هذا هو الاسلام ، هذا هو الخالصي-القسم الثاني

حاوره: عبدالرضا الحميد

مقدمةيحدث ان يجرى حوار مع ثائر بين احراش الوطن او على اكتافه فلايجد المحاور ـ بخفض الواو ـ شديد مشقة في اقتناص اسئله من لغة الاحراش واناشيد الثائر.ويحدث ان يجرى حوار مع زعيم وطني او ديني, فلايجد المحاور ـ بخفض الواو ايضا ـ كثير عناء في التقاط اسئلة من افواه الناس او عابري سبيل او جهد ذاتي محض.ويحدث ان يسعى كاتب او صحفي الى حوار مع عالم انتبذ له ركنا قصيا في اقصي من الارض منجمد او في اقصى من الارض على فوهة بركان ناشط, فلايجد الساعي رهقا في قطف اسئلته من فضاء ذهني, قصير زمنه, خفيف ظله, نزير قلقه.لكم ما لايحدث ان يجرى حوار مع وطن اجل: وطن.هذا الجدل الذاتي استغرقني اسابيع طويلة وانا اروض عقلي لتقحم محاورة من نوع غير مطروق ايامنا هذه, مع وطن يمشي على قدمين اسمه جواد الخالصي .قد يفتئت ضال فينعت قــولي هذا بــمديح, وحاشــا للخالصي ان يكون من طالبــي المديح وحاشــا لي ان اكون من المداحين, فحين ضج الوطن باكيا بنيه الذين خنعوا للغزاة وطأطأوا هاماتهم:اضاعوني واي فتى اضاعواليوم كريهة وسداد ثغركان الجواد الخالصي وحــده مع صحابـــة الوطن وصديقــيه واهل بـــيته يذودون عن دياره وذماره, مهطال النار وطائشها, مديما بـــذلك نســغ النشــيد العراقي العظيم الهادر الذي اطلقه الامام الخالصي الكبير بوجه الغزو البــريطاني حتــى ضجت من هول مقاومته لندن وحلفاؤها.ومابين وثبة الجد الاكبر ووثبة الحفيد الكبير ليست سلالة جهادية موقفية وطنية اسلامية عروبية فقط بل سلالة من الانتماء الفريد ونادر المثال للاصل الجوهر. ففي الاصل الجوهر ان الإســلام الواحــد وطن, والخاصيون وحدهم يمموا وجوههم شطر الإسلام المحمدي القرآني الموحــد في زمن تنابــز فيه الناس بــالطائفية والتمذهب, فلبــث الخالصيون في غار الإسلام وانصرف بعض سواهم الى اوثان الجاهلية الجديدة.وفي الاصل الجوهر ان الإسلام وطن العرب الروحي والفكري والانساني الانبعاثي, وان العرب وطن مهد الإسلام وبؤرة نوره,والخالصيون وحــدهم وعوا مذ بدء مثاباتهم الاول هذه الحقيقة في وقت انزاح بــعض سواهم الى تفكيك هذه الاصرة, علها, مع التقادم, تغرب الإسلام وتعيد العرب الى الجاهلية الاولى.وفي الاصل الجوهر ان العراق الوطن جمجمة العرب وان بغداد في البلاد كالأستاذ في العبــاد, وان حــب الوطن من الإيمان, وان بعض هذا الحــب جهاد دون ذله وذل اهله وان الجهاد من اصول الدين ومن أصول حــب الوطن الذي ماغزي أهله في عقـــره الا ذلوا, والخالصيون تنكبوا الوطن قياما وقعودا مع اهل بيت الوطن وصحابته وصديقــيه وتنادوا ان (حي على العراق), فما غشــيتهم غاشــية, ولا دانت لهم عالية, وما ارتد لهم طرف, ولا وجــب لهــم فــؤاد, ولــم يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه ونزرة الخيل وشحة الزاد, وكأني بــهم يوم حشــر العراق تقوم قيامتهم وحدهم بين يديه تماما كالماشــي في الأرض بزهد ابن العذراء مريم.ترى: من أي مآذن المعاني الإســـلامية الســـامية الاصيلة, ومن أي ذاريات المواطنة الصادقـة العفيفة الزاهدة, ومن أي مثابات التاريخ والحاضر الشريفة, يكون حواري مع الاســتاذ المرجع الديني الإمام المجاهد الكبير سماحـة الشـــيخ جــواد الخالصي؟

سؤال تركت الإجابة عليه الى متن الحوار الذي أسبح للحي القيوم حمدا وشكرا على الفوز بــه في زمن ندر فيه صوت عظيم مثل صوت الإمام الخالصي.

