الحقيقة النفسية للزعيم عبد الكريم قاسم – القسم الثاني

v:* {behavior:url(#default#VML);}
o:* {behavior:url(#default#VML);}
w:* {behavior:url(#default#VML);}
.shape {behavior:url(#default#VML);}

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-qformat:yes;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:11.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-ascii-font-family:Calibri;
mso-ascii-theme-font:minor-latin;
mso-fareast-font-family:”Times New Roman”;
mso-fareast-theme-font:minor-fareast;
mso-hansi-font-family:Calibri;
mso-hansi-theme-font:minor-latin;
mso-bidi-font-family:Arial;
mso-bidi-theme-font:minor-bidi;}

الدكتور حسين سرمك حسن

باحث وطبيب نفسي

 

 

الشريف حسين يخاطب وفدا عراقيا : أخشى أن تعاملوا فيصل مثلما عاملتم الحسين !!!! .

 

 

في عهد قاسم ابتدع الشيوعيون سحل المواطنين تحت هتاف: (ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة).

 

 

الدمج المشوه والمعوق للسلطات الثلاث بأيدي فرد واحد عطل الحياة الدستورية وجعل البلاد تعيش على دستور (مؤقت) لأكثر من أربعة عقود

 

 

الجواهري يخاطب قاسم : يا سيادة الزعيم  نعم انها ثورة ولكن بشرطة نوري السعيد ؟!

 

 

لم يشفع المصحف الشريف ولا الرايات البيض التي حملها الملك فيصل وعائلته في الخلاص من مجزرة قصر الرحاب

 

 

رشاشة النقيب مصطفى عبدالله  تحصد العائلة المالكة وعقيرته تصرخ (اخرجوا ايها السفلة .. ايها الخونة.. ايها العبيد)

 

 

عدة طلقات فتحت جمجمة الملك فيصل الثاني فسقط في احضان الاميرة هيام

 

 

رصاص الجنود يردي الطفل اليتيم جعفر ربيب الاميرة عابدية قتيلا

 

جموع الغوغاء تسحل جثة الطباخ التركي ثم تحرقها امام معسكر الرشيد


 


# ثورة أم انقلاب ؟ :

وليست شخصية الزعيم بتركيبتها المرضية هي التي أضفت على ما حصل صبيحة الرابع عشر من تموز سمة الإنقلاب لا الثورة حسب ، بل هي الشخصيات المضطربة للقادة العسكريين الآخرين الذين احاطوا به أيضا . ومن مسلمات التحليل النفسي أن المهنة التي يختارها الإنسان تحقق له عادة منافذ للتفريج عن محفزاته المكبوتة ، كما أن المهنة ، والسلطة تحديدا قد تكون ستارا يغطي على الكثير من المثالب الشخصية.

وارتباطا بموضوعنا الأساسي أقول إن هناك خلافا دائرا حتى اليوم حول طبيعة التغيير الذي حصل في 14 تموز : هل هو ثورة أم انقلاب ؟. ولا أريد مناقشة هذا الأمر من الناحية السياسية فقط ولكن من مقترب آخر يهم الناشطين في مجال حقوق الإنسان حيث وجدت قسما منهم يصف هذا التغيير بالثورة . وفي البداية أعود إلى ما ذكره الجواهري على الصفحات (163 – 168) من الجزء الثاني من ذكرياته بما لا يقبل اللبس أن ما حصل يوم 14 تموز 1958 لا صلة له على الإطلاق بالمفهوم الموصّف والمعروف لمصطلح “الثورة” حيث يقول في خاتمة هذا الفصل :

(هذا ما أحببت أن أقدم فيه فصل ثورة 1958 للقاريء الكريم لأدلّل على أن ما حدث يشبه الإنقلاب .. وليس له أي علاقة بتسمية “الثورة” التي أرى أنها لم تحن بعد . وأنني لأستغرب كيف يمكن أن تسمى الأشياء بغير مسمياتها وأستغرب كذلك أن هذه الخاصية موجودة في الوطن العربي أكثر بكثير مما هي موجودة في أقطار وبلدان أخرى . وستأتي التفاصيل التي بمجريات أحداثها تشير على أن ما حدث كان نتيجة انقلابات فردية وهو في كليّته لا ينتسب بأي علاقة للأصالة الثورية وتجذرها في الفكر الاجتماعي ولا يرتبط بالمصير الاجتماعي والطموح البشري – ص 168 ) (71 )

