رسائل مفتوحة الى أحبتي متظاهري ساحة التحرير عبدالرضا الحميد

حين اندلع غضب الحليم العراقي كنت خارج الوطن، فوجهت لاحبتي متظاهري ساحة التحرير عدة رسائل اقتطف منها هذه الاضمامة:

الرسالة الاولى:

في منعطف حاسم في تاريخ وطننا العزيز، اخترتموه بإرادتكم، وجوهرتموه بوعيكم ، وصنعتموه بعزمكم الباسل وتحديكم الجسور ، لويتم الجمعة الفائتة، عنق الإرادة الغاشمة التي استهانت بكم ، واستخفت بقدرتكم، طوال اثنتي عشرة سنة متصلات ، وظنت إن تمترسها خلف قوة السلاح ومنطقة غبراء حصينة ، سيجعلها بمنأى عن غضبة الحليم اذا غضب ، ورغم أنكم قد اخترتم الحلم طوال سنوات حتى ضج الحلم من حلمكم، وتدرعتم بالصبر حتى مل الصبر صبركم ، إلا أن محفل المنطقة الخضراء، ظن حلمكم ضعفا وصبركم خوارا، فتمادى في غيه وما ارعوى ولا ارتد عن ضلالته، وإيغاله في صناعة الجوع للناس وزراعة الفقر لهم، وإذلال أعزتهم وإهمال شبابهم وفتيتهم وامتهان كرامة الثواكل والأرامل والأيتام ، ولا استشعر عار فساد فاسديه الذين ما تركوا ثروة الا نهبوها ولا بيدرا الا احرقوه، ولا ضرعا الا حلبوه، ولا مرفقا ومصنعا من مرافق ومصانع بيت مال العراقيين الا باعوه، ولا ارضا الا اضرموا فيها نار الجدب واليبوسة ، ولا مدرسة ودار علم الا وحولوه الى مرتع للامية ومنبرا للجهالة ، وما استشعر خزي لصوصية لصوصه ولا عيب رشوة مرتشيه ، واختطف الوطن من بنيه الكرام الكواظم، وحولوه الى ضياع حزبية، وإقطاعيات فئوية، وصارت ثروات الوطن التي لا يهربها المهربون إلى الخارج تهدر على منافع أشخاص بعينهم، وبينهم غلمان الاحتلال، وصار تفصيل الحكومة على مقاسات شخصية لا مقاسات وطنية وحاجات شعبية ، وتوزع عروشها ومناصبها وموارد النهب فيها على أحصنة طروادة بغداد ممن خانوا الوطن وأعانوا الغزاة على غزو موطن الحضارات الأولى والرسالات الأولى وبيت العروبة وجمجمة العرب، وسوغوه وشرعنوه وخالفوا الشرع الإلهي المقدس في مجاهدة الغزاة حتى النصر عليهم وردهم على أعقابهم مدحورين خاسئين أو الشهادة.
لقد تلقفها بعضهم تلقف القراصنة وتعاطاها بعضهم تعاطي الصيارفة اليهود وتداولوها تداول المقامرين، فما خافوا من رب زعموا عبادته، وهو رب يمهل فراعنة أقوامهم ولا يهمل، ولا خجلوا من نبي قائل قائلهم أنهم مهتدون به، ولا استحوا من شعب صدق حسنو النيات فيه ما أعلنوا ولم يعلنوا إلا بيانات كالبراطيل وشعارات كالرشاوى أذاعوها بين الناس كي تثقل موازينهم في صناديق الاقتراع ، فما أخسر وأتعس من يسعى لثقل موازينه في صناديق الاقتراع ولا يسعى لثقل موازينه أمام رب عظيم وشعب كريم نبيل؟
لقد أضرمتم النار أيها الفتية البررة الذين امنوا بربهم ووطنهم وزادهم ربهم هدى ومنعة، ووطنهم عزة وكبرياء، في صحراء الصمت والخراب، وأعلنتموها معزوفة هادرة في رماد الفجيعة، وأطلقتموها مدوية (أنكم هنا) وان (العراق جمجمة العرب ومكحلة الإنسانية بين اضالعكم) وان (السلطة للشعب ومن الشعب وبالشعب) و( منريده منريده كلمن اجه بدبابة) و ( محاصصة محاصصة دم الشعب ماارخصه) و( يل بيدكم صار الحكم دم الشعب برقابكم) و(نفط الشعب للشعب مو للحرامية) ولم تشتكو الى احد ( المن نشتكي وكلهم حرامية) فاولياء الامر غاطسون حتى اذانهم في حوض الغياب عن خوف الله والشعب والتاريخ، والقضاة مؤتمرون بامر اولياء الامر، وما من سيد في البلاد الا الضارب على صنوجهم والناقر على دفوفهم والراقص على ايقاعهم، والقائل قولتهم وان كانت كفرا والذاهب مذهبهم وان كان الحادا، ووقفتم مثل نخيل بلادكم وناديتم ( ها نحن هنا ) فرددت نداءكم الارض