اميركا بعد هزيمتها امام المقاومة العراقية : سياسة حمقاء وحروب عن بعد

/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-bidi-font-family:Arial;}

الآن، وفي الوقت الذي تنسحب القوات الاميركية من العراق بعد اكثر من ثماني سنوات من الحرب والاحتلال، فإن استخدام التكتيكات الحربية عن بُعد، وقوات العمليات الخاصة الخفيفة الحركة، والوسائل القتالية الاخرى باستثناء التدخل العسكري المباشر، ما هي الا نماذج على التأثير الدائم الذي تركته الحرب في العراق على السياسة الخارجية للولايات المتحدة.

ويقدم محللو الاخبار في صحيفة كريستيان ساينيس مونيتير تعريفاً لحروب المستقبل بالقول: شن الهجمات باستخدام الطائرات بدون طيار او اطلاق الصواريخ من السفن، او ما يطلق عليه “فوق الافق”، او التدخل العسكري عن بُعد، يهدف الى ضرب اهداف في دول اجنبية من دون الحاجة الى ارسال قوات راجلة الى ذلك البلد.

يقول ستيفن وولت، الاستاذ في مركز بلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة كامبريدج ان “تبعات حرب العراق ستلقي بظلالها لبعض الوقت على شكل تكتم على تنفيذ بعض العمليات العسكرية في بلدان بعيدة كالعراق، فلن نُقدم على عمليات احتلال طويلة الآن، او محاولات التأثير في السياسات الداخلية لأي دولة”. وبعبارة اخرى، فإن اميركا ستنفذ عمليات ضد اهداف محددة عن بُعد، مثلما تفعل في باكستان واليمن، ولن تتدخل مباشرة في مناطق بعيدة كما حدث في العراق.

القوات الاميركية تغادر العراق بعد ان تكبّدت خسائر فادحة في حرب كان من المؤمل الا تطول لأكثر من عدة اشهر. وهذا ما سيظل ماثلا في اذهان صناع القرار الاميركي على مستويي السياسة الخارجية والامن القومي، لسنوات طويلة. فالثمن الباهظ في الارواح والمال هو السبب المركزي الذي سيردع الولايات المتحدة عن شن مزيد من الحروب على النمط العراقي، في اي وقت قريب، كما يُجمع معظم خبراء السياسة الخارجية في واشنطن. وبالاضافة الى ذلك، هناك من يعتقد ان العراق كان مغامرة بائسة على الرغم من الاستثمار الهائل الذي وضعته واشنطن فيها.

ويقول كينيث بولاك مدير مركز سابان لشؤون الشرق الاوسط في مؤسسة كارينغي في واشنطن ان: الولايات المتحدة لن تنسى للحظة فشلها في عملية اعادة البناء في العراق، فالدرس الذي تعلمناه هناك ان الغزو هو الجزء السهل من العملية، بينما اعادة البناء هو الجزء الاصعب والذي يتطلب جهدا اطول، واذا لم تكن مستعدا لذلك، فلن تنجزه أبدا.

كما أن التكاليف المالية الباهظة لحرب العراق ستعيد صياغة سياسة واشنطن في مجال الانفاق الدفاعي لاجيال مقبلة، فهي ستحد من خيارات الولايات المتحدة لتحديث قواتها المسلحة.

اما جيمس ليندسي مدير الدراسات في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، فيعتقد ان “حرب العراق وضعت ضغطا هائلا على الخزانة وأسهمت بشكل كبير في الوصول بنا الى الوضع المالي الراهن المحفوف بالمخاطر، وهذا يعني انه سيكون لها تداعياتها على المستقبل، حيث سنكون بحاجة الى تجديد طائراتنا وسفننا وانظمة تسلحنا، فكل ذلك يكلف مبالغ هائلة”. ويضيف ليندسي ان التكاليف “المباشرة” للحرب على اهميتها، فان التكاليف “غير المباشرة” لهذه الحرب على السياسة الخارجية الاميركية ستكون اكثر تأثيرا.

واوضح انه لا يعني القول “ان كل فشل في السياسة الخارجية الاميركية مرده العراق، فهذا ليس صحيحا، لكن حرب العراق اسهمت بالتأكيد في التصاقنا بعادة سيئة تتمثل بالتركيز على مسألة واحدة وعدم الاستجابة الى التحولات العالمية الرئيسية مثل صعود الصين”.

