صدام والسعودية والكويت من تبادل الاوسمة ومليارات الدولارات الى الحرب – القسم الاولصدام يلمح لملك السعودية بفكرة اجتياح الكويت اثناء رحلة صيد في حفر الباطن

كان تولّي صدام حسين مقاليد الحكم في العراق، في رأي كافة المراقبين السياسيين، والمهتمين بشؤون الخليج ـ إيذاناً بمرحلة جديدة في المواقف العراقية، تجاه الكويت بخاصة، والعلاقات العراقية ـ الخليجية بعامة. نمّت بذلك تصريحاته المتزنة، أثناء زيارته طهران، وهو لمّا يزل نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة، في مايو 1975، حين سُئل عن موقف العراق من قضية الحدود مع الكويت، فأجاب: “إن العراق، قرّر التنازل عن قراره السابق، برفض ترسيم الحدود مع الكويت. وأصبح قراره، الآن، يتبنّى منطقاً قومياً، يقضي بإنهاء هذه المشكلة، على أساس لا غالب، ولا مغلوب…

ودأب على موقفه، بعد أن أصبح الرجل الأول في العراق، واستطاع أن يُنحِّي الرئيس أحمد حسن البكر، وتولى السلطة، في 16 يوليه 1979.

كان لهذه التصريحات الرسمية أثر طيب في علاقات العراق بدول الخليج، أدت إلى مساندتها إياه، أثناء حربه ضد إيران؛ وذلك من طريق تقديم مساعدات مالية، تجاوزت 38 مليار دولار. قدمت منها المملكة العربية السعودية 26 ملياراً من الدولارات. بينما قدمت الكويت 12 ملياراً، ومبالغ أخرى، راوحت بين المليارين والخمسة مليارات، من كلٍّ من قطَر ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلى جانب التسهيلات، البرية والجوية والنفطية، التي شملت خدمات الطرق والموانئ والقروض النفطية

ولم يكتفِ صدام بالخطب أو الأحاديث الصحفية؛ وإنما أعلن، في 8 فبراير 1980، ما أطلق عليه “الإعلان القومي”، الذي عدَّه ميثاقاً ، يلتزم العراق بنقاطه، ويجعله دستوراً لمعاملاته، العربية والدولية. وضمّنه من المبادئ، ما يجعله صالحاً ليكون أساساً لعلاقات تضامن حقيقي. وصرّح، لدى إعلانه هذا الميثاق بقوله: “إن هذا الإعلان القومي، يشكل أساساً صالحاً لإِقامة تضامن حقيقي، ولحل المشكلات مع بعض “الجيران”، وينظمها على أُسُس المصالح المشتركة، مع احترام “الجيرة”.

وفي 28 مايو 1990، وفي مناسبة انعقاد القِمة العربية الاستثنائية، في بغداد، أعادت الجرائد العراقية نشر الإعلان القومي (الميثاق)، في أعدادها الصادرة صبيحة انعقاد القِمة.

وتتلخّص نقاط الإعلان في ما يلي:

رفض وجود الجيوش الأجنبية في الوطن العربي، ومنحها القواعد والتسهيلات وتحريم اللجوء إلى القوة، في المنازعات بين الدول العربية وتضامن الأقطار العربية كلها ضد أي طرف، يعتدي على أحدها أو يتدخّل في شؤونه والتزام العرب بالأعراف والقوانين الدولية، بالنسبة إلى استخدام المياه والأجواء والأقاليم، من قِبل دولة، أي دولة، ليست في حالة حرب ضد أي قطر عربي واستعداد العراق للالتزام بهذه المبادئ، تجاه أي قطر عربي، أو أي طرف يلتزم به، وهو مستعدّ لمناقشته.

في عام 1989، أراد   صدام حسين، أن يعد نفسه للخطوات القادمة، التي كان يخطط لها، فتقرّب إلى المملكة العربية السعودية. وكذلك إلى الكويت. وعمل على توطيد العلاقات بهما.

