صاحب الامتياز
رئيس التحرير
عبدالرضا الحميد

الكشف عن 50 حالة غش ونقل ملايين الدولارات من مشاريع الاعمار

‘القدس العربي’: حذر كاتب من الاصوات التي ارتفعت في الفترة الاخيرة وبعد تنظيم الانتخابات العراقية والتي قالت ان التاريخ سيسامح دعاة الحرب الذين قادوا الحرب على العراق، وقال الكاتب هنري بورتر ان هؤلاء يخادعون انفسهم لان المؤرخين في المستقبل ستكون لديهم الرؤية للحكم على احداث زماننا بطريقة مختلفة واكثر وضوحا وستكون لديهم القدرة على تقديم كل انواع الافتراضات.
ومع انه لا يعتقد ان ابناء الجيل الذي لم يولد بعد سيكونون قادرين على رؤية الامور بالطريقة التي نراها اليوم وانها قد لا تفهم السياق الصحيح الذي قاد للاحداث، وكمثال على ذلك يحيل الى عام 1002 عندما قتل الأنغلوساكسونيون 55 شابا من الفايكنغ في اسكتلندا ودفنوا في مقبرة جماعية عندما أمر القائد الأنغلوساكسوني قواته بقتل كل من يمكنهم العثور عليه من الفايكنغ.
وبالمقاربة مع هذه الحادثة يقول ما الذي يمكن ان يقوله مؤرخو اليوم عن هذه المذبحة التي أدت إلى انتقام شامل من جانب الاسكندنافيين وقيامهم باحتلال بريطانيا في 1013. ويضيف ان الالم والحزن يصبح اقل كلما مر الزمن ونفس الشيء يقال اليوم عن العراق التي دخلت فيه الحرب عامها السابع هذا الشهر.
ومن اجل هذا يقوم عدد من المؤرخين والكتاب بمحاولة وضع النقاط على الحروف ومحاولة تحديد العدد الحقيقي من العراقيين الذين قتلوا في الحرب، مما يعني ان المؤرخين هؤلاء يحاولون استبعاد القاتل عن اطار الصورة. ويذكر الكاتب ان العدد قدر عام 2006 حسب فريق من مسؤولين امريكيين وعراقيين بحوالى 600 الف عراقي.
لكن العدد تم تخفيضه ومراجعته في مقال نشرته صحيفة ‘فايننشال تايمز’ كتبه نايجل بيغار، من جامعة اوكسفورد الذي كتب انه كاثبات على شرور الغزو فنقادها يتحدثون عن مقتل ما بين 100 الى 150 الفاً. ويفند الكاتب دفاع كاتب ‘الفايننشال تايمز’ من ان حرب العراق كانت ‘عادلة’ وكانت ضرورية لمنع ضرر اعظم.
والمح الى شعور المدافعين عن قرار الحرب ومنذ الانتخابات العراقية التي قدموها على انها منفعة من منافع الغزو. فتصويت نسبة 60 بالمئة من 19 مليون عراقي جعلهم يهتفون بالصوت العالي قائلين ان الديمقراطية تجذرت في العراق ولم ينصتوا الى صوت التفجيرات التي لا تزال تحدث في العراق كل يوم. ويمضي الكاتب قائلا ان حجة دعاة الحرب والمدافعين عنها انه لو ظل صدام في الحكم لظل يقتل الشيعة ويقمع خصومه. ويتحدث بسخرية مرة عن المدافعين عن الديمقراطية في العراق فقط ولم يؤيدوا الخيار الديمقراطي للشعب الفلسطيني، وكأن العراق هو الذي يستحق الديمقراطية، سواء ظل صدام حسين في السلطة او خرج وان كان خروجه مفيدا متروك للعراقيين كي يقولوا قولهم.
فالتركيز على الديمقراطية وانتصارها في العراق هو محاولة لتعزية النفس وتبرير الجرم من ان الغزو في النهاية حقق نتائج للعراقيين. لكنهم في المقابل يتناسون ان العراق انهار نسيجه الاجتماعي ودمرت بنيته الثقافية وصار محط صراع قوى لم تكن موجودة فيه خاصة القاعدة التي لم يعرف العراق اي اثر لها من قبل.
اما الامر الاخر الذي يلفت الكاتب الانتباه له وهو ان العراق ظل في مركز الاستراتيجية الامريكية والبريطانية لمدة 7 اعوام، وخلالها تركت افغانستان دون اهتمام مما ادى الى تصاعد الفساد وانتشار قوة طالبان وغياب الحكومة.
والغريب في الامر ان العراق ظل محط الاهتمام مع ان الحرب على امريكا بدأت في أفغانستان. وفي نهاية مقاله يقول الكاتب انه بعد تسعة اعوام من غزو افغانستان وملاحقة القاعدة وطالبان فالغرب وقوات الناتو يخسر جنوده هناك بسبب الحرب في العراق.
وفوق كل هذا الضرر فقد كان غزو العراق فرصة لايران كي تتسيد العراق وتواصل جهودها للحصول على التكنولوجيا اللازمة لصنع قنبلة نووية.
وتقوم بهذا لتحصين نفسها حتى لا يمكن إذلالها أبدا كما حدث مع صدام. وحرب العراق في النهاية لا تحتاج الى ان نتنظر الاجيال القادمة كي تحكم الغزو لاننا نعرف ما حدث في وقتنا.
ونعرف ما تسببت فيه هذه الحرب من معاناة ومآسٍ. ويقول ناقدا ان تعداد ضحايا الحرب يجب ان لا يترك لكتاب مثل ديفيد ابراموفيتش الذي كتب في ‘التايمز’ ان الديمقراطية في العراق كانت معجزة حيث كان يبرر دعمه للحرب. ومع انه لا يرى خطأ من التدخل العسكري في حالات لمنع المعاناة الانسانية لكن الحالة العراقية مختلفة عن كوسوفو والبوسنة لانها قامت على اسباب منها منع صدام من اضطهاد الشيعة والاكراد واكثر من هذا منع صدام من امتلاك السلاح النووي والمشكلة الحالية في كتابات المراجعين انهم يحاولون تغيير سبب الحرب بالتجاوز على جراح وآلام الضحايا.
مشكلة دعاة الحرب والديمقراطية العراقية هي انهم انتقائيون في تقديرهم لنتائجها وينظرون اليها بعيدا عن حالات تدخل عسكري اخرى وعن اسبابها وتداعياتها من القاعدة وايران اللتين دخلتا العراق بقوة كما انهم يعمون الابصار عن المنافع التي لم تحصل للعراقيين فهم لم يتمتعوا بالديمقراطية ولم يحصلوا حتى على ابسط الخدمات فيما تتكشف يوميا صور الجشع والفساد التي قام بها المحتلون ومن تعاون معهم، فالانتخابات الديمقراطية التي يتغنون بها لم تخل من طائفية وحرمان لاطراف معينة كما فضائح الفساد يوميا تتكشف من مثل ما كشفت عنه صحيفة ‘نيويورك تايمز’.

