيب في الدستور ولن يمنعه عدم وجود دستور ، لأن السبب الأساسي هو اختلال توازن علاقات القوة في المجتمع ، وتفوق طرف ، وهذا لا يمكن لأي دستور الحيلولة دونه ، ولو كانت قدسيته في مرتبة القرآن .
لقد ضربت مكة بالمنجنيق من طرف مسلمين .
مع ذلك وجود دستور ، يمكن في أحوال معينة ، أن يشير إلى عدم شرعية كل ما يخالفه ، ويمكن عندئذ الاحتكام إليه ، مالم يصل اختلال علاقات القوة إلى درجة تقتضي تغيير النظام الذي يشرعه الدستور .
بينما في حالة عدم وجود دستور تضيع حتى مثل هذه الإشارة .
إن علامة الشارع الممنوع لاتمنع دخوله ، هذا صحيح لكن على الأقل تشير إلى فعل الانتهاك هذا ، أما قمع هذا الانتهاك ومعاقبته ، فإنه مسؤولية الجهة التي وراء هذه المنع بالطبع إذا كان المنتهك قوياً بما يكفي ، والجهة المسؤولة ضعيفة ، فإنها عندئذ لا تستطيع شيئاً ، إنها ربما تتفرج على انتهاك العلامة .
إذا حدث هذا ، فإنه يعني أن من ينتهكه العلامة أقوى من المكلف باحترامها وهذا ليس شأن العلامة .
هكذا وجود دستور يشير إلى أي فعل ينتهكه أو يخالفه ، لكن قمع هذا الفعل ، وإذن الإلزام باحترام الدستور ، هو مسؤولية من وراء الدستور .
إذا لم يكن هناك دستور ، فإن هذا لايعني عدم وجود إنتهاكات ، كما أن الأمر يشبه جداً عدم وجود علامة ممنوع على مدخل شارع ، عندئد من الصعب جداً تقييم فعل ما بأنه شرعي أو أنه انتهاك للشرعية ، وهذا في صالح من يسعى للاستيلاء على السلطان أكثر مالو كان هناك دستور .
أعود فأقول إن الدستور لايمنع انتهاكه ، الخروج عليه تعطيله ، وحتى إلغائه ، كما هو حال علامة ممنوع الدخول ، إنه يشير فقط إلى فعل الانتهاك أو عدم شرعية الإلغاء أو حتى التعديل إذا جرى خلاف ماينص عليه الدستور .
فرض إحترام الدستور وقمع انتهاكه مسؤولية من وراء الدستور ، والذي يعبر ويشرع مصالحه ، وما يقبل به نظاماً .
إن عدم وجود دستور ، يمكن تفسيره أحياناً ، بأن القوى المتصارعة على السلطان ، علناً أو ضمنياً ، كل منها يعتقد أن الأمر الواقع ليس بعد في صالحه ، وإذن إذا وجد دستور لن يكون في صالحه ، لذلك يعمل على تأجيل هذا التشريع أملاً في تحسن موقعه في علاقات القوة ، وعندئذ يضع الدستور الذي يخدم مصالحه ويشرع رؤيته .
مثلاً : كل من لايقبل بالديمقراطية المباشرة ، وموقعه في علاقات القوة لايسمح له بفرض النظام الذي يريده ، فإن من صالحه ألا يصير نظام الديمقراطية المباشرة شرعياً ، وأن يتجسد في دستور ، أملاً أن تغيرات تحدث في موقعه في علاقات القوة .
هكذا يمكن القول أن عدم وجود دستور ، أحياناً يشير إلى وجود صراع لم يحسم بعد ،وخلاف لم يحل بعد ، حول نظام الدولة ، وأن كل طرف ينتظر أن يحسم الصراع في صالحه ، وأن يتمكن من فرض حله للخلاف .
وماذا عن تعديل الدستور . في ساعات قلائل ؟
بداية يمكن القول ، أن أسلوب تعديل الدستور ينص عليه كل دستور ، فإذا نص الدستور على أن تعديل الدستور اختصاص برلماني ، فإن من حق البرلمان إجراء التعديلات . هذا لا يستغرق وقتاً طويلاً ، خاصة إذا الحزب الحاكم هو الذي يقترح هذه التعديلات ، وأنه له الأغلبية في البرلمان ..
أما إذا نص الدستور على أن كل تعديل لابد وأن يستفتى عليه الشعب ، فإنه يكون أصعب من تعديله بواسطة البرلمان .