وقد انتشت والشهداء وقد اينعتم بهم حياة اخرى، وشببتم عن طوق الامس حيث الاحتراز والرهبة والتحسب، وهشمتم حاجز الخشية من حاكم ظالم ومأمور بامر الحاكم اظلم، وهززتم ماظنوه عصيا على الاهتزاز، ورددتم حقكم المغتصب في ممارسة سلطتكم على وطنكم الى بيته المكين، وارعبتم من تبجح بانه جاء ليبقى ابدا ، وماالتفت الى حقيقة انها لو دامت لغيره لما وصلت اليه، فحياكم الحي القيوم وبياكم، يانشيد العراق واغنيته الاصدح، وثبت خطاكم على طريق السداد، ومكن صوتكم من ان يكون اعلى من ابواقهم، وغضبكم اقوى من تهديدهم ووعيدهم، واشرس من هراواتهم وخراطيم مياههم ورصاصهم الحي والمطاطي وطائراتهم، وألبثكم على هدى وهداية نصب الحرية تاريخا ومعنى ورسالة وقيما ونزوعا الى شموس الحريات بلا احتلال نازي ولا سجون مظلمة ولا دهاليز كالقبور ولا خفافيش تسطو على ليالينا فتسرق الاحلام من بين رموش النخل والطفولة والقناديل والحب والبوح والمواعيد.
نعم لندائكم بتغيير الدستور المفخخ الذي دجن الطائفيات والعرقيات ثم اطلقها طبول حرب تشيع الموت والدم على الارض الطهور، دستور يضعه النوابغ الامناء من ابناء شعبنا لا دستور يضعه الصهيونيان المجرمان سيئا الصيت والسمعة نوح فيلدمان وبريمر ومن خلفهما المجرمون السفاحون بوش وتيار محافظيه الجدد.
نعم لمطالبتكم برد العملية السياسية الكسيحة الى منشيئها ممن ارادوا العراق حديقة خلفية لمؤامراتهم ومغامراتهم وحروبهم ضد الشعوب المتحررة الامنة المطمئنة.
نعم للشروع بعملية سياسية وطنية لا اقصاء ولا تهميش ولا استثناء فيها لايما عراقي فكلنا من ادم وادم من تراب وكلنا من العراق والعراق منا.
نعم لديمقراطية حقيقية يمارس فيها الناس جميعا وعلى قدر واحد من المساواة سلطتهم على وطنهم، ديمقراطية لا نيابة وتمثيل فيها عن المواطن ، ديمقراطية لا تنتج طبقات متخمة كسولة امية لا تجيد الا صناعة المؤامرات وتغييب الشعب والضحك على ذقونه، وتحوله الى قطيع لا يمارس الا وضع بطاقات في صناديق اقتراع لم تصنع منذ فجر التاريخ حتى الان الا الزيف والكذب والخديعة والتضليل.
نعم لدولة يرسسها الشعب بارادته ويختار حكومته مباشرة بلا صفقات مريبة واتفاقات مشبوهة، حكومة تصغي للشعب وتنفذ مايريد ولا تصغي لاصوات الطائفية والعرقية والفئوية والحزبية والجهوية والشخصية.
نعم لدولة يديرها موظفون عند الشعب لا يحكمها اباطرة جدد واوثان جديدة وقياصرة جدد وفراعنة جدد وديكتاتوريون جدد.
نعم لدولة يفخر المنتدبون لادراتها بها وبشعبها لا دولة ثرثارين وكذبة وعراقيب وشلاتغة.
نعم لثروات الشعب ينعم بها ابناؤه كلهم على قدر المساواة فلا فرق بين وزير وخفير ولا سيد ومسود ولا مالك واجير ولا رئيس ومرؤوس.
لا للجوع والفقر والفاقة ، لا للتشريد والتهجير ، لا للفساد والمفسدين، لا لاصحاب الجنسيات المزدوجة والولاءات المزدوجة من خريجي مدارس المخابرات الدولية ومعاهد خيانة الاوطان.
نعم لبيض الوجوه ممن عاشوا محنة شعبهم ايام رغيف الخبز المداف بالحجارة والقوارض والحشرات والديدان.
نعم لكل ماتصرخون به ، وما تنادون به ، وما تنضحون العرق وقد تنزفون الدم من اجله.
فاعلنوها حرسكم الله مدوية ان ( نعم لمن يحيي ثورة الشعب ويحترمها وييسر لها شأنها ويمكنها من امرها ولا لمن يحاول ان يركب ظهر ثورة الشباب ويسرقها ممن كانوا على ظهر سفينة القراصنة التي اختطفت العراق او ممن اعانوهم وساندوهم وروجوا لهم)
طوبى لكم وهنيئا لهم نياشين الغضب والكرامة والحق
وحرسكم الحي القيوم بمشيئته واعزكم بوطنكم العراق واعز العراق بكم.
الراكع على تراب خطاكم

