المالكي يطيح بالمالكي ـ القسم الثالث والاخيرعبد الرضا الحميد

العدو الاول والاخير للمالكي هو نفسه وسياساته ، فهو الذي طعن نفسه وراكم ضده اغلبية ساحقة

 

خامسا: حزب المالكي وحلفاؤه:

من المعروف تاريخيا ان حزب الدعوة الاسلامية الذي يتولى امانته العامة حاليا نوري المالكي وتأسس في خمسينيات القرن الماضي حزب اسلامي نهل مؤسسوه افكار مثابة التأسيس الاولى من ثلاثة مناهل كما كشف مؤرخو الحزب من كوادره: افكار الفيلسوف الاسلامي محمد باقر الصدر الذي يعده البعض منهم مؤسس الحزب، وبعضهم ينكر ذلك، وادبيات حركة الاخوان المسلمين في اول تمظهراتها على الساحة المصرية اضافة الى الفقه والتاريخ الشيعيين.

وكأي حزب اسلامي، فانه يتقاطع تماما مع الديمقراطية بمفاهيمها اليونانية القديمة او الغربية المعاصرة،  بل يعد الرأسمالية فكرا ومنهجا وكل ما انتجته من آليات سياسية واجتماعية واقتصادية عدوة للاسلام ، وعدوة للانسان، كما شرح الصدر ذلك مطولا في كتابه المهم (فلسفتنا)، ويرى ان الديمقراطية هي مفهوم طارئ على البيئة الفكرية والاجتماعية والعقيدية العربية والاسلامية وان بديلها الاسلامي هو نظام الشورى النخبوي.

ولم تندرج الديمقراطية ضمن متبنيات الحزب في كل ادبياته، فهو يسعى الى بناء دولة اسلامية على وفق الفقه الشيعي وان لم يتبن ولاية الفقيه بشكل قاطع، ولم يخف تطلعه الى بناء هذه الدولة عبر اساليب عدة لعل من اهمها الثورات على انظمة الحكم ومقارعتها بالعمل المسلح، وكانت لديه اجنحة مسلحة نفذت عمليات ضد النظام السابق في اهوار العراق الجنوبية وجبال العراق الشمالية ومصالح العراق في البلدان الاخرى كالسفارات وغيرها، بل اقحم نفسه في اتون نموذج الديمقراطية الاميركي حين وافق على مقررات مؤتمر لندن للمعارضة العراقية التي اكدت على تغيير النظام السابق وفقا لآليات ما يسمى بقانون تحرير العراق الذي اقره الكونغرس الاميركي ورصد له موازنة تجاوزت التسعين مليون دولار، ومنها التغيير بواسطة التدخل العسكري الاميركي لاسقاط النظام واقامة (نظام ديمقراطي متأمرك) على انقاضه.

وبعد الغزو، ورغم ان الاميركان، لم يحبذوا تمثيل حزب الدعوة الاسلامية في مجلس الحكم سيئ الصيت بسبب نزرة تأثيره الجماهيري، الا ان ضغوطا من بعض الاطراف العراقية جعلت بول بريمر يوافق على تمثيل ابراهيم الجعفري لهذا الحزب، فحاول الحزب تصدر المشهد السياسي بزوادات بعض قياداته الثقافية والاعلامية، وبغتة وجد العراقيون انفسهم امام طروحات (الشفافية) و(الديمقراطية) و(التعددية) و(التداول السلمي للسلطة) على ألسنة الجعفري ومعاونه المالكي واقرانهما، بل كان لهم الدور الفاعل في (فدرلة دستور العراق) ووضع نظام (المحاصصة العرقية والطائفية) وما يسمى بـ (الديمقراطية التوافقية).

ان انخراط حزب الدعوة الاسلامية في معمعة النظام السياسي الجديد في العراق لم يكن ناتج ايمان بالديمقراطية وفق نموذجها الاميركي كخيار للعقد الاجتماعي، بل كان نتيجة انعطافة تكتيكية استلزمتها ضرورة المرحلة الانتقالية في العراق، ولان هذه الانعطافة طارئة على البيئة الفكرية الداخلية للحزب، فقد شهدت قيادته للدولة العراقية من جهة ولعلاقاته التحالفية من جهة اخرى الى سقطات كبيرة.