لقد أرسل الزعيم قاسم سيارة عسكرية لتقل الجواهري إلى قصر الرحاب ليشاهد “على الطبيعة” أول “إنجازات الثورة” !! فماذا رأى ؟ يقول الجواهري :

(وفعلا قدمت السيارة في اليوم التالي .. وذهبت إلى قصر العائلة المالكة المبادة ، ولم يكن بإمكاني أن أرى أحدا من أفراد هذه العائلة حيث كانت جثثهم قد سُحلت بالشوارع وعُلقت بالحبال وقُصبت كذلك .
ما رأيته وأنا أزور هذا القصر وبعد مرور (11) يوما على إبادة الملك وأتباعه وخدمه وطباخه أن ضابطا وسيما يتمدد على كرسي حول بركة المسبح الجافة والتي قيل لي أنها كانت المحطة الأولى لجثث القتلى – وهو شبه متهتك المنظر وقد رفع سرواله القصير إلى أعلى ما استطاع وكأني به يدلّل على جسده أو يحاول أن يمارس إغراءا سوقيا أو يستعرض عضلاته ، متناسيا أن فعلته هذه لا تقل قذارة عن فعلته وهو يرش نساء العائلة المالكة وخدمهن والطباخ الوحيد المسكين برشاشه خاصة وأن هؤلاء وفي مقدمتهم الملك والوصي على العرش كانوا يحملون الرايات البيضاء والمصاحف .

وأنني لأستغرب حتى هذه اللحظة كيف يمكن لقادة ثورة أو زعيم ثورة وقد عملوا كل ما عملوا من شناعة وفظاعة في مقتل العائلة المالكة ؛ كيف لهؤلاء أن يدعوا العامة لاقتحام هذا القصر متجاهلين أن هذه العامة في اللحظات الغريزية للهياج الاجتماعي تعمل تخريبا وعبثا في كل ما يقع بين يديها .

وهذا ما كان لهؤلاء وهم يقتحمون قصر الرحاب . لقد سرقوا وحطموا وشوّهوا ونهبوا وأحرقوا أشياء كان من الممكن أن تكون في سجل محتويات القصور التاريخية التي تحافظ عليها الأمم كافة . كما أنني مازلت أستغرب وليس هذا دفاعا عن العائلة المالكة ، بل لنبل الشعور والإنسانية ، لماذا لم يسمح قادة الثورة للعائلة المالكة والوصي على العرش بمحاكمة حقيقية عادلة ؟ وماذنب الخادم البسيط والطباخ التعيس ليُذبحا ؟ – ص 195 ) (72)

# حقوق الإنسان ومذبحة العائلة المالكة :

إن التساؤل الأساسي الذي يتجاوز سؤال أثورة أم انقلاب ، هو سؤال حقوق الإنسان الذي يجب أن تحافظ عليه أي ثورة حقيقية . هذا التساؤل سيثور بصورة فاجعة حين نقرأ ما كتبه شاهد عيان هو (فالح حنظل) فقد كان فالح حنظل في عام 1958 ملازما في القصر الملكي في بغداد ، وهو “قصر الرحاب” ، وقد شهد عملية ابادة وسحل العائلة المالكة في صبيحة الرابع عشر من تموز … وقد وصف ما حدث انذاك في كتابه “اسرار مقتل العائلة المالكة في العراق” . فبعد ان يصف فالح حنظل عملية هجوم الضباط والشعب على القصر والطلب الى الملك وخاله الخروج الى باحة القصر .. بدأت المجزرة … :

