صدام ورفاقه: سيرة خوف وموت الحلقة السادسةرئيس وزراء عراقي ينظف مراحيض سجن النهاية ويطالبه سجانوه بالرقص

كيف قتل عبدالكريم نصرة طعنا بالسكاكين بعد تلفيق تهمة الذوذ له؟

 

تناولنا العشاء وغادرنا بيت عبدالستار بحدود الساعة الثانية عشرة, على امل ان نفهم في اليوم التالي ما حدث لعبدالكريم ودعاه الى الغياب. عاد معي طلعت لأوصله في طريقي الى فندق بغداد, وصلنا الى ساحة التحرير المشهورة, واذا بها محتلة من قبل عدد من المدنيين ورجال الشرطة والجيش وقد اختلط الحابل بالنابل, وكأن هناك مسيرة او تظاهرة. حتى تلك اللحظة كنت لا أزال معروفاً واسمي متداولاً, فوقفت لأنهم لم يسمحوا للسيارة بالمرور الى ساحة التحرير, سألت اثنين او ثلاثة مدنيين وقلت لهم انا فلان, ما الخبر؟ فقالوا ألم تعلم يا سيدي؟ قلت لا, فأجابوا: الليلة سيتم اعدام مجموعة من جواسيس اسرائيل, وستعرض جثثهم في ساحة التحرير, ولذلك فالطريق الوحيد هو ان تسلك شارع ابو نواس. استغربت وقلت ما هي قصة هؤلاء الجواسيس, اما طلعت صدقي فقد اصفرّ وجهه ولم يكن مرتاحاً للعملية, وكانت لديه حركة مشهورة عندما تخطر له فكرة او كذا كان يضرب على جبينه, ففي تلك اللحظة ضرب على جبينه بيده بشكل عجيب, فقلت له ما الامر, فقال بدأت الان اقلق على صديقك. طبعاً طلعت كان امضى حياته في الاستخبارات المصرية, وفي المكتب الثاني السوري, قلت له ولماذا؟
قال قلبي يقول لي ذلك, فأنتم تقولون عن هذا الرجل انه مضبوط المواعيد, واتفقتما ان يمر عليك, فما هو الهدف من هذا التوقيت؟ فقلت له ان هذه مجرد ظنون. على كل حال اوصلته, وذهبت انا الى البيت. في صباح اليوم التالي اتصل بي احد الاصدقاء هو الضابط عزيز شهاب وهو صديق قديم لعبدالكريم نصرة وللاسرة, وقال البقية بحياتك, عبدالكريم نصرة قُتل… فقلت له اعوذ بالله هل تتكلم بصدق؟ قال نعم. لقد اتصلت بي اخته في الصباح, وانا سأمر عليك.
اخذتني المفاجأة, من الذي يريد قتله, وفوراً ربطت المسألة مع حادثة البارحة. اذاعة بغداد والتلفزيون باشرا منذ الصباح الباكر بالحديث عن اعدام ١٠ او ١٢ بينهم عدد من اليهود وجنود واصحاب مخابز, وهناك معلومات علمتها متأخراً من احد منظمي هذه العملية هو السيد علي رضا, ان هذه كانت كلها تمثيلية, وان هؤلاء كانوا معتقلين لدى عبدالرزاق النايف ايام عبدالرحمن عارف, وقيد التحقيق. استدعوهم من الاستخبارات العسكرية الى قصر النهاية, وبعد ذلك قاموا بهذه التمثيلية والغرض منها كما قال لي علي رضا الارهاب فقط.
كلّمت صديقاً او اثنين من اصدقاء عبدالكريم في وزارة الدفاع, وذهبت الى بيته. كان البيت مغلقاً, والشرطة العادية تتولى الامر, اي ليس الاستخبارات او اجهزة اخرى علماً ان الرجل شخصية بارزة من شخصيات حزب البعث وكان معتقلاً طيلة فترة عبدالسلام عارف وعبدالرحمن عارف, وعُذب وهو كان بطل محاولة الخامس من ايلول ١٩٦٤ التي القي القبض فيها على صدام, فهو كان الرقم واحد. لم نستطع ان نفهم شيئاً, ولكن عرفنا من احد افراد عائلته ان الدخول ممنوع, وان الدولة وضعت يدها على البيت وان المغدور كان مصاباً بأكثر من طعنة بالسكين.
كان هو رئيس التنظيم العسكري الذي يتبع الفرع البعثي المؤيد لسورية بعد الانشقاق, وان احمد حسن البكر وصدام, بذلا معه جهوداً كبيرة قبيل ١٧ تموز لينضم اليهما, وكان عنيداً ويرفض عروضهما, ويقول لهما “انا لا اشتغل معكما او مع عماش وغيره, انا حزبي حقيقي”. شاع الخبر في بغداد. نظمنا له تشييعاً في اليوم التالي وقراءة فاتحة في جمعية الاداب الاسلامية, وجاء ممثلون عن السلك العسكري العراقي. الغريب انه اطلقت اشاعة في اليوم التالي في وزارة الدفاع وعلى عموم الحزب الرسمي ان عبدالكريم مصطفى نصرة كان رجلاً مخادعاً للحزب وللجميع وشاذاً جنسياً, وكان معه احد الصبيان عندما قتل, ويبدو ان هذا الصبي هو الذي طعنه وقتله وهرب بسيارته, لأن سيارة عبدالكريم لم تكن موجودة. طبعاً هذه عملية خسيسة, فهو كان في الجيش ولم يثر احد هذا الموضوع ولم نكن نسمع عنه هذه السمعة عندما كان في الخدمة العسكرية.
كان نصرت أحيل الى التقاعد منذ ايام عبدالسلام عارف, اي بعد عملية ٥ ايلول ١٩٦٤ اذ اعتقلوه واحالوه الى التقاعد.
وخرج الجميع من السجن قبله. عذبوه تعذيباً شديداً للبوح بأسرار التنظيم, وصمد صموداً عجيباً وغريباً, حتى انه كان يسحل, اذ يربط بسيارة جيب وتجره على طريق قناة الجيش, وكان ذلك في عهد عبدالسلام عارف, ورفض اعطاء اي كلمة, وكان صموده رمزاً لجميع البعثيين, لم يعترف مثل الآخرين كصدام الذي كشف ان الدراسة التي ضُبطت عنده وضعناها في القاهرة انا وطالب شبيب.
وماذا عن الولد؟
–  كانت اشاعة, وكنا نرد عليها بانها كذبة وافتراء. وفجأة قالوا امسكنا القاتل, وظهر على التلفزيون بعدما ضجت بغداد, بعد خمسة ايام من الحادث اذيع بيان يقول, ان القاتل اعتُقل في مدينة النجف ومعه سيارة عبدالكريم نصرة. وظهر شاب صغير, لم يتعرف عليه اي من المقربين من عبدالكريم نصرة, وادعى انه خادم نصرة, وانه قتله, ولمح الى شذوذه الجنسي, وانه كان على خلاف معه وطمع بسيارته. كان واضحاً ان الامر مرتب, واضطروا الى اعلان هذا البيان. والاذاعة السورية فتحت النار على بغداد بعدما اثارت قصة نصرة ضجة. وبقي هذا الولد معتقلاً بانتظار تقديمه الى محاكمة عادية, ثم اختفت آثاره. لم يقدم الى محاكمة ولم يُعرف شيء عن مصيره, وانقطعت اخباره الى اليوم”.

