بوكو حرام وداعش وبقية العيال الأمريكيد. عمر ظاهر

 

داعش ماكنة إرهابية ضخمة بتركيبة اميركية وقطع غيار بريطانية فرنسية كندية أسترالية إسرائيلية، وسعودية

 

 

لا بد من محاربة داعش والقضاء عليها ولكن ليس بالتحالف مع أمريكا لأن أمريكا هي داعش وداعش هي أمريكا

 

فشل الجيل الأول من المحافظين الجدد في الاستمرار في ابتزاز العالم تحت يافطة “الحرب على الإرهاب”، وتحقيق خرافة القرن الأمريكي عن طريق الغزو الغاشم الذي كان يبرر بالأكاذيب، كما حصل في أفغانستان والعراق، وأصيبوا بالفشل الذريع، وجروا العالم الرأسمالي معهم إلى أزمة مالية عاصفة كادت تطيح بالعديد من بلدان ذلك المعسكر. وجاء الآن دور الجيل الثاني من نفس الماركة الأمريكية المسجلة لتحقيق نفس الغاية، لكن بتجربة ستراتيجية جديدة تقوم على جعل دول العالم تطلب طوعا وبنفسها غزوا أمريكيا ناعما لـ “مكافحة الإرهاب”، مشروع مفضوح لتفريخ الإرهابيين وابتزاز العالم بهم، كان نتاجه البكر القاعدة، ثم طالبان في أفغانستان، ثم بوكو حرام في نيجيريا، وداعش وأخواتها بين العراق وسورية، والإنتاج متواصل، وسيولد “من هذا المال حمل جمال”، عيال لا أب لهم إلا أمريكا، ولا أم لهم غير المصالح الامبريالية الأمريكية.

 

داعش قوة عظمى تتطلب مواجهتها تحالفا دوليا – وبطبيعة الحال تحت زعامة أمريكا. هذا ما يريدنا الإعلام الأمريكي وإعلام بلدان الناتو عامة أن نصدق به. وداعش حركة مفرطة في الوحشية بحيث يترتب علينا أن نفعل كل شيء لمواجهتها، مثلا نطلب ضربات جوية أمريكية، وإرسال خبراء أمريكيين وفرنسيين، وإقامة قواعد لطائرات الدرون (بلا طيار) – يعني أن نطلب من الأب أن يربي ابنه ببضع صفعات جوية، ونتناسى على الفور صراعاتنا مع الأب نفسه، وننسى الجرائم التي ارتكبها بحقنا، ونتفرغ سوية معه لمواجهة ذريته، داعش. لكن أهم ما يريدنا هذا الإعلام الأمريكي/الناتوي أن نفعله هو أن لا نسأل، مثلا: كيف ظهرت داعش، وصارت بين ليلة وضحاها قوة عظمى، أو في الحقيقة قطبا في السياسة العالمية بحيث يتوجب على كل بلدان العالم الآن أن تتحد، وتكون قطبا مضادا له؟ وأن لا نسأل: كيف ظهرت داعش في منطقة من العالم تراقبها الأقمار الاصطناعية الأمريكية، والبريطانية، والفرنسية، والإسرائيلية ليل نهار لتسهيل عمل المنظمات الإرهابية على أرض سورية، منطقة تعج بالعملاء والمخبرين في شمال بلد يتحكم الأمريكيون بمقدراته وأجوائه، وأرضه من إحدى عشرة سنة، وقرب قاعدة أمريكية في جبال كردستان العراق، وعلى مرمى حجر من قواعد حلف الأطلسي؟ وأن لا نسأل لماذا لم تظهر داعش هذه كمجموعة من عشرين أو ثلاثين مسلحا يجوبون الجبال والوديان، ويتموضعون في تورابورا في شمال العراق، وإنما ظهرت كجيش عرمرم، يحتل المدن، ويهجر ملايين الناس من قراهم ومناطق عيشهم، ويسبي آلاف النساء، ويقطع حتى رؤوس الأمريكيين!! و .. وماذا أيضا؟

 

في البداية بدا الأمر وكأن الأمريكيين يريدون معاقبة نوري المالكي الذي صار يتململ في علاقته بالاحتلال، ويحاول أن يبرز كوجه وطني لا يتجاوب مع كل طلبات الأمريكيين، وذلك بتوجيه أحد العيال المشاكسين ليحرجه في الموصل. وفي البداية بدا الأمر أيضا وكأن تحقيق هدف إسرائيل في ولادة توأم لها في شمال العراق صار يتطلب تجديد الصراعات الطائفية الدموية في العراق، فبدأ ابن شقي لأمريكا يثير الفتن، وفي البداية بدا الأمر كذلك وكأن الأمريكيين بعد فشلهم الذريع في سورية يريدون العودة إليها ليس عن طريق الاعتراف بالهزيمة، بل عن طريق معاقبة أحد عيالهم العاقين، داعش، عسى أن يكون ذلك مقدمة لفتح حوار مع الدولة السورية، والعودة كأصدقاء.