( قبل الساعة الثامنة بقليل فتح باب المطبخ .. وخرج منه الملك وامارات الرعب قد تجمدت على وجهه من هول الموقف.. وبدا مرتديا ثوبا ذا كمين قصيرين وبنطالا رمادي اللون، وينتعل حذاء خفيفا .. وخلفه سار الأمير عبدالإله مرتديا ثوبا وبنطالا كذلك، وقد وضع يده اليسرى في جيب بنطاله ، إما يده اليمنى فكانت ترفع منديلا ابيض. وزاحمت الملكة نفيسة ولدها الامير عبد الاله على درج المطبخ ، ووقفت وراء الملك ورفعت القرآن عاليا بيدها فوق رأسه وهي تصر باسنانها على اطراف الشرشف الذي يستر جسمها، وخلفها سارت الاميرة عابدية وهي تنتحب وتولول، ثم الاميرة هيام، ثم احدى خادمات القصر المسماة رازقية ، والطباخ التركي وخادم اخر .. واثنان من جنود الحرس تركا بندقيتيهما في المطبخ. خرج الجميع يتقدمهم المقدم محمد الشيخ لطيف.. والملازم اول ثامر خالد الحمدان.. وكان يقف في نهاية الرتل النقيب ثابت يونس. وفي الباب كان العقيد طه ما زال يحاول ان يهدئ من سورة هيجان الضباط ، وخاصة النقيب مصطفى عبدالله الذي كان يرفع عقيرته بالصراخ :”اخرجوا ايها السفلة .. ايها الخونة.. ايها العبيد”، وخرج الجمع كله ليواجه نصف حلقة من الضباط وهم كل من: النقيب مصطفى عبد الله، النقيب سامي مجيد، النقيب عبد الله الحديثي، النقيب منذر سليم، النقيب حميد السراج، الملازم اول عبد الكريم رفعت، وعدد اخر من الملازمين والمراتب. ويقف خلف هؤلاء الضباط عدد اخر من الضباط والجنود، وقد انتشروا في الحديقة وخلف الاشجار.. والى خلف هؤلاء من اليمين واليسار كانت الجموع الغفيرة من العساكر والناس تقف متفرجة. خرج الملك فيصل وسرعان ما رفع يده بالتحية العسكرية للضباط الموجودين امامه .. واغتصب ابتسامة رقيقة تراقصت على شفتيه، وظهرت خلفه جدته وهي تحاول ان تجعل الجمع كله يشاهد القرآن بيدها.. وبعدها سار عبد الاله .. وهو يتمتم ببضع كلمات غير مسموعة .. ووجهه يكاد يكون ابيض .. وزوى ما بين حاجبيه، وهو يرى لاول مرة الضباط شاهرين رشاشاتهم بوجهه، وتلفت يمنة ويسرة .. ليتطلع الى بقية العساكر المنتشرين في الحديقة .. ثم لم يلبث ان استدار الى الخلف ليطمئن على زوجته واخته اللتين جفت الدموع في مآقيهما ولم تعودا تعرفان ماذا تقولان او تفعلان .. وارتفع همس الملكة العجوز وهي تحاول ان تردد بعض الايات من القرآن الكريم. وتقدم النقيب مصطفى عبد الله .. وصرخ فيهم ان يجتازوا ممرا من الشجيرات ينتهي الى باحة خضراء صغيرة.. جنب شجرة توت ضخمة وسط الحديقة، وقد تعلق بها نسناس صغير مربوط من رقبته بسلسلة معدنية .. فاجتاز الجمع الممر .. ووقفوا بشكل نسق يتطلعون الى افواه رشاشات الضباط الموجهة نحوهم. وفي هذه الاثناء كان النقيب عبد الستار سبع العبوسي داخل قصر الرحاب .. فترك القصر ونزل هابطا الدرجات الامامية ورشاشته بيده.. واستدار الى اليمين فشاهد الاسرة المالكة كلها تسير في صف تاركة باب المطبخ.. وبعد اقل من نصف دقيقة كان النقيب العبوسي يقف خلف العائلة المالكة تماما، ويفصله عنهم خط شجيرات صغيرة على الارض. وبلمح البصر فتح نيران رشاشته من الخلف مستديرا من اليمين الى اليسار .. فاصابت اطلاقات غدارته الثماني والعشرون طلقة ظهر الامير عبد الاله.. ورأس ورقبة الملك وظهري الملكة والاميرة عابدية.. ثم لم يلبث ان فتح مصطفى عبد الله نيرانه من الامام على البشر الموجودين امامه، وفتح بقية الضباط المشكلين نصف حلقة نيران رشاشاتهم، وجاءت النيران من الامام ومن الخلف ومن الجانب.. من كل يد تحمل سلاحا في تلك اللحظة..!! اصيب الملك بعدة طلقات فتحت جمجمته وسقط في احضان الاميرة هيام التي تهاوت ارضا، وقد اصيبت في فخذها، وسقط عبد الاله قتيلا وانصبت عليه نيران اكثر من فوهة نارية، وهو يتمرغ قتيلا على الارض.. ونالت الاميرة عابدية والملكة نفيسة حظهما من رصاص المهاجمين .. فتمرغتا بالارض وهما تلفظان انفاسهما الاخيرة.. واصيب جندي الحرس محمد فقي بعدة طلقات نارية صرعته فورا.. وجرحت الخادمة رازقية .. وقتل الطباخ التركي، وقتل احد الخدم في نفس البقعة ايضا. واصيب النقيب ثابت يونس بطلقة نارية اخترقت رئته اليمنى ونفذت، فهرب الى جهة اليمين ومعه ضابطا صف من الانضباط الخاص، وسرعان ما واجهتهم اعداد المسلحين المختفين وراء القصر واجبروهم على التسليم.. اما المقدم محمد الشيخ لطيف فقد قفز جانبا حائدا عن منهمر الرصاص، واستطاع الملازم اول ثامر الحمدان ان يلقي بنفسه بين الشجيرات، ويزحف ارضا الى ضفاف نهر الخر ، ويندس هناك بين جموع المهاجمين ويختفي دون ان يعرفه احد. واثار منظر الدماء واصوات الطلقات النارية جنون ضابط المدرعة، ففتح نيران رشاشته الثقيلة على الاجسام الملقاة ارضا.. فحرثها حرثا وحاول الطفل جعفر اليتيم الذي كانت تربيه الاميرة عابدية ان يهرب الى زاوية من زوايا القصر، الا انه سرعان ما عاجله الجنود برصاص بنادقهم فاردوه قتيلا. وعلى اثر هذا الرصاص المتناثر يمنة ويسرة اصيب النقيب مصطفى عبدالله بطلقة نارية بصدره، وسقط ارضا والدم ينزف من جرحه، وتهاوى بين الشجيرات النقيب حميد السراج، وقد اصابته طلقة نارية في كعب قدمه.. وسقط ضابط صف برتبة رئيس عرفاء قتيلا من المهاجمين، اما الاميرة هيام فقد تمكنت من الزحف الى ركن امين وتقدم منها ضابط وحملها بيده حيث اخفاها في غرفة حرس الباب النظامي، والدماء تسيل من فخذها. ثم كفت الاطلاقات النارية.. وكانت الجثث الميتة ملقاة ارضا. وتصايح الضباط، كل يريد ان يعطي فكرة او طريقة للتخلص من الجثث، وسرعان ما جلبت سيارات نقل على اثرها الضابطان الجريحان من المهاجمين الى المستشفى. وفجأة سمع المتجمهرون اطلاقة نارية تاتي من الخلف من بين الاشجار العالية المحيطة بالقصر.. لاتمام عملية التطهير، ولعلع من جديد رصاص الرشاشات شاقا السكون الذي ساد المكان اثر عملية القتل.. كأنما هو صرخات الموت الختامية وحشرجته في قصر الرحاب. ثم جلبت سيارة من نوع بيك اب (فان) تابعة للقصر كانت تستعمل للمشتريات اليومية، ورفعوا جثة الملك.. وانزلوها في السيارة.. ووضعت الجثة على جنبها الايمن مما جعل اليد اليسرى تتدلى خارج الباب.. ثم سحبت الجثة من يدها الى الداخل. ثم حملت جثث النساء.. فجثة عبد الاله.. وبقية القتلى.. والى هنا كانت جماهير الناس في الشارع قد دخلت حدائق القصر وانتشرت فيها.. وشاهد بعضهم الجثث، وهي تنقل الى السيارة (الفان) ، وتحركت السيارة نحو الطريق الخاص للقصر.. وهجم شاب ضخم الجثة يحمل بيده خنجرا، وانهال بطعنتين على جثة عبد الاله. وجيئ بسيارة ثانية نقلت النقيب ثابت يونس المرافق العسكري الذي بدت عليه علامات الضعف والوهن الى المستشفى العسكري.. حيث لفظ انفاسه الاخيرة هناك. اما الاميرة هيام والخادمة رازقية فقد نقلتا الى المستشفى الحكومي الملكي حيث اعطيتا العلاج اللازم وتم انقاذ حياتهما. وعندما خرجت السيارة التي كانت تقل القتلى.. وقفت عند باب ثكنة الرحاب حيث اعيد رفع جثتي الامير والملك، ووضعتا في سيارة جيب عسكرية ركب معها ضابطان. اما سيارة البيك اب فقد توجهت بسرعة الى دائرة الطب العدلي في المستشفى المدني حيث ووريت جثث النساء في حفرة مقبرة قريبة. كانت السيارة التي تقل جثتي الملك والامير.. تحاول ان تسير مسرعة وسط الزحام الشديد في الشارع، وحاول الضباط الا يعرف احد بان سيارتهم تقل جثتين، الا انه سرعان ما فطنت الحشود الهائلة التي راحت تركض وراء السيارة، وقد شهرت المسدسات والخناجر والهراوات، وكانت اعداد من الجنود قد وقفت على جوانب الطريق المكتظ، وهم يطلقون نيران بنادقهم ابتهاجا. وفي قصر الرحاب.. هجمت جموع المدنيين الى داخل القصر المحترق.. وباشرت عمليات السلب والنهب في سباق مع اللهيب والنيران