لكن هذا ليس مأخذا على الدستور ، إننا لن نجد في الدستور إلا ما نضعه فيه ، وما نضعه فيه يتوقف على علاقات القوة أو على الطرف الأقوى .
مع ذلك في الحقيقة ، تعديل الدستور يعبر أحيانآً عن تغير في توازن علاقات القوة ، لكن هذا التغيير لم يصل مستوى وضع كل الدستور موضع سؤال ، ومن ثم تغيير كل الدستور وإذن كل النظام السياسي للدولة .
لكن مع ذلك يمكن القول أن أهمية التغيير تعبر عنها أهمية التعديل . كل تعديل هكذا يعبر عن تغيير في توازن علاقات القوة .
إذن لست أخدع نفسي ، وأعرف جيداً أن الدستور ، في نهاية المطاف ، مجموعة نصوص على أوراق ، وهكذا لايمكنه منع حدوث إختلال توازن علاقات القوة ، لأن الدستور دائماً يشرع أمراً واقعاً لا أنه يخلق الأمر الواقع . الأمر الواقع هو الذي يصنع الدستور .
عندئذ منطقياً وواقعياً أيضاً ، ليس المهم وجود دستور فقط ، وإنما أيضاً المهم أكثر من وراء هذا الدستور :
– إذا كان وراءه فرد ، يشرع حكمه ويحقق مصالحه ، فإن تغلب فرد آخر يطيح بهذا الدستور .
– إن كان وراءه برلمان ، فإن تغير مكونات البرلمان ، يمكن أن يطيح بهذا الدستور .
– إذا وراءه طبقة فإن ظهور طبقة جديدة تختلف مصالحها عن الطبقة السابقة ، فإنها تطيح بالدستور .
– إذا وراءه شعب منظم في مؤتمرات شعبية ، ويمارس السلطان ، ليس من المتوقع ظهور شعب آخر يطيح بالدستور .
– إن صعود الطبقة البورجوازية ، واستيلائها على السلطات ، في فرنسا 1789، ما كان يعيقه وجود ولا عدم وجود دستور .
إن احترام وفعالية الدستور في البلدان المسماة ديمقراطية ليبرالية ، لايرجع للدستور ، وإنما لانه يعبر عن ، ويشرع مصالح الطبقة المهيمنة ونظامها السياسي والاقتصادي في هذه البلدان يمكن أن تجرى عليه تعديلات ، حسب تغيرات المصالح ، لأن الدستور لايمكنه منع التغيرات هذه ، لكن لايمكن انتهاكه ولا الخروج عليه أو تعطيله أو إلغائه ما دامت هذه الطبقة مهيمنة اجتماعياً .
وهذا ما يجعل التعديلات لاتطال أسس الدستور ، أي أسس النظام السياسي الاجتماعي ، سواء أعطى حق تعديل الدستور للبرلمان أو لاستفتاء شعبي ، الشعب هنا لا ولم يستفت على أسس النظام .
هذا يعني قياساً ،
ان الدستور الذي يصدره شعب ، ولا يعدل إلا بقرار من الشعب ، وليس استفتاء ، لايمكن إلغاؤه ولا تغييره جوهرياً ولافرعياً ، مادام الشعب هو السيد الممارس للسلطان .
أنا لا أتخيل ولا أستطيع حتى تخيل شعب يمارس السلطان يتخلى عنه ، ويضع دستوراً ينزع منه سلطانه ..
إذا حدث ، فرضا ، أن الشعب خسر سلطانه ، بظهور قوة تطلب حكمه والسيادة عليه ، فإن حسم هذه المعركة ليس بنصوص الدستور ..
ظهور مثل هذه القوة الطامعة في الاستيلاء على سلطان الشعب ، بالطبع لايمنعه وجود دستور ولاعدم وجود دستور ، وإنما هل يمكنها فعلياً قمع الشعب ؟ إذا كان ذلك ممكناً فإن عدم وجود دستور يسهل مهمتها أكثر من وجود دستور لكن هذه القوة لن تفكر في الاستيلاء على سلطان الشعب إلا إذا تأكدت من ضعف مؤسساته ، وضعف الشعب . عدم وجود دستور إشارة لضعف مؤسسات سلطان الشعب .
إذن لست ساذجاً أطالب فقط بوجود دستور ، معتقداً أنه البلسم الشافي والضمان الأكيد ، وإنما أطلب أيضاً دستوراً يشرع سلطان الشعب ، أما إذا ظهرت قوة ما ، تطمع في الاستيلاء على سلطان الشعب ، فإن الذي يمنعها ليس وجود أو عدم وجود دستور .
