علامات الكبر كثيرة

علي السوداني

 

ولقد توكلنا الليلة، عليه، هو الملهم الواحد الأحد الجوهر الجميل البديع المعين الشافي، فولجنا باباً من بيبان، لم نكن لندلف اليها لولا تخييمنا علي عتبة من عتبات الأحساس بشيخوخة مبكرة منفرة كأنها نشرة أنباء المساء التي تنصت اليها، كما لو أن خدك صار مسفحة صفعات غير مستردة، أو شدة أسئلة من مجيد السامرائي كأنها سبعون جلدة. هو باب الكبر الذي تنصت اليه مدوزناً من سلالم أعظم أصوات الشجن العراقي العذب، داخل حسن، الصائح النائح بحنجرة جنوبية مقلاة” ألا ليت الشباب يعود يوما “ويثني عليه صوت عرّش فوق قلبي، سعدي الحلي في رائعته “لا يولدي تدري الكبر هدني” وفي هذه الأغنية المتلفزة الملونة، لا يظهر وجه أبي خالد، انما ثلة من كهول واحد منهم، عتال، تلتقطه الكاميرا وهو مكسور الظهر ينام علي قهر مبين، وثان يشيل فوق رأسه، صينية سميط، وثالثة لا يتبين منها سوي كيس قواطي بيبسي، ومدخنة مزبلة عملاقة، ثم متأخراً، أبوالصوت العبقري الحنين، العاشق المتبول الناصري، حسين نعمة في مناحة “بيّن عليّ الكبر” وعلامات الكبر كثرة مثل علامات الساعة، ومنها، استطالة دامية في طول أظافر القدمين، من عواقبها المؤكدة، صرف نصف معاش آخر الشهر، علي كلفة الجواريب. عندما يهاتفك صاحبك فيسألك عن الحال والمال، تجرّ حسرة حارّة، وتردد علي مسمعه، جملة “الله كريم” سطعش مرة ومرة، ثم تذهب الي تفليش حاجز الخوف، فتسأله عن عافية الوالدة وعينيها الكليلتين. أذا اندق بابك وخرج ولدك وفتح الباب وغاب خمس دقائق، ستسأله عشرة أسئلة، تسعة تخص الطارق، والعاشر عن سر طيحان حظه في مادة الحساب. اذا نظر اليك الولد الحلو نؤاس، تقوم حتماً بتقليص وتمديد وتحريك عضلات وجهك، حتي يطق الولد من الضحك، تحبباً بوجه البومة. ان طلبت منك زوجتك الحنون، أن تطلع الي الفرن وتأتي بربطة خبز ساخن، تخرج مرتدياً بجامة مقلّمة أو دشداشة تشهر علي الناس، لون لباسك، مع نعال أسفنج أبو الأصبع، سيصاب بعطب في واحد من رؤوسه الثلاث، وستقوم بإصلاحه بدنبوس زيق عتيق. اذا شاهدت الليلة فلماً هوليودياً ممتعاً، فسوف تعيد متابعته بعد شهر، كما لو كان الأمر قد وقع الآن. علي وقع نشرة أخبار المساء، ستلتفت صوب زوجتك المطمئنة، عشر مرات وتقول لها ” هذولة شنو من بشر، اشسووا بينه، من طيح الله حظهم “وحيث يعرض عليك صاحبك، شغلة تتضادد مع قناعاتك الراسخة، تجيبه بصوت خفيض مكسور ” يمعود أنعل أبو الشغل، بس شسوي ابهالأطفال اللي كسروا ظهري”. ستكون أكثر جبناً من أيام الفتوة، فإذا ركلك واحد قوي علي مؤخرتك، سيكون ردك عليه مشتق من دفتر “سلّمتك بيد ألله” ثم ستوشوش بأذن الحاجوز الذي حضر الشجار وتقول ” يابه بشرفي، لو مو أبوه صديقي، وأمه خوش انسانة، كان طيحت حظه وحظ اللي خلّفه “ستقول هذا وتحرص علي أن لا يكون راكلك المتعافي، ما زال ينظر اليك شزراً بعين حمراء. ستكون روحك لائبة ملتاعة حول طقطوقة” وصلة كاع “تبني فوقها مهجوم العيال، كي تذهب الي قبرك، مرسومة علي وجهك، ابتسامة عمرو خالد. ستهجر الطبيب والصيدلية والفياغرا الكندية، وتهاجر صوب العطارين والعشّابين لعلاج حكة ما بين الفخذين، وسعلة آيار، وخنقة الريح الخماسينية، وقرقرة المعدة التي تزرعك دائماً بموضع شبهة. وعندك أيضاً، عادة القبض علي أخير اللحية، وتمليسها وشدها نحو لوزة الرقبة، ثم نكت الحضن من شر شعرات بيض يضحكن علي آخر العمر. سيأكلك الحنين المدوي، الي زمن عبدالحليم حافظ الأبيض وأسود، ودموع شادية، وسينما بابل، ولفة العمبة وبيض، وساقية الماء الخامل التي تفصل بين قطّاع ستين وعلوة جميلة، ونباح كلب حجي ناصر، وصابون غار العيسي، وعنتر ستين، وبسبوسة حسن، وعلاليق الأمهات في سوق الرضوي، ودفعة سيارة طامسة في وحل أصيل، وجزمة مزروفة، ومقتل الحسين بصوت عبد الزهرة الكعبي، وعرس يغني فيه سلمان المنكوب، وشجرة رارنج تستدعي جدر لبلبي، وبعير القراءة الخلدونية الذي لم ينزل حتي اللحظة، من تل الذكريات. ستفقد عضلة اللسان بوصلتها آناء المضغ، فيتعرض لسانك الي عضة كافرة بين يوم ويوم. وإذ يدق جرس الإنذار المعلق بباب كبدك، فسوف تقوم بترميم بعض “الشيوعيات” وستؤدي بصوت ناهق، رائعة ياس خضر أبو مازن المذهل “عمر وتعدا التلاثين لا يا فلان” وفي ذروة حماسك الكوني، سينفتح عليك صوت جارتك، السمينة الطيبة: عزا العزّاك دادا علي السوداني، مو راح يوذّن الفجر!!

Facebook
Twitter