الآكلة.. واستمرت عمليات النهب يومين متتاليين على مرأى ومسمع من الضباط الذين كانوا في الحراسة هناك. وتمت سرقة دار السيد عبد الجبار محمود زوج عمة فيصل بتسهيل من احد ضباط كتيبة الهاشمي من الحرس الملكي، وتم تهشيم وحرق سيارة الملازم اول ثامر خالد الحمدان التي كانت تقف امام باب القصر.. وشاهدت جموع الغوغاء جثة الطباخ التركي ملقاة في الحديقة فوضعت الحبال في رقبته.. وسحل الى الطريق العام، والقيت الجثة امام باب معسكر الوشاش حيث صبت عليها قوارير البترول من السيارات الواقفة جنب الطريق واشعلت فيها النار وتركت هناك. وكانت الجماهير خارج القصر قد هاجمت سيارة مدنية يركب بها شاب اجنبي وانهالوا عليه ضربا وهشموا وجهه ورأسه وهو يبكي ويصرخ متوسلا.. انه لا ذنب له ولا يعرف عن الموضوع شيئا. سارت السيارة التي تقل الجثتين، تتبعها الحشود التي اخذت تنشد اهازيج الحماسة الشعبية.. وحالما وصلت السيارة الى النقطة المواجهة لمبنى المحطة العالمية التف حولها اعداد اخرى من الناس والكل يريد ان يلقي نظرة على الاموات. وازاء الضغط المخيف للحشود المتلاطمة من المسلحين المحيطين بالسيارة من كل جنب.. قام احد الضباط برفع جثة الامير من قدمه.. وسلم القدم الى اقرب الموجودين اليه.. وسحبت الجثة من السيارة والقيت ارضا. سقطت الجثة على ظهرها والدماء تلطخ القميص الابيض الذي كان يرتديه عبد الاله.. وسرعان ما انهالت عليها الركلات بالاقدام .. وتناثر رشاش البصاق من افواه المحيطين بها عليه. انتهز الضابطان انشغال الغوغاء بجثة الامير .. فاطلقا العنان لسيارتهما التي تحمل جثة فيصل.. وعبروا بها شوارع بغداد دون ان يشعر بهم احد.. وتوجهوا الى وزارة الدفاع.. حيث أُمروا بالتوجه بها نحو مستشفى الرشيد العسكري. وفي المستشفى نقلت الجثة الى احدى غرف العمليات.. وسجي الجثمان على احدى طاولات العمليات..حيث قدم عدد من الضباط الاطباء وغيرهم.. ليلقوا نظرة على وجه فيصل، وفتح احد الاطباء جفني العين التي بدت جامدة لا حياة فيها.. وسأله ضابطان برتبة نقيب وصلا لتوهما من وزارة الدفاع.. عما اذا كان الملك حيا ..ام ميتا..فاجابهم انه ميت. ولم تستطع الممرضات الموجودات في الغرفة ان يغالبن دموعهن وهن يتطلعن الى وجه فيصل .. وقد خضبت الدماء محياه وشعر رأسه وتركن الغرفة الى الخارج وهن ينشجن. وفي مساء اليوم نفسه حفرت حفرة قريبة من المستشفى في معسكر الرشيد.. وانزلت فيها الجثة واهيل عليها التراب.. ووضعت بعض العلامات الفارقة معها لتدل على مكانها فيما بعد.. واستمر التراب يغطي الجثة.. حتى تساوى مع الارض ودك بالاقدام.. ولم تعد ثمة علامة في الارض تدل على مكانها ولا يعرفها الا الضباط الذين دفنوها ورفعوا بها تقريرا رسميا الى المسؤولين في وزارة الدفاع. اما جثة الامير عبد الاله.. فسرعان ما انقضت الايادي على ملابسه وخلعتها.. حتى عري الجسد الذي بدا اصفر مائلا للبياض من كثرة ما نزف من دماء. وتصايحت الجماهير.. اجلبوا الحبال.. وبسرعة جلبت الحبال من الاكواخ المجاورة واللوريات الواقفة وربطت الجثة بحبلين واحد من الرقبة.. ومرر الاخر من تحت الابطين.. وامسك بطرفي الحبل بعض الشبان وباشروا المسير.. والجثة العارية تسحل من ورائهم على الارض. وكلما تقدم موكب القتيل المسحول من قلب مدينة بغداد صادفتهم الجماهير الهائجة القادمة لتلقي نظرة او ضربة او طعنة في الميت. وما ان وصلت الجثة الى قلب منطقة الكرخ وفي اكبر شوارعها الا وكانت حشود بغداد الرصافة تحاول ان تعبر جسر المأمون الذي غص بمن فيه، وكذلك الشارع واصبح من المتعذر المرور والسير فيه. وجلبت الحبال الغليظة.. وربطت بشرفة فندق الكرخ.. وبعد دقائق كانت جثة الامير ترتفع معلقة في الهواء. فصعد اليها حملة السكاكين والسواطير فبتر الذكر وفصلت الرجلان من الركبتين، وقطع الكفان من الرسغين، والقيت الى مجموعات من الفتيان والشبان الذين سرعان ما تلاقفوها.. وانطلقوا مهرولين بالاجزاء المبتورة عبر الشوارع والازقة متجهين نحو الرصافة.. في صخب ولعب وضحك .. كأنهم في ساحة كرة القدم، وتقدم شاب في مقتبل العمر من الجثة المعلقة.. عرف فيما بعد انه ابن احد القواد العسكريين الذين اعدموا بعد حوادث 1941 وناولته الجماهير مسدسا ليطلق منه النار على الميت .. الا انه امتنع عن القيام بعمل كهذا. وبقيت الجثة معلقة في مكانها زهاء العشرين دقيقة..