وإنما قوة رد فعل الشعب ، الدستور يزيد في قوة رد الفعل هذا لأنه رد شرعي على فعل غير شرعي .
باختصار من ناحية يجب تقوية سلطان الشعب واقعياً ، من خلال تقوية مؤساته الديمقراطية – المؤتمرات الشعبية – ومن ناحية أخرى تشريعه في دستور ، وهذا يقطع الطريق على كل طامع ، من حيث قوة الشعب تردع كل من يطمع في الاستيلاء على سلطان الشعب ، ومن حيث إن الشرعية تكون في جانب الشعب بحكم الدستور .
لكن البعض ربما عن حسن نية ، وعن سوء فهم ، يذهب إلى أن الدستور يكبح حرية الشعب في ممارسة سلطانه وكان الشعب لايكون حراً إلا في حالة من الغوغائية .
بدون الدخول في تفاصيل الرد على هذا الاعتراض ، فإنني أقول ، وباختصار شديد :
الدولة الجماهيرية ، حيث الشعب يمارس السلطان ، لا تعني الغوغائية ، وليست مجتمعاً غير منظم ..
مع ذلك لنفرض جدلاً أننا سلمنا بهذا الاعتراض ، فإنه هكذا ينسحب أيضاً على كل القوانين وكل التنظيمات ، وهذه أكثر إرتباطاً وتأثيراً في الحياة اليومية للناس من الدستور . إذن لكي لاتكبح حرية الشعب يجب عدم تشريع قوانين ، وعدم وضع تنظيمات ، لكن من ناحية هذا غير الواقع فعلاً ، الشعب يشرع قوانين ويضع تنظيمات ، ومن ناحية أخرى هذا الاعتراض مستحيل نظرياً لأن تشريع الشعب للقوانين يعبر عن حريته وليس كابحاً لحريته .
إذن إذا كانت القوانين وما في حكمها ، وهي أكثر تأثيراً في حياة الشعب اليومية ، من الدستور ، ولما كان الدستور وهو بشكل ماقانون القوانين ، فإنه أيضاً لا يكبح حرية الشعب .
بكل تأكيد مهمة الدستور أن يضبط وأن يقنن ممارسة الشعب لحريته وسلطاته ، وبدون هذا ليس دستوراً .
لكن الشعب ممارساً سلطاته هو الذي يصنع قواعد الدستور لكي يضبط ويقنن أفعاله التشريعية ، وهو هكذا من يلزم نفسه باحترام ماشرعه .
لنفترض جدلاً أن الدستور يكبح حرية الشعب ، يمكن عندئذ أن نسأل : هل عدم وجود دستور يعني أن الشعب أكثر حرية ؟ أليست الغوغائية عندئذ من يقتل الحرية ؟
الاعتراض المشار إليه ، يمكن أن يكون صحيحاً . إذا كان الشعب يخضع لدستور من وضع غيره .
على كل حال ، وكقاعدة عامة ، لايخضع السيد إلا لنفسه ، وعندئذ يمكن للشعب تعديل أو حتى إلغاء مايراه .
الدستور لايمنعه من هذا ، لكنه يضع شروطاً يلتزم بها الشعب نفسه .
عندما يضع الشعب دستوراً ، ويلتزم باحترامه ، فإنه يمارس حريته ولايخضع إلا لنفسه .
إذن يمكن القول ، وبكل تأكيد ، أن الدستور ليس ولا يمكن أن يكون كابحاً لحرية الشعب ، إذا كان الشعب هو من يشرع الدستور وليس غيره .
ربما الذين يدعون خشية الدستور على حرية الشعب ، لا يخشونه إلا على حريتهم .. لأن الدستور هو تنظيم الأحرار لممارسة حريتهم . هذا النظام عندئذ في صالح الحرية وليس كابحاً لها ، إنه ينظم ويقنن حرية الشعب في ممارسة سلطانه ، وفق ما يقرره الشعب نفسه ، وإذن لن يكون كابحاً لحرية الشعب .
هكذا قانون المرور مثلا ، لايكبح حرية السائقين ، إن كلا منهم حر أن يسلك طريقه ، لكنه ينظم هذه الحرية في الممارسة ، خاصة إذا كان هذا القانون من وضع الناس أنفسهم .
الدستور الذي يضعه الشعب ينظم ممارسة الشعب لحريته ، لكنه لايفرض على الشعب فيما يمارس حريته.