ففي أوائل عام 1989، زار المملكة العربية السعودية، حيث عَرَض على الملك فهد بن عبدالعزيز، مشروع اتفاقية، في شأن عدم الاعتداء بين البلدَين. وأبدى الملك فهد ما مفاده، أنه فوجئ بمشروع هذه الاتفاقية، وسأله، بصراحة: “هل توقيع مثل هذه الاتفاقية ضروري؟”. ورد صدام بما فحواه: “إن توقيع هذه الاتفاقية، إنْ لم يكن ضرورياً، فقد يكون ملائماً؛ لأن أطرافاً كثيرة، تسعى، بالدس والوقيعة، وتحاول أن تصور العراق، الخارج من الحرب ضد إيران قويا، على أنه يضمر نيات عدائية لإخوانه وأشقائه”. وقال الملك فهد، إنه “على استعداد لتوقيع الاتفاقية، وإنْ كان يشعر أن العلاقات، التي يربطها الدم، هي أقوى من تلك التي توقَّع بالحبر”. وانتهت الزيارة، بعد أن وجَّه صدام حسين الدعوة إلى فهد، لزيارة العراق.

وفي الساعة 12 من ظهر يوم السبت، 18 شعبان 1409 هـ، الموافق 25 مارس 1989م، غادر فهد، مطار الملك خالد الدولي، في الرياض، متوجهاً إلى بغداد، تلبية لهذه الدعوة.

واصدر صدام المرسوم الجمهوري العراقي الرقم 166، في مساء 25 مارس 1989، الذي يقضي بمنح الملك فهد أعلى وسام عراقي، وهو وسام الرافدَين، من الدرجة الأولى، ومن النوع المدني.)    

كما قلّد فهد، صدام، قلادة الملك عبدالعزيز، عقب حفلة العشاء، التي أقامها صدام حسين تكريماً لضيفه.

وظُهر يوم 27 مارس 1989م، الموافق 20 شعبان 1409هـ، وقبل مغادرة فهد بغداد، متوجهاً إلى القاهرة، وقّع مع صدام، في قصر “صقر القادسية”، في بغداد، اتفاقيتَين:

الأولى: عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ورفض استخدام القوة بين المملكة العربية السعودية والعراق.

والثانية: التعاون الأمني بين البلدين.

وقد علّق الرئيس المصري، حسني مبارك، على هاتَين الاتفاقيتَين، في خطاب له، في الاجتماع المشترك لمجلسَي الشعب والشورى، عُقد يوم الخميس، 24 يناير 1991، قائلاً: “وقد كان صدام حسين على أحسن العلاقات مع المملكة العربية السعودية. بل إنه طلب، فجأة، من خادم الحرمَين الشريفَين، الملك فهد بن عبدالعزيز، في إحدى زياراته للعراق، توقيع معاهدة عدم اعتداء بين البلدَين”. واستطرد قائلاً: “أنا ذهلت لما سمعتها. وسألت الملك فهد: إيه الحكاية؟ قال لي: ده فاجأني بها. فاستغربت. وتساءل الملك فهد، حينئذ، عن الدواعي لعقد هذه المعاهدة، خاصة أن اتفاق الدفاع المشترك بين الدول العربية، يفي بالغرض. أما أن كل واحد، عمل اتفاق عدم اعتداء، بيننا وبين بعض. ده إحنا قاعدين مخونين بعض. كلنا يعني في الحالة دي، لازم أمضي اتفاقية عدم اعتداء مع كل اللي حواليه كلهم، وفيه عدم ثقة، إذاً، أو فيه شيء بيدبّر. ومع ذلك فقد استجاب له ووقع المعاهدة، وهو في غاية الاستغراب”. وتابع الرئيس مبارك قائلاً: “وأثبتت الأحداث، بعد ذلك، أنه يضمر فيه العدوان على الكويت”.

