المسؤول الاميركي الذي رافق المالكي 18 ساعة في اليوم يكشف اسراره- القسم الاولانا رشحت المالكي لرئاسة الوزراء عام 2006 وانا نصحت بابعاده عام 2010

نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالا بعنوان “لماذا علقنا مع المالكي وخسرنا العراق “،  لـ “علي الخضيري”، وهو رئيس مجلس الادارة والرئيس التنفيذي لـ “دليل الترجمان في دبي”، والذي عمل مساعدا لخمسة سفراء في الولايات المتحدة، ومستشارا لثلاثة من كبار رؤساء القيادة المركزية الامريكية، ويعتبر اقدم مسؤول امريكي في العراق.

كتب الخضيري: لتفهم لماذا ينهار العراق، يجب ان تتعرف اولا على رئيس الوزراء نوري المالكي واسباب دعم الولايات المتحدة له منذ عام 2006.

لقد عرفت المالكي (المعروف بـ “ابو اسراء” لدى الاشخاص المقربين منه) لأكثر من عقد من الزمان. سافرت معه الى ثلاث قارات، وتعرفت على عائلته وبطانته عن قرب، وعندما كان المالكي عضوا غير بارز في البرلمان العراقي، كنت من بين عدد قليل جدا من الامريكيين الذين تلقوا مكالمات هاتفية منه في بغداد.

في عام 2006 ساعدت في تقديمه للسفير الامريكي وترشيحه، بوصفه خيارا واعدا، لمنصب رئاسة الوزراء، وفي عام 2008 عندما سقط مريضا، قمت بترتيب رحلته العلاجية الى لندن ورافقته حوالي 18 ساعة في اليوم في مستشفى ولينغتون. ثم عملت على الضغط على العائلة المالكة الاقليمية التي كانت متشككة آنذاك لدعم حكومة المالكي عام 2009، لكن بحلول عام 2010 حذرت نائب رئيس الولايات المتحدة وكبار موظفي البيت الابيض من دعم المالكي واوصيت بسحب دعمهم له، حيث ادركت حينها ان استمراره في منصبه سوف يخلق انقساما في الحكومة العراقية، بسبب الاستبداد والطائفية التي من شانها ان تمزق البلاد وتدمر المصالح الامريكية، ومع ذلك تمسكت الادارة الامريكية بالمالكي، ونتيجة لذلك نواجه الآن هزيمة استراتيجية في العراق وربما في الشرق الاوسط الكبير.

وتحدث الخضيري عن نشأة المالكي وبيئته قائلا: ولد نوري المالكي في قرية طويريج الواقعة على نواحي مدينة كربلاء، وأبو اسراء هو حفيد لاحد زعماء العشائر التي ساعدت في انهاء الحكم الاستعماري البريطاني عام 1920. نشأ في عائلة متدينة.

انضم المالكي الى تنظيم حزب الدعوة الذي كانت دعوته ترمي الى ضرورة انشاء دولة متدينة في العراق بأي وسيلة، وبعد تصاعد الاشتباكات بين العلمانيين والبعثيين والمسيحيين والجماعات الاسلامية بما في ذلك الدعوة، قررت حكومة صدام حسين حضر الحركات المتنافسة واعتبار الانتماء لها جريمة عقوبتها الاعدام., وقد تم اعتقال العديد من منتسبي حزب الدعوة الذي اتُّهم بأنه احد ملحقات رجال الدين وضباط المخابرات الايرانيين. وعادت العديد من جثث المعتقلين الى عوائلهم مشوهة، وكان من بين القتلى بعض من اقارب المالكي، الأمر الذي كان عاملا في التكوين النفسي لشخصية رئيس وزراء العراق الحالي.

واستمرت تحركات المالكي على مدى ثلاثة عقود بين ايران وسوريا، حيث نظم عمليات سرية ضد نظام صدام حسين، وعين في نهاية المطاف رئيسا لفرع حزب الدعوة العراقي في دمشق، وقد تلقى الحزب رعاية ودعما من قبل “آية الله الخميني” في جمهورية ايران الإسلامية.

وعندما استخدم العراق الاسلحة الكيمياوية الموردة من الغرب خلال الحرب العراقية – الايرانية التي اندلعت عام 1980، ردت طهران باستخدام وكلاء الاحزاب الدينية كحزب الدعوة في معاقبة مؤيدي صدام، حيث فجرت عناصر من حزب الدعوة السفارة العراقية في بيروت عام 1981 في احدى الهجمات الانتحارية المتطرفة، وقصفوا ايضا السفارتين الامريكية والفرنسية في الكويت وخططوا لاغتيال الامير، ونظموا العشرات من المؤامرات لاغتيال كبار اعضاء حكومة صدام، بما في ذلك صدام نفسه، والتي فشلت فشلا ذريعا، ما ادى الى اعتقالات جماعية وعمليات اعدام لأعضاء الحزب.

يواصل الخضيري حديثه: ثم خلال الغزو الامريكي للعراق عام 2003، عاد المالكي الى وطنه وحصل على وظيفة مستشار رئيس الوزراء ابراهيم الجعفري، وترأس لجنة اجتثاث البعث التي احتفل بتأسيسها الاسلاميون كوسيلة للانتقام.

ويضيف الخضيري: تطوعت للخدمة في العراق بعد احداث 11/9، وكنت قد أُرسلت الى بغداد من قبل مكتب وزير الدفاع الامريكي في مهمة لمدة ثلاثة اشهر، والتي استمرت لعشر سنوات في نهاية المطاف، كمساعد خاص للسفير باتريك كينيدي، وهمزة وصل مع سلطة الائتلاف المؤقتة لمجلس الحكم العراقي، على اعتباري احد المسؤولين الامريكيين القلائل الذين يجيدون الحديث باللغة العربية، واصبحت على تواصل دائم مع القادة العراقيين، و على دراية بكل ما يجري في المنطقة الخضراء. وعملت بعد احتلال العراق على تسهيل “تطبيع” الوجود الدبلوماسي الامريكي في بغداد. كانت الفترة الاولى بعد الاحتلال مرهقة لكنها مرضية للقادة العراقيين والامريكان الذين خططوا للتعاون معا في ازالة مخلفات حكم صدام حسين.

ويتابع الخضيري: اصبح المالكي في هذه الفترة من اصدقائي المقربين. ثم ظهرت بوادر الكارثة خلال فترة حكم الجعفري. حيث ارتفعت التوترات العرقية والطائفية، خاصة من قبل قادة الاحزاب الدينية الذين بقيت جرائم صدام ماثلة في اذهانهم، فبدأت مخططات الانتقام ضد انصاره، مما ادى الى حلقة مرعبة من التعذيب والاغتصاب وغيرها من الانتهاكات، فأطلق اعضاء حزب البعث المجتثين تمردا دمويا، في حين جند تنظيم القاعدة مقاتلين في هجمات ارهابية بسيارات مفخخة وعمليات خطف كمحاولة لإثارة الفوضى.

وبعد تفجير مرقد الإمام العسكري في سامراء عام 2006، اطلق الزعماء الاسلاميين هجمة مرتدة شرسة مما ادى الى حرب خلفت عشرات الآلاف من القتلى الابرياء، وقد فرض حينها الجعفري عقوبات على الحرب الاهلية  والتطهير العرقي على نحو فعال، رافضا مقترح الامريكان بحضر التجول كمحاولة لتقليص حركة المواطنين والحد من عمليات القتل.

ويقول الخضيري: قررت واشنطن بعد تلك الاحداث اختيار زعيم بإمكانه سحق الميليشيات وتوحيد العراقيين تحت راية القومية من خلال حكومة شاملة. كنت انا وزميلي بيلز من الامريكان المتحدثين باللغة العربية وعلى علاقة جيدة مع شخصيات قيادية في البلاد من بينها المالكي، الذي كان الرجل الوحيد الذي بدا من المرجح ان يكون قائدا فعلا وعلى دراية بكيفية  اقتناص الفرص لكسب تأييد جميع الفصائل العراقية.

وعلى الرغم من تاريخ المالكي الغامض والعنيف، الا انه كان يعمل بجد وحسم بعيدا الى حد كبير عن الفساد، وكان ضعيفا سياسيا، مما رجح احتمالات اعتماده التعاون مع زعماء عراقيين آخرين للحفاظ على ائتلاف متماسك. وقد شجع بدوره السفير الامريكي “زلماي زادة” على دعم المالكي، وتفاجأ المالكي في باديء الامر بترشيحه لمنصب رئيس الوزراء لكنه انتهز الفرصة ليحتل المنصب في 20 مايو 2006، متعهدا بقيادة قوية وموحدة للعراق.