 

لكنْ، سرعان ما تبين أن داعش ليست مجرد حركة طائفية عادية لها أهداف محدودة، بل إنها حركة “فتح مبين” تعتنق التخلف في أبشع صوره، وتمتهن الجريمة في أقسى وسائلها، وتصب جام غضبها على الجميع، مسلمين، ومسيحيين ويزيديين، وغيرهم، وعلى كل من يرفض همجيتها، فتبين للناس الخيط الأبيض من الخيط الأسود في أمرها، فداعش ليست مشروعا صغيرا في نطاق طائفي، بل هي مشروع ماكنة إرهابية ضخمة يراد تشغيلها على مستوى العالم، تركيبتها الأساسية أمريكية بامتياز، مع وجود قطع غيار بريطانية، وفرنسية، وكندية، وأسترالية، وإسرائيلية، وسعودية فيها. وأمريكا تنوي فتح فروع لمشروع داعش العالمي في كل مكان. لا ينبغي لنا أن نفصل أبدا بين ظهور حركات “إسلامية” إرهابية في أي مكان وبين مشروع داعش الأمريكي العالمي. إنه نفس الأب يرسل أبناءه المعتوهين حيثما تقتضي مصالحه، فيتخذ الابن لنفسه اسما يناسب المكان الذي يعمل فيه، ويعيث في الأرض فسادا. في نيجيريا، مثلا، اسم الولد الشقي هو “بوكو حرام”، وهو الأخ الشقيق لداعش من نفس الأب الأمريكي ونفس الأم، المصالح الأمريكية، تماما كما كان الابن الشقي في أفغانستان يسمي نفسه “طالبان”، أو “القاعدة”.

 

قررنا أن نسأل، وليسأل العالم كله معنا: ألم يتم تصنيع داعش وغيرها من الحركات والمنظمات الإرهابية على أيدي الأمريكيين من أجل إسقاط النظام الشرعي في سورية؟ فلماذا انحرفت الآن من إسقاط النظام في سورية إلى استهداف العالم كله؟ ولدينا أسئلة كثيرة إلى الجيل الثاني من إرهابيي المحافظين الجدد حول نشاطات مشروع داعش في كل مكان، منها مثلا: أن الطائرات الأمريكية (بطيارين) استطاعت عام 1967 مسح غابات بوليفيا في أمريكا اللاتينية، وحددت مكان الثائر الكوبي تشي جيفارا ومجموعة من ستة أو سبعة مقاتلين معه في تلك الغابات الكثيفة، واستطاعت الاستخبارات الأمريكية تصفيتهم، فكيف لا تستطيع الطائرات الأمريكية الآن في عام 2014 (أي بعد نصف قرن من التطور التكنولوجي في مجال الطيران والتجسس) تحديد مكان 300 فتاة خطفتهن عصابات بوكو حرام في نيجيريا؟ هل حركة بوكو حرام وراءها عقول ستراتيجية تناطح الخبرة والتكنولوجيا الأمريكية، أم أن من وراءها هي عقول أمريكية؟ حركة بوكو حرام تقوم بمهمة الابن المطيع الذي يعطي أباه، أمريكا، الفرصة للدخول إلى نيجيريا بناء على طلب من حكومتها لإقامة قواعد للطائرات الأمريكية بدون طيارين، وإرسال سيل من الخبراء، والاختصاصيين العسكريين، ومعداتهم التكنولوجية إلى هناك – لماذا؟ لإزالة النفوذ الصيني وضرب المصالح الصينية هناك. ألا تقوم داعش بنفس الدور في خلق مبررات لاستدعاء غزو أمريكي مرغوب فيه إلى شمال العراق؟

 

أليس هناك قاسم مشترك بين خطف بوكو حرام لثلاثمئة فتاة والتهديد ببيعهن (لم تعثر الاستخبارات الأمريكية وطائراتها على أثر لهن حتى بعد أن أسست أمريكا وحليفاتها لوجود دائم في نيجيريا)، وبين بيع داعش للفتيات اليزيديات؟ أليس العقل المحرك هو نفسه في كلتا الحالتين؟ أية مصادفة هذه في اتهام الإسلام بالهمجية! في تاريخ الإسلام البعيد، كما في تاريخ كل الامبراطوريات على الأرض، وقع سبي للنساء، لكننا لم نسمع في الجيل الأول من عيال أمريكا، القاعدة وطالبان، أن أحدا منهم سبى النساء، وباعهن في سوق النخاسة كما يفعل الجيل الثاني، داعش وبوكو حرام! إنه تحديث مريع لماكنة الإرهاب الأمريكية!