الطلقاء وابناء الطلقاء نازعوا الحق في اهله وتمكنوا من تنفيذ عملية انقلاب مفجعة انهت عصر الخلافه الراشدة

 

الملك العضوض يرفض محاسبة الناس والخليفة العادل يعيش مع الناس ومن اجل صلاحهم

 

العلاقة بين الخلفاء الراشدين الاربعة وباقي الصحابة بعد عصر النبوة كانت متميزة بسمة الالتقاء من اجل نصرة الدين في خطها العام

 

المتسللون الى الاسلام من رموز الجاهلية القرشية كانوا وراء مشاهد الفتنة الكبرى الحزينة

 

صرامة عمر(رض) وانسجامه مع علي(عليه السلام)  عجلا في تنفيذ مؤامرة اغتيال الخليفة الثاني بتحريض من رموز قرشية اسلمت بعد الفتح

 في الأسئلة التالية التي وجهناها إلى المرجع الديني الإمام المجاهد سماحة الشيخ جواد الخالصي تفضل بالإجابة عليها من موقع المرجعية الدينية, التي تتحمل المسؤولية الوطنية في العراق, والمسؤولية الأممية لأهل القبلة كافة باعتبارهم امة واحدة هي امة الإسلام والقران, والمسؤولية الإنسانية, وهذا يشمل حتماً كل القوميات والشعوب والأمم التي تدخل في هذا الاهتمام الإنساني والاممي الشامل, ومنها الأمم والشعوب العربية والكردية والتركية والفارسية وباقي أمم الأرض, ضمن دعوة إيمانية ربانية إلى الإنسان أكرم المخلوقات, لكي يأخذ دوره في الاستخلاف الرباني ليعمر الأرض بالصلاح والإصلاح, كبديل عن المناهج المادية المنحرفة التي تريد أن تستولي على الأرض والإنسان والثروات وفق مناهج الاستكبار والاستعلاء التي سببت هذا الفساد الأخلاقي وما افرزه من تلوث في ضمير الإنسان وبيئة الإنسان.الخلافة الراشدة والملك العضوضالمحاور: قسم التاريخ الإسلامي إلى عصور بعد الخلافة الراشدة وهناك عدة نظريات منها مايؤكد صلة هذه العصور بجوهر الاسلام ومنها مايدحض هذا التأكيد ويأتي بضده. فمن منها كان اسلاميا محضا ومن منها لم يكن اسلاميا بالمرة؟الخالصي: لعل المقصود هو الحكم الأموي ثم العباسي ثم المغول والمماليك والصفويين والعثمانيين, وهذه حكومات ينطبق عليها اسم الملك العضوض, مع وجود بعض الخلفاء والسلاطين الصالحين وكما هو معروف فان الملك العضوض هو نقيض الخلافة الراشدة, وهذا التمييز يفيد الذم له(الملك) مقابل المديح لها (الخلافة) وهذه العصور كلها تمردت على مرتكزات الفقه السياسي لانشاء دولة العدل, فالخلافة الشرعيه لاتكون متوارثة, وهذه حكومات وراثية, والخلافة لاتبطش بالامة من اجل البيعة وهذه تخير الناس بين السيف والبيعه القسرية, والخلافة تحاسب نفسها حول بيت المال وتقبل محاسبة الناس لها, والملك العضوض يرفض المحاسبة والخليفه العادل يعيش مع الناس ومن اجل صلاحهم, وصاحب الملك يعيش فوق الناس ويسخرهم لمصلحته, فهي اذن انظمة لاتمثل جوهر الاسلام بل شكلت بادرات انحراف خطيرة انتهت الى تشتت الامة وضعفها وانهيار وجودها فكان تحول الخلافة الى الملك بداية الضعف والشتات الاسلامي المعاصر فقد ورد في نهج البلاغة عن علي (عليه السلام) انه قال:ولكن من واجب حقوق الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم, والتعاون على إقامة الحق بينهم, وليس امرؤ, وإن عظمت في الحق منزلته, ولا امرؤ, وإن صغَّرته النفوس, واقتحمته العيون, بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه. فَإنَّهُ مَنِ اسْتَثقلَ الحقَّ أنْ يُقالَ لَهُ, أوِ الْعَدْلَ أنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ, كَانَ اَلْعَمَلُ بِهِمَا أثقلَ عَلَيْهِ, فَلاَ تَكُفَّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقِ, أو مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ, فَإنَّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفوْق أنْ أخْطِئَ, وَلاَ آمَن ذَلِكَ مِنْ فِعْلِي, إلاَّ أنْ يَكْفِيَ اللهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أمْلَكُ بِهِ مِنَّي, فَإنَّمَا أنَا وَأنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبًّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ, يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أنْفَسِنَا, وأخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إلَى مَا صلحَنَا عَلَيْهِ, فَأبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى, وَأعْطَانَا الْبَصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى. نهج البلاغة ج2/ص449. والكن هنالك نقطه جوهرية لم تتخل عنها كل هذه الانظمة الملكية الاستبداديه عن علاقتها بالاسلام, فهي ظلت مصرةً على ان مرجعيتها الوحيدة هي احكام  الاسلام, ولم تخرج عن هذا الوصل الجوهري ـ ولو كان للاعلان فقط وجرى اختراقه في الممارسات بشكل كبير ـ الا بعد اسقاط الخلافة العثمانيه سنة 1925م ومجئ اتاتورك وجماعته الى الحكم في تركيا, وبعد سقوط الدوله القاجاريه في نفس الفتره ومجئ رضا خان الى الحكم في ايران, وانشاء حكومات قطرية في الدول العربية والاسلامية, حيث اسقط هذا الوصل الجوهري وتم الاعلان عن الغاء مرجعية الشريعة بشكل صريح او مبطن والعودة الى مرجعية الدساتير الحديثة في فرنسا وبريطانيا وغيرها من الدول. اي الخروج عن نطاق الالتزام بدولة الإسلام وأحكامه وبشكل معلن وصريح.العلاقة بين الخلفاء الراشدينالمحاور: كيف تقرأون العلاقة بين الخلفاء الراشدين الاربعة؟ وهل ثمة اختلافات حقيقية؟ وعلى ماذا؟ والى متى استمرت؟ وما الشواهد التاريخية؟الخالصي: العلاقة بين الخلفاء الراشدين الاربعة وباقي الصحابة ومن تبعهم بعد عصر النبوة كانت متميزة بسمة الالتقاء من اجل نصرة الدين في خطها العام, واذا جرى بعض الخلاف فكان سبب اجتهادات صوبها بعض وخطأها غيره, ولكنها كانت تهدف الى نصرة الدين واستمرار الرسالة ولم تكن هنالك اختلافات حاكمة على المسيرة العامة, وانما جرت بعض الاختلافات في فترات حرجة محددة تجاوزها آل بيت رسول الله حرصاً وحفاظاً على اصل الدين, وكانت سيرة سيد آل البيت بعد النبي علي عليه السلام جلية وواضحة في هذا المضمار. ومن مراحل هذه الاختلافات ما جرى في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم, فان قوماً من اصحاب رسول الله من الانصار, كانوا يخشون ان تضيع جهودهم الطويلة والبطوليه لنصرة الإسلام امام موجة الداخلين الى هذا الدين خصوصاً ممن خاصموهم من قادة قريش ورموز الجاهلية التي حاربت الاسلام, فجرى عندهم تساؤل وتحرك اين سنكون نحن بعد رحيل الرسول القائد؟ وهل هنالك خشية على مستقبلنا من شخصيات حاربناها وقتلنا ابناءها في سبيل الله, وقد دخلت اليوم في الاسلام ولعلها تعيد الكرة فتنتقم منا وهي تلبس لبوس الاسلام وهذا التساؤل وان لم يتحرك على الشفاه كما تحرك التساؤل الكبير بعد فتح مكة عن توزيع الغنائم, حيث جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المشهد المروع والحزين وقال لهم (معاشر الانصار ما مقالة بلغتني عنكم وجِدَة وجدتموها عليَّ في انفسكم …) وكيف انتهت الخطبة ببكاء الانصار الشديد حتى اخضلت لحاهم ودعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم بالعز والنصر والثبات, خصوصاً عندما قال لهم (الاتحبون ان يذهب الناس بالشاة والبعير وتعودوا برسول الله الى رحالكم) ..