رد كيدهم إلى نحرهم ..ريم عثمان

في كل مرة تنعقد فيها جولة مباحثات سورية سورية سواء في أستانا أم في جنيف نشهد تصعيدا إرهابيا من قبل الفصائل الإرهابية المسلحة بإيعاز من الدول المشغلة لها ,فنشهد تفجيرا إرهابيا هنا أو مجزرة وحشية هناك تحصد أرواح العشرات من المدنيين و العسكريين , بهدف تفخيخ جولة الحوار ونسفها لإطالة أمد الحرب ريثما تنضج الظروف المؤاتية لتحقيق أهدافهم.
الأهداف باتت معروفة وهي أهداف الدول المستثمرة في الإرهاب لا المعارضة السورية وأذرعها المسلحة على الأرض ,التي ليست أكثر من دمى تحركها تلك الدول على مسرح السياسة والميدان. ولطالما لم تتحقق هذه الأهداف بعد فكان لزاما على تلك الدول أن تضع العثرات على طريق الجولة الثالثة من أستانا ,عبر الغياب عن طاولتها من جهة ومن جهة ثانية اقتراف تفجيرات دمشق الدموية التي طالت القصر العدلي ومنتزها في الربوة . ولأن موعد جنيف 5 قد حان قبل الآوان كان لا بد من عرقلته للماطلة من جهة وكسب بعض النقاط على حساب الدولة السورية من جهة أخرى . ونقصد بالآوان هنا ,عدم تمكن ميليشيا سورية الديمقراطية بدعم تحالف واشنطن من تحرير الرقة ,وعدم تمكن تركيا من إكمال بناء درعها الواقي لغرب الفرات من فيضان الأكراد نحو حدودها ,وعدم تمكن السعودية من فرض سحب قوات حزب الله والقوات المدعومة من إيران عن الأراضي السورية ,وعدم تمكن “إسرائيل”من تدمير الدفاعات الجوية السورية ,التي باتت شبحا يلاحق أيام المستوطنين ولياليهم بعد صدها لطائرات معتدية على السيادة السورية ,وغيرها الكثير من الأهداف ,التي تبدو ضربا من الخيال.
هذه المعطيات مجتمعة دفعت بالدول الداعمة للإرهاب إلى خلط الأوراق مجددا ومحاولة تغيير موازين القوى على الأرض عبر الإيعاز للدمى المسلحة بشن هجمات إرهابية للسيطرة على مساحات جغرافية جديدة على أكثر من جبهة ,بغية كسب ورقة قوّة عسكرية تفرض عبرها شروطا على طاولة الحوار, التي تبدو عليها الدولة السورية هي الأقوى بعد سيطرتها على مدينة حلب كاملة وعلى ريفها الشرقي وقطعها الطريق على ميليشيا “درع الفرات” نحو الرقة وتحرير تدمر الأثرية وسلسلة الجبال الحاكمة لها وبعض حقول الغاز فيها ,وبعد تصديها لمحاولات داعش السيطرة الكاملة على مدينة دير الزور ومطارها,وبعد فرض اتفاق المصالحة في حي الوعر آخر معاقل الإرهابيين في مدينة حمص التي ستغدو بإتمام هذا الاتفاق خالية بشكل كامل من السلاح والمسلحين .كل ذلك جعل وفد الجمهورية العربية السورية يفرض شروطه على جولة جنيف الرابعة ويضيف سلة مكافحة الإرهاب على سلال الأمم المتحدة الثلاثة التي لم تأتِ على ذكرها ,الأمر الذي أغضب الدول الراعية للإرهاب فحاولت تنحية هذه السلة جانبا ريثما تتم مناقشة سلال الحوكمة والدستور والانتخابات. فجاء الهجوم الذي شنته جبهة النصرة والفصائل المسلحة المتحالفة معها على مدينة دمشق ومثلها على ريف حماة ومطارها العسكري وكذلك استهداف قرى ريف اللاذقية وقاعدة حميميم بالقذائف الصاروخية ,لفرض شروط تلك الدول على الجولة الخامسة من جنيف ,وخاصة لجهة تغييب سلة مكافحة الإرهاب ,لكن ردَّ كيدهم إلى نحرهم لأسباب عدة منها على سبيل المثال لا الحصر:
أولا: الفصائل التي شاركت في الهجمات الثلاث هي ممن شاركت في اجتماعات أستانا والموقعة على اتفاق وقف الأعمال القتالية ,وهذا يؤكد عدم التزامها بالاتفاق ,ما يترتب عليه تصنيفها كجماعات إرهابية بناء على نص البيان الختامي لأستانا 1, المضمون من روسيا وإيران وتركيا ,والذي يقول إن كل طرف لا يلتزم بالاتفاق يعتبر فصيلا إرهابيا تتوجب محاربته.
ثانيا:الهجمات الثلاث كانت بتوقيع جبهة النصرة المصنفة كمنظمة إرهابية من كل الدول وإقرار الأمم المتحدة, واشتراك تلك الفصائل المصنفة “معتدلة” معها في شن الهجمات الثلاث سهّل عملية الفصل بين الإرهابي والمعتدل ,المطلوبة كشرط لتطبيق مكافحة الإرهاب, ما يعني أن تلك الفصائل جنت على نفسها باصطفافها إلى جانب النصرة الإرهابية ,لأن ذلك يجعل محاربتها مشروعة.
ثالثا: شن تلك الهجمات دفع بجميع وفود المعارضة إلى المشاركة في جولة جنيف الخامسة, التي لم تسجل غياب أي وفد أو شخصية,على عكس جولات سابقة شهدت ما بات يعرف لدى وفد الرياض ,على وجه الخصوص ,بـ”الحرد السياسي” ,وما ذاك الحضور إلاّ من باب الأمل بنتائج الهجمات الإرهابية المتزامنة ,والتي ظنت المعارضة أنها ستغير أجندة جنيف 5 لصالحها ,لكن تصدي الجيش العربي السوري لتلك الهجمات جعل الأجندة تتغير لصالح الدولة السورية , بعد أن تم تفضيل سلة مكافحة الإرهاب كأولوية في المباحثات .
رابعا: الهجوم الذي شنته الفصائل الإرهابية على دمشق بالتحديد, قلب السحر على الساحر فتلك الفصائل أرادت الخروج من جحورها في جوبر والقابون بعد فترة سبات استمرت سنوات منعت طوال تلك السنوات الجيش العربي السوري من استهدافها, لكن بهذا الخروج واجهت قضاءها المحتوم بنيران الجيش الذي قضى على أعداد كبيرة من إرهابييها ودمر لهم الكثير من عتادهم وجعل مهمة اقتحام تحصيناتهم أسرع وأكثر سهولة ,ما يعني إمكانية تحرير جوبر والقابون في القريب العاجل.
كل تلك المكاسب السياسية والميدانية للدولة السورية توضع نقاطا في سلتها ,لكن موسم الحصاد لم يحن بعد ,خاصة وأن معركة الرقة لاتزال في بواكيرها ,وثمّة معركة دير الزور وإدلب وغوطة دمشق ودرعا وغيرها الكثير لم تحسم بعد ,وإن كان القول دائما إن “الحل في سورية سياسي” إلاّ أن الكلمة الفصل لاشك للعسكري.

Facebook
Twitter