وتعالت الصرخات : انزلوها ولنكمل سحلها في الشوارع . وانزلت الجثة.. وبوشر بالسحل ثانية، وعبروا بها جسر المأمون متجهين نحو شارع الرشيد الذي كان يغص بالناس وبالمتفرجين من الشرفات والنوافذ. وفي شارع الرشيد اصبحت الجثة هدفا للحجارة.. وبدت طلائع الموكب الوحشي المرعب وهي تسير على لحن نشيد الله أكبر.. الذي كان يملأ الاسماع من الراديوات المنتشرة في مقاهي واماكن الشارع. كان الوجه قد تهشم تماما، وقد مر احد الحبال من بين الاسنان وشق الفم والوجنة اليمنى، وانكسر الفك وتدلى على جانب الوجه، وارتفعت الوجنة الى أعلى فبانت الاسنان البيضاء في الوجه المشقوق، وبدت العينان مفتوحتين ، وهما تنظران نظرة الميت الجامدة.. ولم يبق من ملامح عبد الاله الا الجبين الواسع وبعض الشعر الاسود الذي تعفر بتراب الشارع. وبالقرب من وزارة الدفاع.. كانت جمهرة الساحلين اربعة فتيان .. لا يتجاوز عمر الواحد منهم الخمسة عشر عاما، يبدو عليهم كأنهم تلاميذ مدرسة متوسطة، يتبعهم صبية صغار.. حفاة الاقدام.. قذرو الملابس.. كلما تعب واحد من السحل سلم الحبل لبديل من هؤلاء الاطفال والفتيان. وعلى مسافة اربعة امتار من الجثة المسحولة.. كان يسير موكب غوغاء بغداد..واغلقت النساء الشبابيك، وهن يبعدن اطفالهن عن التطلع الى هذا المنظر الذي تجمد له الاطراف لهول بشاعته. واخيرا وصل الموكب امام البوابة الخارجية لمبنى وزارة الدفاع، حيث وقف حشد كبير من الضباط والمراتب من مختلف وحدات بغداد لتقديم التهنئة والتأييد للثورة وللعقيد عبد اللطيف الدراجي الذي احتل وزارة الدفاع. ولم يتحرك اي من الضباط او الجنود من اماكنهم للتطلع على ذلك المنظر المقزز للميت المقطع الاوصال، بل لبثوا في اماكنهم، وقد ارتفعت ابصارهم وهم يحاولون النظر من بعيد. وصلت الجثة الممزقة امام وزارة الدفاع حيث يوجد قبالتها مقهى كبير، والى جانب المقهى يقوم بناء قديم من طابقين.. وصعد احدهم متسلقا العمود الكهربائي المجاور للبناء، وعلق حبلا في شرفة الطابق الاول حيث وقفت في تلك الشرفة بعض النسوة والاطفال يتفرجن على الشارع، وادليت الحبال وربطت بها حبال الجثة .. وتصايح الواقفون.. ارفعوها..وبعد لحظات كانت الجثة ترتفع ثانية معلقة في الهواء وقد اندلقت امعاؤها، وتسلق عمود النور شاب يحمل سكينا بيده، وطعن الجثة بالظهر عدة طعنات.. ثم اعمل سكينه في الدبر وراح يقطع اللحم صاعدا الى فوق باتجاه الرأس، ومن الشارع جلبت عصا طويلة بيضاء، ادخلت في الجثة ودفعت بها دفعا، والضباط والمراتب ينظرون اليها دون ان يتحركوا من اماكنهم، رغم ان علامات امتعاض من هذه المناظر الوحشية كانت ترتسم على وجوههم جميعا. وكانت خاتمة المطاف لجثة الامير عبد الاله ان تناوب عليها الغوغاء.. وطافت اجزاؤها معظم شوارع بغداد.. اما ما تبقى منها الى مساء ذلك اليوم.. فقد صبت عليها صفائح البترول، ثم حملت البقايا المحترقة .. والقيت في نهر دجلة .. كما ابتلع نهر دجلة الاطراف التي كانت مبعثرة هنا وهناك في مساء وليل ذلك اليوم ايضا. وفي صباح اليوم التالي.. كان قصر الرحاب ما يزال ينبعث من شرفاته ونوافذه دخان الحريق، وكانت عمليات نهب ما يحتوي تجري على قدم وساق.. تخرج منه اعداد كبيرة من الجنود والاهالي، وهم يحملون ما استطاعوا جمعه من متاع واثاث ) .