ففي قيادته للدولة سواء بعهد ابراهيم الجعفري او نوري المالكي شهد العراق نوعا حادا من الاقصاء للاخر (السياسي او الطائفي) تمثل في الاجراءات الشديدة في آلياتها والكيدية في اهدافها التي اتبعت في تنفيذ ما يسمى بقانون المساءلة والعدالة، وفي علاقاته التحالفية كانت الندية الاقصائية هي المحور الاساس بدل الندية التكافلية، فلم يكن الاختلاف في الرأي عند حزب الدعوة مع حلفائه نعمة قدر ما هو نقمة واجبة الازالة بأية كيفية او وسيلة.

فالمتأزم من رواسب العلاقة الملتبسة بين حزب الدعوة والمجلس الاعلى الاسلامي بزعامة عبدالعزيز الحكيم ايام كان الاثنان يتخذان من ايران ملجأ لهما وما شهدته من خصومات بلغ بعضها حد استخدام السلاح بينهما انعكس بشكل او بآخر على علاقتهما التحالفية، فبين الاثنين تقاطعات فكرية واسلوبية ومنهجية وشخصية لم تستطع ايران تسويتها بينهما عندما كانا هناك، ولم تستطع ارهاصات العملية السياسية الجديدة في العراق احتواءها وظل الصراع بينهما على صدارة المشهد السياسي الشيعي واضحا لكل ذي لب.

وفي الصدد ذاته فان العلاقة بين التيار الصدري وحزب الدعوة كانت اشد التباسا بسبب من تشكيكات قيادة الدعوة بمرجعية السيد محمد محمد صادق الصدر (والد السيد مقتدى الصدر)، ثم وقوف حزب الدعوة على تل الفرجة ايام كانت قوات الاحتلال الاميركية تحاصر مدينة النجف وجيش المهدي فيها.

هذه العلاقات التحالفية الملتبسة التي لم تجد سببا موضوعيا واحدا لقيامها عدا الاصطفاف الطائفي، كان لها ما يقابلها داخل حزب الدعوة اذ انشطر عدة مرات على نفسه فصار هناك حركة الدعوة الاسلامية بزعامة عبدالزهرة سليم وحزب الدعوة الاسلامية تنظيم الداخل بزعامة عبدالكريم العنزي وحزب الدعوة الاسلامية تنظيم العراق بزعامة خضير الخزاعي وحزب الدعوة الاسلامية الكوادر بزعامة عبدالرحمن ابو رغيف وغيرها من الانشطارات التي توجت بتنحية ابراهيم الجعفري عن الامانة العامة للحزب وتسمية نوري المالكي بديلا عنه عام 2006 وذهاب الجعفري الى تأسيس تيار الاصلاح الوطني.

تسبب تراكم هذه العلاقات المريبة وشيوع النزعة الباطنية بين اطرافها والتطلعات الشخصانية الى ركوب القيادة ونزعات البعض الى جني المزيد من المنافع واقتطاع اكبر ما يمكن اقتطاعه من كعكة العراق بنشوء ما يمكن تسميته بتحالف الاخوة الاعداء الذي قاد حزب الدعوة الى انزياحات ديكتاتورية تجلت ابرز صورها في حكم نوري المالكي الذي تسبب انفراده بالقرار في انفراط ما تبقى من العلاقات التحالفية حتى ليلة ازاحته بارادة حلفائه من الاخوة الاعداد وتنفيذ (اصدقائه) الاميركان الذين لم يشفع عندهم تخطي المالكي مشاعر الشعب العراقي وانفراده دون سائر اقطاب العملية السياسية بوضع اكليل من الزهور في مقبرة قتلة الشعب العراقي من سفاحي المارينز الاميركي.

سادسا: المالكي نفسه:

مع جنوح المالكي، كما يؤكد بعض القريبين منه ايام المعارضة، الى النزعة الصدامية مع الاخر، وركوب رأسه دائما عند الاختلاف، فقد كشفت سيرته منذ ان عاد الى العراق بعد الغزو انه سريع التحول من موقف الى نقيضه، فبعد ان كان اشد الداعين الى فدرلة العراق دستوريا تحول بقدرة كرسي السلطة الى مناهض للفدرلة، وبعد ان كان صديقا مفضلا عند الاميركان عندما كاد لامين عام حزبه ابراهيم الجعفري وساعد الاميركان على الاطاحة به عام 2006 صار على اعتاب ولايته الثالثة ندا لهم، وبعد ان تبجح كثيرا بالتداول السلمي للسلطة رفض تسليمها الى اياد علاوي عندما فاز في انتخابات عام 2010 واجترح تفسيرا لمفهوم الكتلة الاكبر التي تشكل الحكومة يناقض مخبر الدستور العراقي ومظهره عندما سوغ فوز الخاسرين وخسارة الفائزين ، وحينما وقع في الفخ الذي نصبه لاياد علاوي في انتخابات 2014 اراد الارتداد الى المنطق الدستوري الذي حرفه، لكن سيف العذل كان اسبق فاطيح به في نفس السيناريو الذي اطاح باياد علاوي.