 

ولنأخذ تطويق داعش لسد الموصل. وصول داعش إلى سد الموصل كان الهدف منه بكل وضوح جعل الناس يصرخون أن الخطر الماحق آتٍ، فلنستنجد بالأمريكيين – تماما كما فعل الناس في مالي وفي نيجيريا. تصوروا لو أن داعش نسفت سد الموصل، الأمر الذي حال دونه تدخل الطيران الأمريكي! مسرحية تبكي من الضحك لشدة سخفها، فالإعلام الأمريكي والناتوي كله يصور داعش كقوة تملك من الأسلحة المتطورة التي استولت عليها من الجيش العراقي ما تكفي لتهديد العالم كله. ولو كان الأمر كذلك فإن نسف سد الموصل كان يتطلب من داعش مجرد توجيه بضعة صواريخ إليه قبل، أو أثناء، أو حتى بعد غارات الطيران الأمريكي. لكن داعش لم تفعل ذلك لأن الهدف لم يكن سد الموصل بل إعطاء رامبو، الأب الأمريكي، فرصة للعب دور البطل المنقذ. تهديد سد الموصل هو بروفة داعشية/أمريكية ستتكرر في أماكن عديدة، وفي كل مرة سيكون هناك خطر ماحق لا بد من استدعاء رامبو ليلعب دور البطولة في أفلام وقف الخطر، أفلام لا تصلح للعرض إلا في صالات الدرجة الخامسة. داعش ستعطى الفرصة لتصل إلى أخطر الأماكن في كل بلد في العالم تماما مثلما أعطيت الفرصة للوصول إلى سد الموصل بحيث لا يكون هناك من مخلّص إلا الطيران الأمريكي، والخبراء الأمريكيون، والقواعد الأمريكية التي “يجب” علينا، طوعا وعن طيب خاطر، الترحيب بها حماية لأنفسنا من داعش.

 

ونسأل أيضا أنه بعد الحادي عشر من أيلول عام 2001 قامت الولايات المتحدة بالارتباط مع الحرب على الإرهاب بما أسمته “تجفيف منابع تمويل الإرهاب”، أي حرمان منظمة القاعدة من أية فرصة للحصول على تمويل، مع أنها كانت متيقنة من أن التمويل الرئيسي للقاعدة كان، منذ تأسيسها، يأتي من السعودية، فشنت أمريكا حملة شعواء على كل نشاطات جمع التبرعات للفقراء والمحتاجين في العالم العربي بحجة أن التبرعات قد تستخدم لتمويل الإرهابيين. وبهذا الخصوص استطاعت أمريكا عن طريق رمزي “swift”، و “IBAN” مراقبة كل التحويلات البنكية في العالم بشكل مطلق، إذ يتم إبلاغ الاستخبارات الأمريكية بشكل اتوماتيكي وفوري عن أي تحويل للأموال عبر البنوك، وعن طرفي التحويل. نريد أن نعرف لماذا لا تجفف أمريكا مصادر تمويل داعش سواء من السعودية، أو من قطر، أو من مبيعات النفط السوري والعراقي؟ ونريد أن نعرف كيف تصدر داعش وبقية المنظمات الإرهابية النفط إلى العالم، وإلى من يبيعونه، وعبر أية بنوك يستلمون الأثمان. هل توقف دور سويفت وإيبان عند جمع التبرعات لفقراء المسلمين، وعند تحويل الأموال في التبادلات التجارية مع إيران؟

 

ثم إنه حتى الأطفال يتساءلون اليوم لماذا تقوم أمريكا بتسويق هائل غير مسبوق لمنظمة إرهابية مثل داعش باعتبارها خطرا على العالم كله، بحيث يتزعم السيد أوباما بنفسه الدعوة للتحالف ضد هذا الخطر؟ أليست هذه محاولة مفضوحة للضحك على ذقون العالم كله؟ سورية استطاعت الوقوف بوحدها في وجه عشرات المنظمات الإرهابية المدعومة أمريكيا، وأطلسيا، وخليجيا، بما فيها داعش، لكن مواجهة داعش وحدها أصبحت الآن تستدعي تحالف كل القوى الكبرى، وكل دول الشرق الأوسط، والقارة الهندية، وأمريكا اللاتينية؟ ثم لماذا يُسمح لداعش باستخدام امكانات التواصل الاجتماعي لبث صور الجرائم التي ترتكبها لبث الرعب في قلوب الناس في كل العالم؟