وقبل الغزو العراقي للكويت، بأربعة أشهر، وبالتحديد في 17 مارس 1990، زار صدام، لساعات، منطقة حفر الباطن، في المملكة العربية السعودية، حيث قابل الملك فهداً، أثناء رحلة صيد في المنطقة. واستعرضا موضوع زيادة الكويت حصتها المقررة من النفط، طبقاً لقرارات “الأوبك”، مما يؤدي إلى خفض أسعار النفط، واستطراداً، يؤثر في اقتصاد العراق، في وقت يتعرض فيه لضغوط من كل جانب. ووعده الملك فهد بتدخله لدى أمير الكويت، لإقناعه بالالتزام بحصة “الأوبك” المقررة. ثم تطرق الرئيس صدام حسين إلى الموقف الأمريكي من العراق، وأبدى أن الولايات المتحدة الأمريكية، تضمر شراً للعراق. وعلّق الملك على ذلك بقوله، إنه يعرف الرئيس بوش شخصياً، المزهو، الآن، بانتصار الولايات المتحدة الأمريكية، في معركتها، العقائدية والإستراتيجية، ضد الاتحاد السوفيتي المنهار. وهو في هذا الوضع، سيكون آخر من يرغب في تحويل الأنظار عن انتصاره في أوروبا، إلى جهة أخرى، في الشرق الأوسط.

في الساعة الثامنة والنصف، من صباح السبت، 23 سبتمبر 1989، غادر مطار الكويت الدولي جابر الأحمد الصباح، متجهاً إلى بغداد، في زيارة رسمية إلى الجمهورية العراقية، تلبية لدعوة من صدام. وجرى لأمير الكويت استقبال رسمي كبير، وكان صدام حسين على رأس المستقبلين، معانقاً، ومرحباً، ومهنئاً بسلامة الوصول.

وفي المساء، عقدت جولة المباحثات الأولى، بين جابر الأحمد الصباح وصدام حسين. وتركزت المباحثات في العلاقات الثنائية بين البلدَين الشقيقَين، في مختلف مجالاتها، والأوضاع العربية الراهنة، على مختلف الصُّعُد، خاصة تطورات الأوضاع في لبنان، والقضية الفلسطينية، ودعم الانتفاضة الفلسطينية، والأوضاع في الخليج.

وبعد انتهاء جلسة المباحثات الأولى، أقام صدام حسين مأدبة عشاء، تكريماً لأمير الكويت. وتبادلا خلال الحفلة، الأوسمة؛ فقلّد صدام أمير دولة الكويت وسام الرافدَين، من الدرجة الأولى، ومن النوع المدني، بعد أن تلا رئيس ديوان رئاسة الجمهورية، المرسوم الجمهوري، الذي صدر في هذا الشأن ثم قلّد أمير الكويت صدام قلادة مبارك الكبير، وهي من أرفع القلادات.

وفي اليوم التالي، 24 سبتمبر 1989، عقد أمير الكويت جولة المباحثات الثانية مع صدام. وكانت استكمالاً لجلسة المباحثات الرسمية الأولى. وقد تناولت المباحثات تطوير العلاقات بين البلدَين في الميادين كافة، إضافة إلى استعراض التطورات الراهنة، على الساحة العربية.

وفي نهاية الزيارة، وفي صباح 25 سبتمبر 1989، زار صدام حسين الشيخ جابر الأحمد، في مقرِّ إقامته، وقدَّم إليه هدية تذكارية، هي قطعتا سلاح من إنتاج هيئة التصنيع العسكري العراقية. ثم اصطحبه إلى المطار، حيث جرى توديع أمير الكويت، رسمياً.

ويتضح مما سبق، أنه كان تمهيداً لِما يضمره صدام نحو الكويت، كي يفاجئ الجميع بافتعاله الأزمة معها، فتبدل الثناء هجاءً، وتحولت البطولة خيانةً، في أقلّ من عام واحد.