طاهر يحيى التكريتي ضابط تولى رئاسة أركان الجيش بعد انقلاب ٨ شباط ١٩٦٣. شارك عبد السلام عارف في ١٨ تشرين الثاني ١٩٦٣ في السيطرة على الحكم والانقلاب على حزب البعث.أصبح رئيساً للوزراء في ٢٠ تشرين الثاني ١٩٦٣ لغاية ٣ أيلول ١٩٦٥ . أعيد تعيينه رئيساً للوزراء في ١٠ تموز ١٩٦٧ . أعتقل في تموز ١٩٦٨ بعد انقلاب ١٧ تموز ١٩٦٨ .
عنه كتب أحمد الحبوبي في كتابه “أشخاص كما عرفتهم” “اعتقل طاهر يحيي في معتقل الفضيلية في بغداد وضيق عليه في المعتقل وعومل معاملة سيئة وكان معه في المعتقل مجموعة كبيرة من السياسيين ومن اتجاهات مختلفة منهم محمد صديق شنشل وعبد الكريم فرحان،خير الدين حسيب،أديب الجادر،مالك دوهان الحسن،ود.شامل السامرائي وآخرون…وينقل الدكتور رحيم الكبيسي الذي كان معه في المعتقل ان طاهر يحيي غضب غضبا شديدا عندما بلغه ان أهله أو عائلته تتوسط له عند البكر…
وعند أول مقابله له مع زوجته منعها من الاتصال بالبكر أو بغيره للتوسط له من اجل إطلاق سراحه أو التخفيف عنه…كما ذكر الكبيسي ان طاهر يحيي نقل لهم نبوءة عبد السلام عارف من انه سيأتي يوم يعتقلهم البكر ويضعهم في السجن وذلك عندما ذهب طاهر يحيي وبعض الضباط إلى عبد السلام عارف للتوسط من اجل إطلاق احمد حسن البكر عندما اعتقل بعد فشل المحاولة الانقلابية التي قام بها البعث في ٥/٩/١٩٦٤..ويقول طاهر يحيي وفعلا هذا هو اليوم الذي تنبأ به عبد السلام عارف…
واتعب الانقلابيون أنفسهم من اجل الحصول على أدلة تدين طاهر يحيي بالفساد أو الرشوة ولم يوفقوا…فقد اعتقلوا(عبد الواحد زكي)المدير المفوض لشركة الكوكا كولا وراحوا يعذبونه من اجل ان يقر ويعترف بأنه رشا طاهر يحيي من اجل تمشية معاملات الكوكا كولا ولم يعترف الرجل لأنه فعلا لم يدفع رشوة لطاهر يحيي حتى مات تحت التعذيب…ثم نقل طاهر يحيي إلى معتقل قصر النهاية وهناك كانوا يعقدون جلسات للتسلية على المعتقلين ويتفننون في استعمال الوسائل من اجل التسلية…ولم يسلم طاهر يحيي من جلسات الأنس هذه فكان يؤتي به ويربط حوله وسطه حزام ليبدو وكأنه راقصة ويطلبون منه الرقص…ثم كلفوه بتنظيف المراحيض زيادة في الإهانة والإذلال وقد احتمل كثيرا وصبر وقضى وقتا طويلا في قصر النهاية وساءت صحته وزادت شكواه من مرض عينيه حتى كاد يفقد بصره…
وأطلق سراحه فاعتكف بداره لا يبرحها وكانت المراقبة على داره شديدة وعندما تضطره الضرورة للخروج تتبعه سيارة إلى حيث يذهب وتحصي عليه تحركاته وسكناته ولم يزره احد من أصدقائه أو معارفه عدا بعض أقربائه واخذ بصره يضعف وأراد ان يعالج عينيه خارج العراق فمنع من السفر فعلق على المنع بقوله:سبحان الله حتى(الشراميط)تسافر إلى خارج العراق وأنا ممنوع من السفر من اجل العلاج…وانطوي يكابد علته الجسدية والنفسية حتى فارق الحياة رحمه الله…”

Facebook
Twitter