فالتساؤل بعد رسول الله لم يظهر على الالسنة وانما ظهر قلقاً على المستقبل فارادوا ان يثبتوا لهم دوراً يقيهم من قادم الاحداث ـ والذي حدث بعضها فعلاً بعد فترة وجيزة في واقعة الحرة في المدينة المنورة ـ فطالبوا وهم الذين نبوؤا الدار والإيمان وكانوا أهل النصرة حقاً ان يكون لهم شأن في الحكم بعد رسول الله كحق ناتج من دورهم المعروف والمعترف به من الجميع وكضمانة لكي لاتجرى رياح الاحداث فتحاصرهم وتنتقم منهم, وهذا ماكان من موقف سيد الخزرج سعد بن عبادة, الذي شهد له بالايمان مع حدة كانت في طبعه, وهو صاحب المقوله المشهورة في فتح مكة:اليوم يوم الملحمه          اليوم تسبى الحرمةفسمع رسول الله كلامه فامر باقالته وترك ابنه قيس ليقوم بالامر مكانه مع شعار بديل رفعه رسول الرحمة والإنسانيةاليوم يوم المرحمة         اليوم صون الحرمةوعوداً الى حدث السقيفة وفي هذه الاثناء ـ سمع المهاجرون وعلى رأسهم ابو بكر وعمر وابو عبيدة بامر الاجتماع في السقيفة فسارعوا للتدخل من اجل ضبط الاحداث حسب تصورهم الآني واحتجوا على الانصار بانهم شجرة الرسول وهم اولى بالامر من الانصار دون انكار دور الانصار التاريخي, وجرى الحوار الذي انتهى باقرار اغلب الانصار الحاضرين بحجة المهاجرين. وتمت البيعة في السقيفه لابي بكر, مع رفض واصرار سعد بن عبادة الشديد, كل هذا وعلي وآل البيت وكثير من الصحابة خصوصاً المهاجرين كانوا غير عالمين بالخبر ولم يحضروه حيث كان علي والعباس والفضل مشغولين بغسل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وتجهيزه ولما سمعوا بالاحداث ابدوا موقفاً معترضاً بنفس الحجج التي اوردها المهاجرون وقبلها الانصار, انها القرابة والسابقة والثمرة التي هي اهم من الشجرة, ولكن لم يحصل التوافق وهذا ما ادى الى احدى الازمات التاريخية في العلاقة بين بعض الصحابة السابقين وبين علي وآل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولكن الامام وبنظرته الدائمة نحو الاسلام ومصلحة الامة وقدسية الرسالة ـ استوعب الموضوع واحتواه فلم يكن يرضى لنفسه التي قدمها في سبيل الله في كل المواقف والمشاهد منذ نشاته مع الرسول ومبيته الاستشهادي الفريد على فراشه ليلة الهجرة, ان يكون عائقاً امام حركة الاسلام, او منفذاً يستغله الاعداء من اجل اضعاف الاسلام والمسيرة فاستوعب الحالة وغير المعادلة الى رضا وبيعة كان فيها الناصح الامين والمستشار الذي لايخيب اصحابه, حيث وقف مع الخلفاء الثلاثة في كل مراحل حركة الاسلام بعد الرسول حتى قال فيه الخليفة الثاني (لاابقاني الله لمعضلة ليس لها ابو حسن) ـ كما نقل عنه القول المشهور لولا علي لهلك عمر ـ كما ان الامام كان صاحب الرأي المميز عندما طلب من الخليفة الايخرج بنفسه لقتال الفرس تارة ولقتال الروم اخراى, لان بقاءه في المدينة وبعثه الجيوش اكثر قوة وعزة للمسلمين, ورد في نهج البلاغة ج 2/ص282 ما نصه وهو يخاطب الخليفة : إنَّ الأعَاجِمَ إنْ يَنْظُرُوا إليْكَ غَدًا يَقُولُوا : ((هَذَا أصْلُ الْعَرَبِ فَإذَا قطعْتُموهُ اسْتَرَحْتُمْ )), فَيَكُونُ ذَلِكَ أشَدَّ لِكَلَبِهِمْ عَلَيْكَ, وَطَمَعِهِمْ فِيكَ, فَأمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَسِيرِ الْقَومِ إلَى قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ, فَإنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ هُوَ أكْرَهُ لِمَسِيرِهِمْ مِنْكَ, وَهُوَ أقَدَرُ عَلَى تَغْييرِ مَا يَكْرَهُ, وَأمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ عَدَدِهِمْ, فَإنَّا لَمْ نَكُنْ نُقَاتِلُ فِيمَا مَضَى بالْكَثرَةِ, وَإنَّمَا كُنَّا نُقَاتِلُ بِالنَّصْر وَالْمَعُونَةِ. وورد في النهج ص294 نفس الرأى حول قتال الروم : إنَّكَ متى تَسِرْ إلَى هَذَا الْعَدوِّ بِنَفْسِكَ, فَتَلْقَهُمْ بِشَخصِكَ, فَتُنْكَبْ, لاَتَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ كَانِفَةَ دُونَ أقَصَى بلاَدِهِمْ, لَيْسَ بَعْدَكَ مَرْجِعٌ يَرْجِعُونَ اليه، فأبعث إلَيْهِمْ رَجُلاً مِحْرَبًا, وَاحْفِزْ مَعَهُ أهْلَ الْبَلاَءِ وَالنَّصِيحَةِ, فَإنْ أظْهَرَ اللهُ فَذَاكَ مَا تُحِبَّ, وإنْ تَكُنِ الأخْرَى كُنْتَ رِدْءًا لِلنَّاسِ, وَمَثابَةَ لِلْمُسْلِمِينَ .  وكان علي هو الذي رثا عمر بعد موته بالمقاطع المعروفة في كتاب نهج البلاغة للهِ بَلاَءُ فُلاَنٍ! فَقَدْ قوَّمَ الأوَدَ, وَدَاوَى الْعَمَدَ, خَلَّفَ الْفِتْنَةَ, وَأقامَ السَّنَّة, ذَهَبَ نَقِيَّ الثَوبِ, قلِيلَ الْعَيبِ, أصَابَ خَيْرَهَا, وَسَبَقَ شَرَّهَا, أدَّى إلَى اللهِ طَاعَتَهُ وَاتَّقَاهُ بِحَقّهِ, رَحَلَ وَتَرَكَهُمْ فِي طَرِقِ مُتَشَعَّبةٍ لاَ يَهْتَدي فِيهَا الضَّالَّ ولاَ يَسْتَيقِنُ الْمُهتَدِي. كل احداث الاختلاف بعد وفاة الرسول يجب ان تنظر من خلال الهزة الكبيرة التي اصابت المسلمين بفقدانهم الحبيب الهادي الذي ياتيهم بوحي السماء حتى ان عمر رفض ان يصدق مقولة موت النبي وقال(انه ذهب لمناجاة ربه كما ذهب موسى بن عمران وليعِودَن وليضربَن اعناق قوَم زعموا انه قدَ مات), ولكنه فوجئ بابي بكر وهو يسكته ويقول له وللمسلمين (من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لايموت) وبعد ان قرا الاية:  {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144 فلما سمع عمر بالآية ومقولة ابي بكر تهاوى الى الارض ولم  تحمله رجلاه, وقال كاني لم اسمع بها الا هذه الساعة. هذه الصدمة العنيفة كانت السبب الى تسرع الانصار خوفاً من مستقبل الايام او حرصاً على مستقبل الاسلام من الفراغ الكبير, ومن تحشد اهل الردة الذين تكاثروا في الجزيرة حتى احاطوا بمدينة الرسول في تلك الظروف الحرجة وهو السبب نفسه الذي دعا الانصار الى الاسراع الى سقيفة بني ساعدة لمواجهة نفس الحالات والاحتمالات, مع القلق الكبير على مستقبل الاسلام والرسالة, وعلى الدور الذي ينبغي ان يحصل عليه كل طرف من الاطراف والذي توضح في قول سعد بن عبادة للمهاجرين مقترحاً ان يكون الامر دوريا او مشتركاً على شاكلة(منا امير, ومنكم امير) , ولكن لو لم يكن هذا التسرع لكان بالامكان سد الفراغ على احسن الوجوه, وهو الوجه الذي كان يُشير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم )  اليه فكان ينبغي الانتظار حتى الفراغ من دفن الحبيب العظيم وبعدها يجلسون مع بعضهم بهدوء الواثق بنصر الله ليختاروا من يستطيع ان يواصل المسيرة بادق تفاصيلها المرتبطه بكتاب الله وسنة رسوله, ولو جرى ذلك لما حصل الاشكال الاول ولتم الاجماع على دور علي عليه السلام, التزاماً بما ثبت نقله عن الرسول العظيم, وتقيداً بالقرابة التي اكدتها احداث المسيرة منذ بدء الدعوة. وليس مجرد القرابة النسبية, هذه واحدة من الاشكالات التي استوعبها سيد آل البيت وبروح المسؤولية وتجاوزها سريعاً مع اصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم ), لتعود المسيرة