لقد نقلت ما صوره السيد فالح حنظل بدقة بصورة تفصيلية ليرى القاريء أي بشاعة .. وأي روح حيوانية ووحشية لا تمت لأي معنى من معني الروح الإنسانية بصلة عومل بها أناس كل جريرتهم هو أنهم كانوا من العائلة المالكة التي ذهب من أجل اختيارها وفد عراقي إلى مكة المكرمة .. فقال لهم الشريف حسين باستشراف دقيق : أخشى أن تعاملوا فيصل مثلما عاملتم الحسين !!!! . هل من حقنا أن نقيّم طبيعة ما جرى صبيحة يوم 14 تموز وفق مبادىء حقوق الإنسان ؟ وإذا اتفقنا على ذلك ، هل من حقنا أن نصدر حكما بأن ما جرى هو جريمة بحق الإنسانية بكل ما تحمل الجريمة من معنى ؟؟ وإذا كان هذا الحكم صحيحا ، فهل يمكن القول أن ما جرى لم يكن انقلابا لا صلة له بالثورة حسب ، بل جريمة كبرى رسمت المسارات السود لكل مستقبل العراق اللاحق سياسيا واجتماعيا ونفسيا ؟

# وهذه حادثة سحل شنيعة رواها الراحل علي الوردي وسجلها بقلمه في حديث محفوظ لدى الأستاذ “سلام الشماع” :

(( في اليوم الذي أعلنت فيه ثورة 14 تموز 1958 حدثت أحداث غوغائية فظيعة كانت بداية أحداث أفظع منها جرت في مختلف أنحاء العراق. وشاء القدر أن يكون على رأس الثورة أشخاص لا يملكون القدر الكافي من الحكمة وبعد النظر، فغضوا النظر عن تلك الأحداث، أو هم شجعوها فأساءوا بذلك إلى الثورة وإلى أنفسهم. وفي الوقت الذي كان على رأس الثورة أشخاص من هذا الطراز كان في قيادة الحزب الشيوعي أشخاص لا يقلون عنهم من حيث قصر النظر وقلة الحنكة وبذا سارت الموجة الغوغائية في العراق سيرتها المعروفة. في حزيران 1959 حدثت في بلدة الكاظمية حادثة غوغائية أتيح لي أن ادرسها عن كثب، وخرجت منها بنتائج تلفت النظر من حيث طبيعتها العامة، ومن حيث تأييد الحزب الشيوعي لها. خلاصة الحادثة أن زمرة من الغوغاء كانوا يطاردون رجلاً اتهموه بالرجعية فلجأ الرجل إلى صاحب دكان ليحميه منهم، وكان صاحب الدكان واسمه عبد الأمير الطويل من الأقوياء الذين يعتزون بقوتهم وعنفوانهم، فتحدى المهاجمين وحصلت مشادة عنيفة بينه وبينهم وكانوا هم يحملون الحبال فألقوها عليه، ولعلهم كانوا يريدون أن يجعلوا منه درساً لغيره، وصاروا يسحبونه بها ولم يستطع هو أن يتخلص من حبالهم بالرغم من قوته وعنفوانه وظلوا هم يسحبونه في الشارع، وهم يهتفون: “ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودة!”. حدثني من شاهد الحادثة عياناً فقال إنه رأى عبد الأمير وهو يرفع رأسه من على الأرض في أثناء سحبه ويستغيث بالناس قائلاً: “لخاطر الله! لخاطر موسى بن جعفر”، فلم يأبه أحد منهم بالله أو بموسى بن جعفر، ومات عبد الأمير في أثناء سحبه دون أن يرحمه أحد!.

