في مسألة الحجابعلي السوداني

ولقد رأيتُ في ما رأيت أنا مشّاء المدينة وحكواتيّها، أنّ كثرة كاثرةً من النساء يمشينَ في الشوارع ويجلسن في المقاهي ويأكلن في المطاعم، وقد شدّتْ واحدتهنّ شعرها وسترتْه بقطعة قماش اسمها حجاب يحجب عيون الناظرين البصّاصين. غطاء الرأس هذا صار على أشكال وألوانٍ وموديلات وحداثة وما بعد حداثة، لكنّ المعنى والهام والمفتى به هو أنّ ظهور شعر المرأة هو من الحرام أو العورة.

هي تلبس الكاوبوي الضيّق والستريج الذي يريك جغرافيا جسدها الفائر الكاعب الناهد، وماكياج الوجه وألوانه الزاهية المشهيّة المهيّجة، وأشياء أخرى وأخرى، إلّا أن تكون ماشية على حلّ شعرها، ولعمري أنني وكثرة منكم ترى أن المسألة تنام على تضادّ عقليٍّ مبين وفصام، فالوجه وأثاثه أجمل وأشهى وأكثر حرثاً بأرض الغريزة، من الشَعر الذي قد يكون جزءًا مكمّلاً للمشهد.

عن عين الوجه قال عليّ بن الجهم: عيونُ المها بين الرصافةِ والجسرِ، جلبْنَ الهوى من حيث أدري ولا أدري.

عن الرموش السود قال ابن معصوم المدنيّ وعائطها يوسف عمر ببعض تصرّفٍ: أمّا الصبوحُ فإنّهُ فرْضُ، فعلام يكحلُ جفنكَ الغمضُ.

أمّا الخدود فلهنّ من طيب الغناء وبديع الملحون كنزٌ عظيم، فهذا ناظم الغزاليّ يتخيّل خدّ حبيبته وقد لمع وتوهج فأضاء سماوات بغداد، وثمة صدحة مشهورة لمطربٍ سبعينيّ سقطَ الآن من ذاكرتي وقد أستعيده غداً، تقول مطالع الطقطوقة عنده: فرط الرمّان خدودهْ، وعيونه الحلوة السودة.

ثم عندك الفارس المتيّم عنترة بن شدّاد وهو يناجي حبيبتهُ من بين غبار الخيل وصليل السيف بقولته الموجعة والفاء حسب ما قبلها: فوددتُ تقبيل السيوفِ لأنها، لمعتْ كبارق ثغركِ المتبسّمِ.

أمّا الشفاه المثل حبة كرز، فبمخّي لها صدرٌ وعجزٌ لا يُقال بمجلس نسوانٍ، وتحت يمينيّ صدحة نجاة ومخيال نزار: حمل الزهور إليَّ كيف أردّهُ، وصبايَ مرسومٌ على شفتيهِ.

ثمّ أنك إن استقللت سيارة أجرة سيكون من سوء حظك وسخام يومك أن تنصت إلى شريط قويّ مشايخيّ يصف لك العذاب الشديد الذي ستأكله كلّ امرأة لم تضع فوق رأسها حجاباً حتى تكاد تتقيّأ معدتك.

ربّاط وزبدة الحكي والاجتهاد، هو عندما يأكلُ المظهرُ قلب الجوهر فيقتله فيجعله مثل جذع نخلة خاوية، سيكون الدين مثل تمثيلية اجتماعية مملة، وستجد امرأةً طبيبةً تغطّي شعرها، لكنها لن تداوي فقيراً قبل أن ينكتَ آخر دينارٍ في جيبه المثقوب.

Facebook
Twitter