القيادي في المجلس الاعلى الاسلامي العراقي ونائب رئيس الجمهورية السابق عادل عبد المهدي احد اصدقاء المالكي المقربين قال عنه : (المالكي حصل على كل التأييد والدعم منا ومن كثيرين ولطالما اتُهمنا بالطائفية والانبطاح امامه فسياساته وممارساته راكمت له بمرور الايام عدوا قاهراً جباراً، هو الذي هزمه فالعدو الاول والاخير للمالكي هو نفسه وسياساته وبدون ان اسيء له ولغيره فهو الذي طعن نفسه وراكم ضده اغلبية ساحقة داخل حزبه وتحالفه والقوى الوطنية والمرجعية ودول العالم كافة واوهم نفسه ومريديه، ولم يعد يستمع سوى لحجته ورأيه فهو الصحيح دائماً والاخرون مخطئون دائماً. وكأنه –حاشاه الله- اتخذ الهه هواه… لم نغدر بالمالكي ، فهو من غدر نفسه، للأسف الشديد وغدره المنافقون والمنتفعون والانتهازيون.. فنحن نصرناه تأسياً بقول رسولنا [ص] “انصر اخاك ظالماً او مظلوما”.. نصرناه في كل صحيح قام به.. وكل عدوان تعرض له.. ونصرناه بنصحه وردعه، محبة، لا حقداً وكراهية.. والوقوف بوجهه، رحمة به وبنا وبالعباد، في كل سياسة ظالمة او عدوانية انساق اليها.).

ومع عدم خلو خطبة من خطب المالكي من مفاهيم الديمقراطية الا انه كان عمليا يسحق اي تمظهر لها ويؤسس لدولة حزبه، فانزل طائراته المروحية على رؤوس المتظاهرين في الخامس والعشرين من شباط المعروفة عندما هتف المتظاهرون (كذاب نوري المالكي)، ورفض اي استجواب له امام مجلس النواب، واستحوذ على الهيئات المستقلة قانونا ودستورا وربطها بمكتبه مثل البنك المركزي العراقي وهيئة النزاهة وغيرهما، واراد تحويل مجلس النواب الى دائرة من دوائر حكومته، ورفض استجواب اي وزير او ضابط من دون موافقته، وتشفع للكثير من الفاسدين وساعد في اخراجهم من قبضة العدالة والخروج من العراق للاحتماء بجنسياتهم الاوربية الاخرى، وعسكر الشارع على نحو مبالغ فيه، وحاول حكر القوات المسلحة على لون اجتماعي واحد، وأسس اجهزة وقوات امنية وعسكرية خلافا للدستور، واستخدم المال العام للترويح لشخصه مثل توزيع الاموال والمسدسات على شيوخ العشائر والقبائل مما يقع خارج المتن الدستوري وصلاحياته الرسمية، واغفاله بؤر الفساد القريبة منه والبعيدة عنه، وابتدع فرية المخبر السري التي افضت الى اعتقال عشرات الالوف من العراقيين من دون اي ذنب سوى ان مخبرا سريا قد اتهمهم بما ليس فيهم، وزج اشباه الاميين من اعضاء حزبه وحلفائه في صفوف القوات المسلحة ومنحهم رتبا عالية وقد اصطلح عليهم العراقيون بضباط الدمج، واحاط نفسه بحاشية لا تسمعه الا ما تطرب له نفسه، ووقف بالضد المبرم لكل رأي مخالف له، سواء كان رأيا شعبيا ام برلمانيا ام رسميا حكوميا، وسمح لنفسه ان يكون وزيرا للداخلية والدفاع ومشرفا على المخابرات العراقية اضافة لمسؤولياته، وجند له الالوف من وعاظ الملك العضوض ومداحي السلطان من صحفيين ورجال دين ومجتمع.

هذه العناصر جميعها تآزرت على الاطاحة بنوري المالكي لكنها لم تطح بمشاريع اقامة دولة اللون الواحد اذ مازال البعض يتطلع الى ذلك سواء عبر دولة العراق الموحد او عبر دويلات امراء الطوائف مما يخطط له الاميركان والصهاينة ويسعى موظفوهم من العراقيين للاسف الى تنفيذه.

  • ·        في مقال منفرد لاحق سنعود الى قصة ليلة الاطاحة بالمالكي.

 

Facebook
Twitter