عصابات داعش الارهابية تسرق اموال الموصليين بحجة تهريبهم الى تركيا

أنها العاشرة مساء، سلمان يقف وحيداً لا يرافقه ظله على الرصيف المظلم. بعد خمس دقائق تشير إحدى سيارات الاجرة بنور ينطفئ تارة ويشتعل تارة أخرى. يدرك سلمان إنها سيارته المنشودة، يجلس بجوار رجل أربعيني تصل لحيته لمنطقة السرة. تسير السيارة عبر شوارع السرجخانة ثم الفاروق وهما يتحادثان الى أن يلقي السائق به بشارع مظلم أخر عند العاشرة والربع.

منذ أربعة شهور ونحن نتواصل مع سلمان، أسم مستعار، عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحديثنا غالباً ما كان يدور عن أخباره اليومية ومحاولاته المستمرة في الهروب الى أية بقعة أرضية ماعدا البقاء في الموصل.

يقول سلمان “هذا المُهرب هو الرجل رقم خمسة ممن التقيتهم منذ ثلاثة أسابيع حتى الآن”.

مدينة الموصل باتت تمثل لساكنيها السجن الكبير، فتنظيم داعش يمنعهم من الخروج منها منذ ما يقارب السنتين. فهي أرض الخليفة المؤمنة والمدن الاخرى هي “بلاد الكفر” كما يسميها البغدادي.

يفكر سلمان بالخروج من المدينة مع عائلته عبر التهريب، لانه لا يملك وسيلة أخرى سواها. فالتعامل مع “اللجنة الأمنية” التابعة لتنظيم داعش، والمكلفة بإعطاء الرخص للراغبين بالسفر ليس بالأمر السهل.

الموافقة “الامنية”على سفر الفرد الموصلي تعني رهنه لبيته أو سيارته التي لابد أن تكون موديل ٢٠١٣ فما فوق. وفي حالات أخرى قد تطلب هذه اللجنة “كفيل” وهو الذي يكون صديقا أو أحد أقارب الشخص الراغب بالسفر، وهذا الكفيل سيتم إعتقاله في حالة عدم عودة المسافر.

وبرغم المعطيات والتبريرات التي يقدمها الراغب بالسفر الأ أن إصطحابه لعائلته يبقى أمرا غير مسموح، إلا في حالات العلاج مع وجود التقارير الطبية التي تؤكد المرض، أو في حالة إثبات أمر إكمال المعاملات الرسمية في مدينة بغداد.

يحدثنا سلمان في اليوم التالي عن لقائه مع المهرب “خمسة الاف دولار الكلفة الكلية التي طلبها مني، الفا دولار للشخص البالغ وخمسمائة دولار للطفل دون سن السابعة”.

في ساعات العصر الربيعية يجتمع سلمان مع أصدقائه الأربعة لشرب الشاي في محل أحدهم. يتحادثون أكثر حول المُهرب الأفضل وكلفة التهريب والطريق الاكثر أمناً للعوائل، فهذه أهم المواضيع بالنسبة للموصليين هذه الايام.

طريق الهروب الى بغداد هو أخطر منه الى تركيا، و عادة مايتم إستهدافه من قبل طائرات التحالف الدولي. فخلال الاربعة أشهر الماضية قتلت خمسة عوائل هاربة من الموصل بالقصف الجوي، بينهم سبعة أطفال دون سن التاسعة. إضافة الى خوف الموصليين من إعتقال قوات الأمن العراقية لهم، والتي تكررت أكثر من مرة لعدد من سائقي الاجرة الموصليين في النخيب، بعد أن بات طريق الموصل ـ بغداد يأخذهم الى الرطبة ـ النخيب ـ كربلاء ثم بغداد في النهاية.

ما دفع بالموصلي سلمان لإختيار الهرب الى تركيا مع مهرب عراقي من قضاء تلعفر. ويقول “المهربون العفر يتحدثون التركية وهذا يسهل دخول الحدود وهم صادقون الى حد معين مع الزبون”.

وبالنسبة لتركيا فبدورها تشدد الحراسات على حدودها، وتلقي القبض على العوائل الهاربة من الموصل لتسجنهم تحت ظروف قاسية، ثم يتم ترحيلهم الى بغداد أو أربيل فيما بعد بالتنسيق مع السفارة العراقية أو ديوان الوقف السني.

الراغبون بالهرب عادة لايلتقون بالمُهرب الفعلي إلا يوم الخروج من الموصل، أما لقاءات الاتفاق ودفع الأموال فتكون مع “نواب المهربين”، على حد قول سلمان.

ويتم هذا اللقاء وشرح طريقة التهريب للـ “زبون” في الشوارع العامة والمحلات وسيارات الاجرة بعيداً عن أعين عناصر “الحسبة”.

يقول سلمان “بالتأكيد أنا خائف لكن لم يعد لدي خيار، الموصل مدينة الموت وأنا أريد الهرب من أجل أطفالي وأمنيتي حلق لحيتي الطويلة”.

سلمان كان متحمساً للخروج عن طريق التهريب، خاصة أن أحد أصدقاءه نجح في الهرب ووصل الى تركيا.

“الزبائن” كلهم موصليون ضاقت بهم السبل ولم يعودوا قادرين على العيش في مدينة خلت من مظاهر الحياة، حيث لاتجارة ولا مدارس ولا مستشفيات.

لكن السؤال هنا من هم هؤلاء المهربون؟

تقول جويرية وهي مواطنة موصلية أخرى تحدثت لنا عن تجربتها في الهروب، “إتفق زوجي مع المهرب الداعشي الذي طمأننا بالخروج بعد أن دفعنا له ٢٩٠٠ دولار دفعة واحدة”.

يتواجد الفساد داخل عناصر التنظيم ودواوينه ويصل الأمر الى قيادين كبار أحياناً، وهذا ما ساعد على تسهيل وتزوير أوراق الخروج للبعض من الموصليين وتأمين الطريق من الموصل الى تلعفر ثم قضاء البعاج ليصل الطريق الى الحسكة السورية ومنها الى غازي عنتاب التركية.

لكن هذا لايعني أن كل المهربين من العراقيين أو السوريين صادقين معك. ودفعك الدولارات لهم كمواطن موصلي لايعني وصولك لتركيا سالماً. وارد جداً أن يبيعك المهرب للتنظيم بعد أن يكون قد قبض منك المال، وهذه إحدى طرق تمويل داعش لنفسه مؤخراً.

تقول جويرية “أمسكوا بنا في تلعفر بعد أن قام السائق بتسليمنا الى أحدى النقاط التفتيشية هناك”.

وتكمل باكية “أخذوا زوجي وكل الأموال والهواتف المحمولة بعد أن ضربوني وإبني ذا الأعوام الثلاثة”.

إستمرينا بالإتصال لما يقارب النصف ساعة مع جويرية التي دخلت بنوبة هستيرية من البكاء، فزوجها مختف منذ أكثر من سنة وهي تعيش وحيدة مع طفلها المريض.

وبالنسبة الى سلمان الذي كان متحمساً للهرب من الموصل فأخباره إنقطعت عنا منذ أكثر من شهر ولا نعلم بمصيره وعائلته حتى اللحظة.

 

Facebook
Twitter