منسجمة طوال وقتها, مؤكدة العمل لنصرة الرسالة وتوسيع دائرة الدعوة. وبقي هذا الانسجام الى درجة ان تصرفات الخلفاء صارت قريبة ومجسدة لما كان يريده علي وآل البيت, وكان الخلفاء اذا مارسوا اية مفاضلة في الامة قدموا آل البيت بكل وضوح,  سواء كانت المفاضلة معنويه كقول ابي بكر, ان الله ليعلم ان فاطمة احب الي من ابنتي, وان الحسن والحسين احب الي من اولادي او كانت المفاضلة مادية حين عمد عمر الى التقسيم في طبقات العطاء وقال لا اساوي بين من قاتل مع رسول الله ومن قاتل رسول الله. فكانت الطبقة الاولى تضم الحسن والحسين واباهما علي, وهو امر لم يرضه الامام علي وانما دعا الى المساواة في العطاء بين الجميع وترك المفاضلة الى يوم القيامة وقد نفذ هذا الاعتراض في اوائل خلافته كما هو معروف, واستمر هذا التفاعل حتى الفترة المتاخرة من خلافة عثمان وهنا حصل اشكال كبير آخر بين شرائح واسعة من الامة وبين الخليفة او الولاة الذين نصبهم والحواشي الذي احاطوهم في الاصح. وكان عليّ (عليه السلام) يؤيد حق المعترضين ويدعو الى عدم الذهاب الى المواجهة العنيفة وتمكن من اصلاح الاوضاع في البدايات, ولكن المتسللين من رموز الجاهلية القرشية والذين عادوا الى المدينة المنورة بعد ان ظلوا مطرودين خلال عهد الشيخين التزاماً بامر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم ), تركوا الآثار السلبية على هذه العلاقات, فعادت  التوترات من جديد في مشاهد الفتنه الكبرى الحزينة والتي انتهت الى مقتل الخليفة, واتخاذ ذلك حجة لحرب علي الذي كان المدافع الحقيقي والوحيد عنه وعن مركزه, والخلاصه ان انسجام الخلفاء مع بعضهم في عموم فترة الخلافة وصل الى درجة جعلت بعض الرموز القرشية التي اسلمت بعد الفتح تشعر بالقلق من ضياع فرصة عودتها الى الواجهة السياسية. بسبب صرامة عمر (رض) معهم وانسجامه مع علي(عليه السلام) في سيرته, مما دفعهم ـ كما يرى بعض المؤرخين كاحمد عباس صالح في كتابه اليمين واليسار في الاسلام ـ الى التعجيل بتدبير مؤامرة اغتيال الخليفة, على يد مجوسي كان قد اسلم حديثاً قطعاً لاحتمال ان يؤدي هذا الانسجام الى ابقاء الطبقات القرشية المتنفذة مبعدة وضعيفة, وبهذا الاغتيال السريع والملتبس عادت الاجواء متاحة لتسرب العناصر التي اعتادت حياة التسلط والهيمنة لتحاول محاولتها الجديدة والتي نجحت في فترات مناهزة من عهد الخليفة الثالث والتي انتهت الى حصول الازمة ووقوع الفتنة, وكانت هذه الفتنة هي المتنفذ الذى اتاح للطلقاء وابناء الطلقاء ان ينازعوا الحق اهله وان يتمكنوا في عمليه انقلاب مفجعة ان ينهوا عصر الخلافه الراشدة والامامة الهادية المهدية, وان يبدا عصر الملك العضوض الذي كان سبب بداية طريق الضعف والتردي لهذه الامة. وقد ورد هذا التأكيد على تميز العلاقة بين المهاجرين والأنصار وابعاد الطلقاء وابناء الطلقاء في قوله عليه السلام لبعضهم (وَزَعَمْتَ أنَّ أفضَلَ النَّاسِ فِي الإسْلاَمِ فَلاَنٌ وَفَلاَنٌ, فَذَكَرْتَ أمْرًا إنْ تَمَّ اعْتَزَلَكَ كُلَّهُ وَإنْ نَقَصَ لَمْ يَلْحَقْكَ ثَلْمُهُ, وَمَا أنْتَ والْفَاضِلَ وَالْمَفْضُولَ, والسَّائِسَ وَالمَسُوسَ؟ وَمَا لِلطَّلقَاءِ وَأبْنَاءِ الطَلَقاءِ, وَالتَّمْييز بَيْنَ المُهَاجِرينَ الأوَّلِينَ, وَتَرْتِيبِ دَرَجَاتِهِمْ وَتَعْريفِ طبَقاتِهِمْ؟! هَيْهَاتَ لَقدْ حَنَّ قِدْحٌ لَيْسَ مِنْهَا, وَطفِقَ يَحْكُمُ فِيهَا مَنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ لَهَا) 

Facebook
Twitter