المسيحيون يجدون في سورية ملاذهم الآمن بعد ان سامتهم (كردستان) صنوفا من العسف والهوان

كتب: روكان الفضلي:

 

عندما بدأ موسم الهجرة الى الشمال بعد اندلاع الحرب في العراق، لم تكن عائلة داليدا الاشورية تنوي الرحيل عن حي الدورة في بغداد. فالعائلة لم تعرف غيره عنوان سكن لها وحاولت التأقلم مع ما فرضته الاوضاع الامنية السيئة معتبرة إنها كغيرها من العائلات لا بد أن تتكيف مع الحرب إلى حين انتهائها. لكن في اواسط العام 2006، عندما بدأ التهديد يصيب المسيحين في شكل مباشر، تعرضت عائلة داليدا لمضايقات واستفزازات ازدادت وتيرتها مع رفض العائلة الرحيل، إلى أن بدأ التهديد بالتصفية يقترب منهم أكثر، وقضى على خالها برصاص مسلحين. ترك الخال ينزف ولم يسعفه نقله الى المستشفى مضرجاً بدمائه. فارق الحياة ودفع العائلة كلها، بأجيالها الثلاثة إلى حسم خيارها في المغادرة.

 

تقول داليدا «بعد شهر فقط رحلنا، وفي تلك الفترة كانت اشتدت المضايقات علينا. فتوجهنا إلى محافظات الشمال، ذهبنا الى دهوك حيث الاوضاع الامنية مستقرة. مكثنا سنتين لكن الحياة كانت مكلفة جداً وصعبة».

 

وصعوبات الحياة في الاقليم الكردي غير قليلة ولا بسيطة وتبدأ بالوضع القانوني للقادمين من خارجه، فهم لا يعتبرون مواطنين ينتقلون من منطقة إلى أخرى داخل بلد واحد وإنما يعاملون كضيوف بموجب أوراق إقامة تجدد دورياً مقابل مبلغ مالي. هو وضع اشبه باللجوء داخل البلد يفسره البعض بالحاجة الى ضبط الامن في الاقليم، وآخرون بأنها مجرد إجراءات شكلية لا تعيق حياة الوافدين الجدد أو النازحين بحسب التسمية الرسمية التي أطلقت عليهم.

 

لكن الصعوبات في الواقع لا تقتصر على ورقة تختم وتجدد كل شهر أو اثنين وإنما تتجاوزها إلى تفاصيل الحياة اليومية من غلاء المعيشة الذي لا تخففه مساعدات أو إعانات كما تلعب اللغة عائقاً أساسياً أمام احتمالات العمل أو الدراسة. تقول داليدا «عندما غادرنا كنت تخرجت في الثانوية العامة بمعدل جيد أتاح لي دخول كلية الهندسة في جامعة بغداد وظننت أنه يكفي نقل ملفي لأكمل دراستي في جو آمن لذا حرصت على إنقاذ شهادتي وورقة القبول الجامعي». لكن الواقع الذي واجه العائلة كان مختلفاً جداً عما توقعته الشابة حيث ما عاد ممكناً لها أو لإخوتها متابعة درساتهم.

 

«رفضوا ملــفي لأنهم لم يعترفوا بشهادتي وكانوا أوقفوا قبول الطلاب من خارج الاقليم بحجة ان دخول كلياتهم يخضع لتقييم وزارة التعليم العالي عندهم وليس لوزارات بغداد». هذا قبل أن تعرف داليدا أن التعليم الرسمي أصلاً يعطى بالكردية والتــــعليم الانكليزي الخاص يفوق قدراتها المالية. فالمدخرات التي أنقذتها العائلة لم تكن لتصرف على تخريجها مهندسة.

 

وتقول: «حتى أبي لم يستطع العمل، وأنا حاولت وفشلت. فاتقان الكردية أساسي ونحن لا نتكلم إلا العربية».

 

ولم تمنع تلك العوائق وغيرها العائلة من الصبر سنتين قبل الانتقال الى دمشق في نهاية 2008. فالأمن، مهما بلغ ثمنه يبقى مطلباً أول لمن ضاقت به الدنيا خصوصاً إذا ترافق بأمل استقرار الوضع في بغداد تسهيلاً للعودة.

 

وتقول داليدا «اخترنا سورية لأن المعاملة هنا افضل بكثير اسهل من ناحية إجراءات الدخول وحقوق اللاجئ وحتى المعاملة الاجتماعية».

 

داليدا تبلغ اليوم 21 عاماً تعمل ممرضة في المركز الصحي التابع لدير خليل ابراهيم في حي كشكول، ضمن ضاحية جرمانا. نسيت الشابة إلى الأبد حلمها بدراسة الهندسة أو أي دراسة أخرى، وبات أقصى ما تتمناه تحديد مصيرها ومصير عائلتها.

 

 

 

Facebook
Twitter