الرسالة الثانية:

أحبتي، اخوتي، اصدقائي، ابنائي، ايها الميممون وجوهكم بعد ساعات قليلات شطر ساحة التحرير، انتصافا لبغدادكم، صانعة مجرات الشموس، ولكبرياء شعب شاءت ان تمرغه ثلة من الرعاديد المخنثين الجبناء بوحل الذل والجوع والمهانة والاستكانة:
انها لحظتكم الفاصلة بين ثابت العراق الازلي ومتحول المتحولين الفسدة.
انها لحظتكم التاريخية كي تعيدوا الشمس الى دارتها وملعب طفولتها.
انها لحظة استبانة خيط الرغيف الابيض المداف بلبن امهاتنا وخيط الزقوم الاسود المداف بلبن الخنازير.
انها لحظة ولادة الفينيق العراقي من رماده، فأهتبلوها مثابة لاعادة القرار الوطني لكم من موظفي الاعداء التاريخيين لشعبنا في بلادنا، فانتم وحدكم، ولا احد سواكم، رئيسا كان ام وزيرا، صناع القرار الوطني الانقياء الاصفياء، واحذروا ان تتوهموا، او ان تقعوا في وهم، ان غضبكم بعد طول صبر، وعمق حلم، وليد خدمات سيئة هنا او هناك، بل هو وليد رفض لانهيار اخلاقي خطير وشرير ومدمر وكارثي تحاول ثلة ايتام بريمر ان تشيعه بين الناس، كي يذهب العراق، وكي تتمكن من رقابكم، بعد ان تينع رؤوسكم ويحين وقت قطافها.
اعيدوا بصوتكم النقي البهي اخلاق العراق الى دياره وانبذوا المشوهين والمتحولين، اعيدوا انفاس العراق الى مضاربه ومدنه مبتكرة الحلم الاول والحب الاول وادرأوا عنها انفاس الغادرين الفاسقين الانجاس سليلي فحيح الافاعي في ارصفة واقبية الدول العدوة.
اميدوا الارض تحت اقدام اليرابيع السفلة الذين حولوا الوطن الى بقرة حلوب لمنافعهم وملذاتهم وخستهم ونذالتهم واذاقوا اهلنا صنوفا من الخسف والهوان.
اميدوها تحتهم واعلنوها صريحة بوجههم: انكم فائضون عن حاجة العراق.
قلبي معكم،
وابت عيناي ان يغمض لهما جفن وانا بعيد عنكم وانتم تتهيأون للحظتكم التاريخية يا بيض الوجوه والقلوب.
قلبي معكم
واولادي الثلاثة معكم
فهل يغفر لي وجود فلذات روحي وعقلي وضميري بينكم بعدي عنكم للمرة الاولى، وقد شهدت معكم مثاباتنا الاولى وانتفاضاتنا الاولى وغضبنا الاول؟
ويا فلذات روحي: علي وعبدالله وابو ذر: لتكن اجسادكم جسرا لعبور اخوتكم واعمامكم الى ضفة العراق العراق العراق، لا عراق البيادق والثآليل، لا عراق بريمر وايتامه.
الله معكم
والله بالغ بكم امره وامركم
وحي على العراق.

 

الرسالة الثالثة:

أحبتي جمرات التظاهر في ساحة التحرير: أحمد وأحمد وعارف وطالب وتوفيق وجعفر وهيثم وعلاء وفاضل ورحيم وحامد وسواهم من الفادين الباذلين:

تبغددوا بغضبكم المقدس فـ ( ربع مثقال من هذا الغضب خلبص كل غزلهم)، ولا تركنوا لعنوانات الاصلاحات، وتلمسوا جديتها في تنفيذها، في تقديم الفاسدين الى محاكمات شعبية، وتطهير المؤسسة القضائية من ايتام بريمر ومختار (بين العصر والمغرب) كي نجتث كل فايروسات الفساد في بلادنا، فلا المناصب هي ام ابتلاءات العراقيين ولا تضخمها ولا تسرطنها، انما ام هذه الابتلاءات هي العملية السياسية الكسيحة الخديجة التي انجنب هذا الطوفان من اولاد السفاح والاميين والجهلة والنعاج والقراد، فأديموا الزخم وامنعوهم من التقاط الانفاس حتى يعود القرار اليكم، فانتم طينته الاطهر.
واحترسوا من يرابيع (مضر شوكت ورعد الحمداني) وسواهما فقد تسللوا بين صفوفكم.
والله والناس معكم
وحي على العراق

هامش:

حمل عدد جريدتنا الماضي عنوانا رئيسيا هو ( عاطلون عن العمل فائضون عن حاجة العراق )، وفي اليوم التالي لصدورها تمت اقالة هؤلاء والغاء مناصبهم.
شي حلو مو ؟

 

Facebook
Twitter