والمسألة لا تقتصر على العراق، بل الحرب في افغانستان ايضا، والتي دخلت عقدها الثاني. فهي الاخرى، اسهمت في هوس الولايات المتحدة في منطقة لا يحتمل ان تلعب دورا مهما في رخائها المستقبلي.

ويقول ليندسي ان الولايات المتحدة التي استنفدت حرب العراق قواها، لاكثر من عقد من الزمن، وجدت نفسها الآن تلاحق الزمن ازاء التطورات في منطقة بالغة الاهمية لمستقبل الرفاه الاميركي.. انها منطقة شرق آسيا. ولكن هذا ما عليها ان تفعله الآن، وهي في وضع اقتصادي ضعيف ورأي عام انهكته التدخلات الخارجية، ويرغب في الانسحاب نهائيا من قضايا العالم.

ويشعر حتى بعض اشد مؤيدي الغزو الاميركي للعراق بالقلق ازاء انعكاسات ذلك الغزو على المستقبل، اذ يذهب روبرت ليبر بروفيسور العلاقات الدولية في جامعة جورجتاون بواشنطن الى ان الولايات المتحدة بدأت مرحلة الانكفاء على الداخل ولكن “العراق بالطبع، جزء من الصورة”. فالتكاليف التي تكبدتها الولايات المتحدة كانت بسبب الحرب “فهذه التكاليف كانت هائلة ليس على مستوى الارواح والمال فحسب، بل على صعيد مصداقيتنا والاهتمام الذي اوليناها اياه”. وربما يتضح ان ثمة تكلفة اخرى غير مباشرة للحرب تتمثل في تلطيخها سمعة القوات الاميركية كقوات فاعلة، وكأداة لا محدودة القوة للسياسة الخارجية الاميركية.

البروفيسور وولت من جامعة هارفارد يقول انه “كان ثمة احساس بان الجيش الاميركي خارق وقادر على القيام باي مهمة توكل اليه، بعد سلسلة النجاحات التي ظفر بها من حرب الخليج الى كوسوفو وافغانستان، لكن كل ذلك انتهى مع حرب العراق الاخيرة. والآن، سنكون اكثر حذرا في اللجوء الى التدخلات العسكرية”.

واشار وولت الى ان عقيدة بوش ربما لم تمت، اذ ان اي رئيس اميركي لن يستبعد اللجوء الى الضربات الوقائية مستقبلا، لكن قد يستغرق الامر وقتا طويلا قبل ان يحدث ذلك.

ويقول هنري باركي محلل الشؤون العراقية السابق في وزارة الخارجية الاميركية والاستاذ بجامعة ليهي بولاية بنسلفانيا ان “فكرة الحرب الوقائية كعقيدة قد ترمى في سلة مهملات التاريخ، فحتى الرؤساء الجمهوريون سيفكرون مرتين وثلاث مرات قبل الاقدام على شن حروب مماثلة”.

واضاف ان “التحفظ الجديد” الذي احدثته حرب العراق يمكن ان تلحظه من النهج الذي اتبعه اوباما حيال ليبيا، كما يقول باركي، لكن خبراء آخرين يردون بأن ليبيا لم تكن تشكل مصلحة اساسية للولايات المتحدة، وان الاختبار الحقيقي للسياسة الاميركية سيكون ايران.

اما كينيث بولاك، المحلل السابق في “سي، اي، ايه” لشؤون الامن القومي وحرب الخليج، فيرى ان ما يقلقه اكثر من ايران، هو كيف جعلت حرب العراق الاميركيين ينقلبون ضد الانخراط في العالم، فهذا، اضافة الى قيود الميزانية الناجمة الى حد كبير عن الحرب، قد يدفع الاميركيين الى الاستنكاف عن الاضطلاع باي دور في اماكن يعتقد بولاك ان الانسحاب منها سيكون ضربا من قصر النظر. ويستطرد قائلا ان “ما يقلقني في مرحلة ما بعد الاجهاد الذي اصابنا في العراق، وتركيزنا لدرجة الهوس على مشكلاتنا المحلية، ان ننتهي الى سياسة خارجية تتسم بالحماقة”.

Facebook
Twitter