في ذلك الوقت، كان سعر النفط آخذاً في الارتفاع، بعد أن وصل إلى أدنى حدٍّ له، في أكتوبر 1988، فارتفع، في نهاية العام نفسه، إلى 14 دولاراً/برميل الواحد. واطّرد ارتفاعه، خلال عامَي 1988 و1989، حين بلغ 18.84 دولاراً/ برميل، وازداد اطّراده حتى يناير 1990، حينما وصل سعر البرميل 19.98 دولار/ برميل. وتوقف تصاعد السعر، بعدما بدأت الكويت والإمارات تزيدان الإنتاج، مما سبب تدنّيه، فبلغ 14.02 دولار/ برميل، حتى يونيه 1990، أي بانخفاض 30% عن سعر “الإشارة”، مما سبب نقصاً لدخل النفط في عدد من البلدان.

لقد عَدَّ صدام حسين، مبادرة الكويت إلى زيادة إنتاجها النفطي، استفزازية، بل خيانة. وهي أدت إلى انخفاض أسعار النفط العالمي، وإلى خسارة العراق، الذي يعتمد في 90% من وارداته على النفط، لحوالي 7 مليارات دولار، سنوياً، أي ما يوازي فوائد الديون السنوية، التي ينبغي له دفعها. لقد أصبح العراق، إذاً، مهدداً بالاختناق الفعلي.

ثم ظهرت فكرة إنشاء مجلس التعاون العربي، أول مرة، في عمّان، وبدأت مناقشتها في صيف 1988. ثم انتقلت إلى بغداد، التي وجدتها ملائمة لها، بعد أن رُفِضَتْ من مجلس تعاون دول الخليج العربية. ثم وصلت إلى القاهرة. ويرى بعض المحللين الإستراتيجيين، أن هذا المجلس كان خطوة غير موفقة للأسباب التالية:

أ. عدم وجود تواصل جغرافي بين أعضائه.

ب. ظهور الفكرة، بشكل من الأشكال، كأنها نوع من رد الفعل؛ إذ أعقبت نشأة مجلس تعاون دول الخليج العربية.

ج. أهداف أطراف المجلس، ليست متجانسة، بل كانت أقرب إلى الاختلاف منها إلى التوافق أو التجانس. فكان ظاهراً، أن هدف الأردن، هو مواجَهة أزمته الاقتصادية ونتائجها السياسية المحتملة. كما كان هدف العراق مواجَهة ظروفه، الاقتصادية والاجتماعية وآثارها، الناجمة من حربه ضد إيران، واستقطاب مصر إلى جانبه، وتحييدها في أي صراع محتمل، يكون العراق أحد طرفيه. أمّا هدف مصر، فكان كسر طوق العزلة، والدخول إلى العمل العربي من أي باب، قد يؤدي إلى اجتياز مشكلاتها المستعصية، بعد أن عُزِلَتْ عن العالم العربي، منذ اتفاقية كامب ديفيد. أمّا اليمن، الذي انضم إلى المجلس في اللحظة الأخيرة، قبل إعلان نشوئه، فقد كان يبحث عن داع إلى الاقتراب من القلب العربي، إضافة إلى أنه كان يبحث عن مطالب أمنية واقتصادية وسياسية. 

                        وكان على صدام أن يتلقف هذه الفكرة، للحدّ من دور مصر العربي في المنطقة. فكان أمامه حلاّن:

أ. إمّا عزلها، وهذا ما لم يكن يستطيعه، بعد أن عادت إلى الجامعة العربية، لتمارس دورها في المنطقة العربية.

ب. أو استيعابها في دوافعه إلى السيطرة على منطقة الخليج، أو في أقل تقدير، تحييدها،فانبثقت فكرة إنشاء مجلس للتعاون العربي، يضم كلاًّ من العراق والأردن ومصر، كسبيل إلى استقطاب مصر أو تحييدها.

بدأت الفكرة، كما رواها الرئيس حسني مبارك، أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية، بعرض الملك حسين، ملك الأردن، على الرئيس حسني مبارك، إنشاء “فيلق عربي”، يشترك فيه مصر والأردن، تحت مقولة “إن الخليج في خطر”. وكان رد الرئيس حسني مبارك على الفكرة، أنه لا يشجعها؛ لأن مثل هذا الجيش، يمكن أن يؤدي إلى مشاكل كثيرة.

Facebook
Twitter