 

الأغبياء وحدهم لا يرون أن داعش مشروع أمريكي مفضوح، وهي الوسيلة التي أخترعتها “العبقرية” الأمريكية لإعادة السيطرة التي بدأت أمريكا تفقدها في العالم، عبر الضغط الإرهابي على كل دول العالم لتخييرها بين قبول التحالف مع أمريكا، أو تلقي رفسات داعش – نفس شعار جورج بوش وديك تشيني: معنا أو ضدنا. ونظرة خاطفة على التسويق الهائل الذي يقوم به الإعلام الأمريكي والناتوي لداعش تكشف أن داعش أصبحت شبحا يجول في كل مكان في العالم، إنها توجد حاليا، أو ستوجد عن قريب في كل دولة على الأرض فيها مصالح أمريكية لكن دون أن تشكل خطرا على المصالح الأمريكية نفسها، بل على مصالح تلك الدول، فلا يكون أمام تلك الدول إلا طلب المساعدة الأمريكية وذلك لخبرة الأمريكان في محاربة الإرهاب، ولامتلاكهم كل مقومات الانتصار على الإرهاب، بما فيها الاستخبارات القوية وتكنولوجيا التجسس المتطورة من الفضاء وباستخدام طائرات بلا طيارين (التي ويا للمفارقة لم تكشف كلها داعش إلا بعد أن أصبحت قوة عظمى تهدد العالم كله، ولا تكشف مصائر مئات الفتيات اللواتي خطفهن شقيق داعش في نيجيريا).

 

داعش قوة ساحرة ستدخل عواصم كل الدول العظمى فاتحة منتصرة، وليس أمام دول العالم من خلاص إلا في التحالف مع الأمريكيين، وفتح أرضها، ومياهها، وسمائها أمام الجيش الأمريكي! داعش تهدد بشكل خاص الدول التي تكون تحالفات منافسة لأمريكا، مثل دول مجموعة بريكس. كان غريبا أن يُخرج جربوع شيشاني رأسه، ويهدد روسيا بأنه سيحتل موسكو. تساءل الناس: ماذا يظن الدواعش أنفسهم؟ يفتحون موسكو؟ هم إذن أقوى من جيوش نابليون ومن جيوش هتلر؟ ولكن لم يكن غريبا أبدا أن يظهر زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، بعد أقل من يوم من تصريح الداعشي الشيشاني مهددا موسكو، ليعلن إقامة فرع للتنظيم الإرهابي في القارة الهندية! إذن عيال أمريكا سيحتلون مومبي ونيودلهي أيضا. نحن بانتظار ظهور الدواعش بين  الإيغور في الصين ليهددوا باحتلال بكين وشنغهاي. وترقبوا ظهور داعش في جنوب أفريقيا والتهديد باحتلال جوهانسبرغ، وترقبوا ظهور داعش في البرازيل والتهديد باحتلالها برمتها. وداعش تهدد طبعا، ومن باب ذر الرماد في العيون، باحتلال لندن، وباريس، وبرلين، وواشنطن، ونيويورك! ألم يقل زعيم داعش عند إطلاق سراحه من السجن الأمريكي في بغداد (see you in New York)؟ داعش قوة عالمية لم يخلق مثلها في البلاد.

 

السياسة الأمريكية لم تقم في يوم من الأيام على أسس أخلاقية أو إنسانية، لكنها الآن وصلت إلى مستوى غير مسبوق في انعدام الخجل وفقدان احترام النفس. إنها تظهر اليوم متخفية وراء قناع داعش وبوكو حرام. الأمريكيون يظنون أنهم يضحكون على العالم بمثل هذه المسرحيات الهزيلة، لكنهم في الحقيقة لا يضحكون إلا على أنفسهم وعلى أمثالهم من الأغبياء. العالم كله يعرف أن داعش وأخواتها ذرية أمريكية خالصة أبا وأما.

 

لا بد من محاربة داعش والقضاء عليها، وإنما ليس بالتحالف مع أمريكا لأن أمريكا هي داعش وداعش هي أمريكا، بل تكون محاربة داعش بإقامة تحالف القوى الإنسانية التقدمية في العالم التي ترفض الهيمنة الأمريكية تماما مثلما ترفض إرهاب داعش وهمجيتها وقطع الغيار الوهابية السعودية فيها. والأمريكيون يجب أن يستفيقوا من غفلتهم فالعالم لم يعد يصدق بهم، وهذه الأساليب الهزيلة في الابتزاز ستكون لها عواقب لن تكون أمريكا نفسها في منجى منها.

 

Facebook
Twitter