استمر الغوغاء يسحبون جثة عبد الأمير حتى وصلوا به إلى جسر الأئمة، فعبروه، ولكنهم فوجئوا بمقاومة لهم من فوق السطوح التي تشرف على الجسر من جهة الاعظمية حيث أطلق منها عليهم الرصاص، وسقط منهم بعض الجرحى وبذا تحول الغوغاء فجأة من شجعان يتحمسون إلى جبناء يفرون وألقى بعضهم بأنفسهم إلى النهر طلباً للسلامة، وليس هذا بالأمر الغريب منهم إذ هو ديدن الغوغاء في كل زمان ومكان!. إني أنتظر صباح اليوم التالي لكي أقرأ ما تكتبه جريدة (اتحاد الشعب) التي كانت تنطق بلسان الحزب الشيوعي حينذاك وقد تعجبت حين وجدتها تصف الحادثة بأنها مظاهرة شعبية وتشجب عمل الذين قاموا بإطلاق الرصاص عليها. وإني ما زلت أحتفظ بنسخة الجريدة وقد لفت نظري فيها أنها حين ذكرت “المظاهرة الشعبية” نسيت أن تذكر أنها كانت تسحب وراءها جثة رجل ميت، فهي ركزت نظرها على الاعتداء الذي وقع على المظاهرة بينما هي غضت النظر عن الاعتداء الذي وقع منها. وبعد أيام من تلك الحادثة أتيح لي أن أتحدث مع أحد قادة الحزب الشيوعي، فوجدته يؤيد ما حدث فيها وكان يعتبر الشاب الذي جرى له “السحل” مستحقاً له، وأن الجماهير التي قامت بسحله إنما فعلت ذلك بدافع الوطنية. وهنا يجب أن أعترف أن الماركسيين في العراق لم يكونوا كلهم من طراز هذا الذي تحدثت معه فقد كان فيهم الكثيرون من المستائين المتذمرين، ولكن هؤلاء المستائين لم يستطيعوا أن يجهروا برأيهم علناً، وتركوا الموجة الغوغائية تأخذ مجراها حتى انتهت أخيراً بمذبحة الموصل وكركوك) (حديث مكتوب للوردي مع الباحث سلام الشماع)

# وهذه حادثة مروّعة أخرى ينقلها إلينا الأستاذ “باقر ياسين” في كتابه المهم (تاريخ العنف الدموي في العراق ) :

( ففي تاريخ 9/3/1959 خرج المحامي أمجد المفتي والأستاذ عمر الشعار من أهالي الموصل ، بسيارة متوجهين إلى قرية ( تلكيف ) القريبة من الموصل لشراء بعض الحاجيات لأن الحوانيت في الموصل كانت مغلقة بسبب الاضطرابات . وحال وصولهما إلى قصبة تلكيف تصدّى لهما أحد الشيوعيين قرب مركز الشرطة وصاح عليهما : هذا بعثي .. فهربا بسيارتهما واتجها نحو مركز الشرطة وطلبا الحماية بعد تسليم نفسيهما إلى مأمور المركز ، وانتشر الخبر في تلكيف ، فحضر عدد كبير من الشيوعيين المسلحين إلى المركز وأحرقوا سيارة المحامي أمجد وطلبوا تسليم اللاجئين فامتنع المسؤولون في المركز عن تسليمهما ، وسفروهما بسيارة مع أربعة من أفراد الشرطة ، تصدى لها الشيوعيون وأنزلوا المجني عليهما منها بالقوة وأطلقوا علي

Facebook
Twitter