طيارة فيروز لا تغني علي السوداني

الجو جميل وشاعري. نكتبها الليلةَ من دون تحريكٍ وتشكيلٍ كي نردّها إلى كاظم الساهر البديع.

في أوشال نيسان، يرشُّ الجوري والياسمين والرازقي والقرنفل شهقاتِهِ الكريمة، ومن فرط عطرها تكادُ تغنّي. الأشياء كلها جميلة ومدهشة، والرؤية باذخة الوضوح، وشاشة الطائرة الكاسرة ليست على مثقالِ غبشٍ. يحومُ الطيّار الوسيم الذي رفع رأسَ أبيهِ حومةً حاسمة. ثمة أطفالٌ وأغنامٌ وأُمهات وسرب فراشاتٍ بيضٍ يلعبنَ لعبةَ مصّ الرحيق.

على مقربةٍ من المنظر الصباحيّ الهادئ، تنزرعُ تلّةٌ من عشبٍ أخضر ولوزٍ وسلة جدائل. يشعرُ الطيار الوسيم بالضيق، مثل واحدٍ يقفُ على عتبة مرحاضٍ مقفل. لا بقرة حلوب ولا ثيران قوية تجرّ محاريث الرزق. ثمة أرنب يتقافز في المشهد كأنهُ ضربة فرشاةٍ فائضة. يتبدل المنظرُ قليلا فيبزغُ في مؤخرتهِ جنديٌّ تعيسٌ، يشيلُ فوق ظهرهِ المكسور، رشاشا منهكا من مخلفات العم كلاشنكوف. يدورُ الولد الوسيم الطائر في السماء مثل نسرٍ جائع، دورة الغاية التي تنظّفُ وجهَ الوسيلة، ويرسمُ على خدّهِ غمازة رضا. طفلةٌ بضفيرةٍ واحدةٍ تركضُ صوب التلة العشباء، وتعلّقُ جسدها الغضّ برقبة الجندي التعيس. بجيب الجنديّ قطعة حلوى، وبفمِ البنت السماوية بقيا لعاب.

يُنزلُ الأبُ المنهكُ كلاشنكوفهُ من على ظهرهِ ويحتفي بطلقة واحدة تفزز عشَّ طيورٍ وسرب فراشات. تزرعُ البنت الحلوةُ راحتيها على أُذنيها المقرّطتين. المنظرُ يتكامل بقوة، والطيار الذي تحبّهُ أمّهُ، يخلعُ قفّازهُ ويدوسُ على زرّ الحمولة الزائدة.

بعد قليل سيعود الطيار الكاسر إلى مدرجهِ، وسيلقى زفّةَ أكفّ وهلهولة واضحة. عشيرةٌ قاسيةٌ من كاميرات الخديعة تنزلُ على أخير المشهد. تلة الفراشات لم تعد خضراء. أجنحة غضةٌ مطشوشةٌ مثل قصيدة نثرٍ خائنة. حذاءٌ صغيرٌ مازال يقبضُ على بقايا قدمٍ ليّنة. جنديٌّ تعيسٌ سبّابتهُ لم تصل أبدا إلى زناد الأمان. الميكرفونات الضاجّة تدعدشُ الحكاية.

حدثَ هذا في بلاد عافتْ بلابلها تينَ الغناء، وصارتْ جوقَ غربانٍ تُبوّقُ لحنَ الهزيمة.

Facebook
Twitter