تقرير صحفي دولي بعد شيوخ التسعين: شيوخ كوندوليزا رايس يطاردون الاطباء بالديات و(الفصول)

بغداد: سيتفاني ماك كرومين*
يسترجع الطبيب ناصر السوداني كم كانت عملية إصلاح كسر في أنف، عملية جراحية بسيطة. وعلى الرغم من أن العملية قد سارت على نحو جيد، فإنه بعد أسابيع من إجرائها، توفي المريض البالغ من العمر 35 عاما نتيجة تجلط دموي، وهي حالة اعتبرت غير متصلة بالجراحة. وخلال ساعات، بدأت تنهال المكالمات الهاتفية المخيفة.

 

قال السوداني: «لقد تحدث أفراد أسرته قائلين : توفي أخانا، وعلينا التفاوض)»، مشيرا إلى المبلغ المبدئي الذي طلبته الأسرة كتعويض وهو 40.000 دولار. وقد علم أنه في حالة رفضه، يمكن أن يدفع حياته ثمنا لذلك. لذلك، فعل ما يفعله العراقيون هذه الأيام: فقد أحضر شيخا رفيع المقام ترأس وفدا لمقابلة الشيخ الممثل للأسرة، لتبدأ أسابيع من المناقشات الكئيبة بين الطرفين.

 

وبينما كان العراقيون يسخرون منذ وقت طويل من المجالس العرفية التي تعقد للفصل في موضوعات يرونها تافهة، فإنهم يشيرون الآن إلى أن صورة سيئة منها قد انتشرت بشكل جنوني، وفيها يتقاضى شيوخ القبائل ذوو السلطة أموالا طائلة من أصحاب بعض الحرف، ولا سيما الأطباء. وتعد المشكلة في جزء منها نتاجا للنظام القانوني الضعيف وضعف إجراءات التظلم الرسمية وتفشي التعامل غير الصحيح مع شكاوى الإهمال والتقصير من خلال المحاكم. غير أن كثيرين يلقون باللوم على أثر سلبي خلفه الاحتلال الأميركي: الذي بات يشار إليه باسم «الشيوخ المدعين» – بمن فيهم «شيوخ كوندوليزا رايس» الذين حملوا ذلك الاسم نسبة إلى وزيرة الخارجية الأميركية السابقة – والذين كانوا يتقاضون أموالا من الولايات المتحدة نظير محاربة المسلحين، وهي الممارسة التي استمر في اتباعها رئيس الوزراء نوري المالكي. وفي الوقت الذي يحظى به الشيوخ بالاحترام داخل المجتمع العراقي، فإن كثيرين يقولون إن بعضا من الشيوخ المدعين الذين ظهروا حديثا على الساحة – والذين عادة ما تميزهم الملابس المترفة والسيارات الرياضية الفخمة – تحولوا إلى نوع من المافيا العراقية الناشئة. وأشار علي عباس عنبوري، وهو طبيب من بغداد يدعو إلى إصلاح نظام الرعاية الصحية والنظام القانوني في العراق، قائلا: «إنهم انتهازيون مثل البلطجية». وأضاف قائلا: «الأمر برمته يتعلق بنوع السلطة التي يتمتع بها مثل هؤلاء الأشخاص – فهو لا يمت بصلة مطلقا إلى الإهمال أو التقصير. فإذا لم يدفع الطبيب المبلغ المطلوب، فقد يهددون حياته وأسرته، وربما يختطفون أطفاله».

 