تزوير وغش في اعمار العراق

فقد كشف محققون امريكيون عن حالات من التزوير والغش في مشاريع الاعمار وتتعلق بعقود مالية واراض وقروض وكازينوهات وحتى عمليات تجميل من الامريكيين الذين كانت لهم علاقة بمشاريع الاعمار وانفاق 150 مليار دولار. وفي عدد من الحالات قام عدد من الاشخاص المتهمين بارسال عشرات الالاف من الدولارات الى انفسهم او حساباتهم من العراق او قاموا بحشو حقائبهم بمئات الالوف من الدولارات قبل مغادرتهم العراق.
وفي حالات اخرى تم تحويل ملايين الدولارات الى حسابات خارجية، وقام المشتبه بتورطهم بعمليات التزوير فيما بعد باستخدام الاموال النقدية لشراء سيارات بي ام دبليو وهمفي ومجوهرات غالية الثمن او لدفع ديون كبيرة عليهم لكازينوهات اثناء لعبهم القمار.
كما حاول عدد من المشتبه بهم باخفاء حساباتهم البنكية في بنوك خارجية في غانا وسويسرا وهولندا وبريطانيا وفي حالات اخرى عثر المحققون على الاموال مكدسة في خزناتهم السرية في بيوتهم. ومع انه ليست المرة الاولى التي يتم فيها الكشف عن تجاوزات وفساد في مشاريع اعمار العراق منذ عام 2003 الا ان الحالات الجديدة تؤكد ما سبق واشار اليه المحققون من ان قلة الرقابة والاعتماد الكامل على الاموال النقدية في مشاريع اعمار العراق سمحت للعديد من الامريكيين الذين حصلوا على رشاوى او سرقوها للمرور بدون اي مشاكل.
وبحسب المسؤول لمكتب المفتش العام لمشاريع اعمار العراق الذي نقلت عنه صحيفة ‘نيويورك تايمز’ انه كان يشعر بوجود عملية غش دائمة واعترف ان المكتب لم يكن قادرا على تحديد مصدرها ومن قام بها.
وقال ان الكشف عن هذه الحالات يؤكد توقعات مكتبه. وتم الكشف عن حالات التزوير في اثناء التحقيقات التي قام بها المكتب منذ صيف العام الماضي فيما اعلن عن تحقيق مماثل في مشاريع افغانستان شهر شباط (فبراير) الماضي.
وكشف المكتب عن الية التحقيق الا ان مديره رفض الكشف عن اسماء المشتبه بهم فقد تم تنظيم الية التحقيق في وزارة المالية ضمن برنامج مكافحة شبكات الجريمة المالية وهو البرنامج الذي يقدم معلومات متواصلة حول تعاقدات اكثر من 275 وكالة مالية فدرالية. وبحسب المتحدث باسم وزارة المالية فالبرنامج يقوم بتوفير ما بين 15- 16 مليون تقرير عن نشاطات مالية مشبوهة، وتضم التعاملات المالية التي ينتجها البرنامج تقارير مالية عن تعاقدات في محلات قمار وكازينوهات وتحويلات مالية وعقود تأمين. وبحسب الناطق فالبرنامج قادر على توفير معلومات عن المال القذر.
ويقترح مدير مكتب المفتش العام ان التحقيق قد يكشف عن حالات جديدة تفتح بنهاية العام الحالي. ونقلت عنه الصحيفة ان جهود التحقيق تقوم على مراجعة شاملة لكل مشاريع اعمار العراق. وكشف مكتب المحقق العام لمشاريع اعمار العراق عن اتهامات في 35 حالة و27 ادانة.

Facebook
Twitter