 ويتحدث الخضيري عن فترة حكم المالكي قائلا: واجهت حكومة المالكي في السنوات الاولى من قيادة العراق تحديا هائلا، تزايد العنف الذي تسبب بقتل  الآلاف من الابرياء شهريا وتشريد الملايين وانهيار صناعة النفط وانقسام الشركاء السياسيين وظهور ساسة فاسدين، لكن مع زيادة القوات الامريكية عام 2007 ووصول السفير رايان كروكر والجنرال ديفد بترايوس، تزايدت الآمال حول امكانية حفظ الدولة العراقية من الانهيار.

وعلى عكس منافسيه، لم يسافر المالكي خارج البلاد الا لفترات قليلة، وعمل بشكل روتيني لساعات مطولة مع كروكر وبترايوس لتنسيق السياسات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والسعي لتذليل العقبات التشريعية وتعزيز النمو الاقتصادي، فيما تواصل توسع تنظيمات القاعدة والبعث والميليشيات. وقد كان دوري آنذاك مساعدا خاصا ومرافقا لـ “كروكر” في لقاءاته مع القادة العراقيين ووكيلا عنه احيانا عند اختلاف القادة في ما بينهم، حيث اضطرت الولايات المتحدة مرارا للتوسط بين اعضاء القيادة العراقية، لاننا شعرنا بأن البلاد لن تصبح مستقرة الا مع قيادة موحدة متماسكة يدعمها استخدام القوة ضد العنف والتطرف.

وكانت من اكبر الإنجازات في هذه المرحلة “حركة الصحوة”، التي وافق على دعمها المالكي بعد مفاوضات طويلة مع كروكر وبترايوس، والتي تمت باتفاق بين المسلحين السنة والامريكان على مواجهة تنظيم القاعدة بدلا من مقاومة القوات الامريكية وبالتالي اندماج السنة في العملية السياسية، بشرط اقامة مشروع قانون في وقت لاحق لتوظيف وتمويل بعض مقاتلي العشائر السنية، لكن الكثير من الوعود لم تلب، مما ترك المقاتلين عاطلين عن العمل وعرضة للتطرف.

ورغم ان المالكي شكا في عدة مؤتمرات صحفية من عدم كفاية صلاحياته الدستورية، وجوبه دائما بالحث على الصبر من قبل حكومة بوش، الا ان حكومته قاربت على الاستقرار بحلول عام 2008، وعم الهدوء في العلاقات مع حكومة الاقليم، وعمل المالكي وخصومه السياسيين على صياغة التسويات، ووقعت عقود بمليارات الدولارات مع شركات متعددة الجنسيات للمساعدة في تطوير العراق، وعادت الآمال في وضع البلد على المسار الصحيح.

لم يتصرف المالكي دائما بحنكة، فلم يتحرر من عقدة نظرية المؤامرة بعد عقود من مطاردة اجهزة صدام الاستخباراتية له، فكان دوما مقتنعا بأن منافسه رجل الدين مقتدى الصدر يسعى الى تقويض سلطته. حتى قرر في عام 2008 شن هجمات على جيش المهدي التابعة للسيد الصدر في عملية سميت ” صولة الفرسان”، داهم خلالها الجيش العراقي مقرات جيش المهدي في مدينة البصرة، بهجمات تفتقر الى التخطيط والخدمات اللوجستية والدعم السياسي من القادة الآخرين او الغطاء الجوي.

ورغم خطورة القرار والقلق من تبعاته الا انه وبعد اجتماع دام ساعات طويلة بين كروكر وبترايوس بحضوري، طالب كروكر قيادات العرب السنة والشيعة والقيادات الكردية بالوقوف علنا وراء المالكي، ونجحت “صولة الفرسان”.

ثم يتناول الخضيري مرحلة تولي اوباما رئاسة الحكومة الامريكية فيقول: قبل الاشهر الاخيرة من عام 2008، نجحت المفاوضات العراقية – الامريكية في جعل التزام اميركا المستمر للعراق من اهم حتميات البيت الابيض، لكن مغادرة بوش لمنصبه وانهيار الاقتصاد العالمي كانا سببين في عدم ابرام الاتفاق، وقد غادرت العراق حينها مع كروكر في 13 فبراير عام 2009، اي بعد تعرض بوش لهجوم بزوج من الاحذية من قبل احد الصحفيين العراقيين.

Facebook
Twitter