وأشار مسؤولون في عدة مستشفيات في بغداد إلى انتشار تهديدات قبلية بشكل هائل إلى حد أن كثيرا من الأطباء يغادرون البلاد تماما مثلما فعلوا أثناء اندلاع الحرب. وأعرب طبيب عيون، عائد لتوه من دبي بالإمارات العربية المتحدة للعمل في بغداد ويفكر في العودة إلى الإمارات مرة أخرى، عن رأيه قائلا: «إنني حتى لا أعرف من هو الشيخ الممثل لي». وأضاف قائلا: «زوجتي خبيرة تخدير وترغب في العمل في العراق)، لكنني أنصحها باستبعاد هذه الفكرة. فالأمر محفوف بمخاطر جسيمة». ومن بين العديد من أشكال الهوية في العراق، تأتي القبلية ضمن أكثر الهويات أهمية، على الرغم من من تباين درجة قبول العراقيين لها. فالكثيرون لا يفوضون شيوخ قبائل، وهي عملية شبه رسمية تحقق الأمن على المستويين الاقتصادي والشخصي، ولكنها تنطوي على التزامات في الوقت نفسه. وعلى الرغم من أنه قد تم حظر القانون القبلي رسميا في عام 1985 وإيقاف العمل به بشكل شبه تام أثناء حكم صدام حسين، فإنه قد عاد للظهور مجددا لأسباب مختلفة. وأوضح محمد إسماعيل المسعودي، أحد شيوخ القبائل الذين يحظون بالاحترام في بغداد: «بعد الاحتلال البغيض، عاش العراق سنوات دون سلطة ودون حكومة. وقد تولينا مهمة التعامل مع هذه الأمور بشكل ينم عن ثقة وتحمل للمسؤولية». وتحدث المسعودي، وهو يجلس على أريكة مخملية مزينة بزخارف في مكتب فخم، عن قضية حديثة لشخص توفي أثناء إجراء عملية جراحية له. وكتعويض لأسرة المتوفى، طلب المسعودي مبلغا قيمته 50.000 دولار، الذي تم خفضه عدة مرات طبقا للعرف القبلي المعمول به. ونظرا لأنه تم اعتبار الوفاة ناتجة عن خطأ غير مقصود، فقد وافق الشيخ على خفض المبلغ المطلوب بمقدار النصف. ولأن الطبيب قد اعترف بسرعة بارتكابه الخطأ، تم خفض المبلغ مرة أخرى. ولأن الوفد تضمن شخصا ينحدر من سلالة النبي محمد، يعرف بلقب السيد، فقد كان هناك خصم آخر. وفي نهاية المطاف، دفع الطبيب 5.000 دولار. وفي حالة الرفض، سيؤدي ذلك إلى الدخول في سلسلة من العقوبات القبلية قد تمتد لسنوات.

 

في الوقت الذي ينظر المسعودي لنفسه باعتباره حكما لبقا يعمل بموجب القانون القبلي، فإنه وآخرين يأسفون لظهور هؤلاء الذين يعتبرونهم «شيوخا مدعين». فبدلا من الانتماء لأصل عريق، عادة ما يستمد هؤلاء الشيوخ القبليون، محدثو النعمة، سلطتهم من أموال ضخمة تقاضوها من الأميركيين نظير قيامهم بتنظيم ميليشيات ومحاربة المسلحين خلال أسوأ أيام الحرب. ومؤخرا، أبرم كثير منهم اتفاقات سياسية مع المالكي، والتي قد أدت إلى تشكيل كيانات شبه رسمية تعرف باسم مجالس الدعم القبلي بمختلف أنحاء الدولة. وعلى الرغم من أنه لم يكن متأكدا من صحة ظنونه، فقد شك السوداني في أن يكون الشيخ الذي قام بتهديده واحدا من بين هؤلاء. وبنوع من الحذر، وصفه الطبيب بأنه «غير مهذب».

 

وقال السوداني: «كان أحد ممثليهم يتحدث مفتخرا قائلا: (لقد حصلنا على أموال من جميع الأطباء في الناصرية)»، مشيرا إلى المدينة التي تعتبر موطن المريض في جنوب العراق، حيث تم عقد المفاوضات. وفي نهاية المطاف، دفع السوداني – الذي قام الشيخ الممثل له بتشكيل وفد ضخم – مبلغا يقدر بنحو 8.000 دولار، وهو المبلغ الذي تحمله على نفقته الخاصة، نظرا لعدم وجود تأمين على الخسارة الناتجة عن الضرر في العراق. وقال: «حتى إن لم تكن أنت المخطئ، يكون عليك أن تدفع، وإلا فستواجه مشكلات». وقد ذكر هو وآخرون أن كثيرا من الأطباء يمتنعون عن إجراء العمليات الجراحية الأكثر تعقيدا بسبب التهديدات الجديدة التي يواجهونها. بينما يتخذ آخرون المزيد من الإجراءات الاحترازية. وفي مدينة الفلوجة، يستعين الطبيب صباح العاني بحرس شخصي، لفحص غرفة الانتظار لتحديد المرضى الذين يحتمل أن يدخلوا في نزاعات قضائية معهم على نحو خطير. وقال العاني، وهو جراح عظام دفع آلاف كتعويض في العامين السابقين: «ثمة إشارات سيئة معينة». وأضاف قائلا: «إذا أتى مريض ومعه حارس شخصي أو شيخ قبيلة ممثل له، أو إذا أتى مريض يتحدث بهاتفه الخلوي مرددا عبارات مثل: (نحن الرجال المسؤولون هنا)!، في تلك الحالات، سأقول إنني متعب أو أرسلهم إلى بغداد». وبينما كان جالسا في عيادته الصغيرة بالقرب من شارع به مبان تظهر عليها آثار إطلاق أعيرة نارية، تذكر العاني زميلا له دخل في نزاع بشأن طلب تعويض.

 

واشنطن بوست

 

 

 

Facebook
Twitter