فأرة تطمس في فخ الغفلة علي السوداني

سيتبدّل المزاج عند بوابة العصر. الزقاق ينام على عظيم حزن. ربما هو الشجن، أو أنني بدأت أهجر فأخلط المعنى الظاهر بالمعنى الفاطس. قنديل باهت يتلمّظ بباب جارتي الطيبة.

موت العجوز أُم داوود يشبه موت أخير شهقات الياسمين. كانت تتسلّى بمرأى الأطفال الابتدائيين عند كرسيّها الراسخ. رحلتْ الحاجّة وكنتُ استعيد مع مشهدها وجهَ أُمّي البعيد، لكن ثمة من سيسقي فخارية اللبلاب، ويشرب يانسون العصرية، وسيفتقد الزقاق الصغير حضورها المُريح. يتمنى اليومُ أن يجلس على أشلاء مبعثرة. غيوم رمادية مثل غولات حكايات جدتي. داوود والبنت سيتولّيان رشَّ ماء الثواب على عتبة موضعها بباب الحوش المظلم الآن. المشهد يذهبُ نحو التكامل المفزع. خشخشة أوراق صفر تلعب فوق اسفلت الشارع. أوراق ميّتة تهبط من شجرة اليوكالبتوس. قد تكون شجرة أكاسيا. لا تثقوا بمسميّاتي النباتية أبدا. يفزُّ باب المساء على صدى أُغنية فيروزية تضرب رأسي بقسوة حارس مقبرة.

يا جبل الّلي بعيد، خلفكْ حبايبنا، بِتموج مثل العيد وهمَّك متعّبْنا. حصاة تغفو بأمان تحت خاصرة الدرويش. إحساس بالغدر طعمهُ مثل ذلك الذي يحسُّ به محّار طريح مشرحة، محاطٍ بثلةٍ من القساة الذين يقومون بزرع حبة رمل بين صدفتيه المخلوعتين. يتوجّع المحّار المسالم ويبكي بصمت حتى يلدُ لؤلؤةً مدهشةً يضرب الأوغاد كؤوسهم بصحة جَمالها.

شكلُ مرمدة السكائر خاصتي، يشبهُ حذاء أبي القاسم الطنبوري. في الواقع أنا لم أقع على صورة تاريخية غير مزيّفة لتلك القندرة المشهورة، لكنني شفتُ مرةً ممثلاً فذّاً ضحّاكاً كما مهدي الحسيني يرتديها، ومن تلك السهرة البعيدة، لَطَشَ شكلُ الحذاء بمخيّلتي.

ليلتي حلوة وبديعة، ومن أثاثها المعروض اللحظةَ، فيلمٌ قصير لموقعة توريط فأرة صغيرة بمطمسة صمغ. الفأرة تجاهد كي تشلع رجليها الغضّتين من الفخّ الأسود، لكنّ النهاية ستكون داميةً مع مَضحكةٍ غير أخلاقية للمتفرجين الأنذال. ختمة المَحزَنة هي قطعة مُشْجِنة من ديوان سهير كمال الداوود ستقرأونها بعد رسم النقطة. ماذا يلزمني كي أبكي للمرة الأخيرة. أين أنتَ الآن؟ وحيدا مثلي.

 

Facebook
Twitter