الضلوعية تكنس غبار داعش عن وجهها اطفال الضلوعية يتبرعون بحصالات نقودهم لاعمادة اعمار المنازل المدمرة

بدأت مدينة الضلوعية التابعة لمحافظة صلاح الدين والواقعة على بعد (90 كم) شمال العاصمة بغداد، حملة لتضميد جراحها، بعد الانتصارا

ت التي حققتها على تنظيم ما يسمى بالدولة الاسلامية (داعش)، واثر تجاهل الحكومة للتضحيات التي قدمتها هذه المدينة واوقفت زحم هذا التنظيم المتطرف نحو بغداد.

فقد شرع اهالي منطقة الجبور جنوبي الضلوعية بحملة للتبرع بالأموال لإعادة اعمار وبناء المنازل التي دمرت نتيجة المعارك الضارية التي دارت مع عناصر هذا التنظيم الارهابي المتطرف طيلة 195 يوما، قدمت فيها الضلوعية 126 شهيدا بينهم نساء واطفال واكثر من 700 جريح فضلا عن تدمير وتضرر نحو 200 منزل سكني والعشرات من المحال التجارية.
وفي هذا الصدد قال الشيخ ماهر الملا محمود، إمام وخطيب جامع الخلفاء، الجامع الرئيس في الضلوعية، واحد القائمين على هذا المشروع، “بعد ان دخلت الضلوعية في معارك العز والشرف دفاعا عن الدين والارض والعرض، وكتب الله لها النصر جاءت مرحلة ثانية من مراحل التضحية وهي مرحلة بذل المال بعد ان ضحت الضلوعية بالنفس والاولاد”.
واضاف ” وانطلاقا من امر الله تعالى لنا بوجوب مساعدة المنكوب واغاثة الملهوف واعانة المحتاج، اطلقنا مع مجموعة من الخيرين الاخيار مبادرة سميت تضميد الجراح للمساعدة في اعادة بناء البيوت التي دمرت جراء المعارك التي دارت في الضلوعية مع تنظيم داعش الإرهابي”.
ووصف الشيخ ماهر هذا المشروع بانه “جزء من الوفاء لهؤلاء الناس الذين اعطوا بيوتهم ووهبوا منازلهم لتكون سواتر تحمي اهلهم في الضلوعية وسياجا منيعا ساهم في ايقاف زحف هؤلاء الاشرار”.
وتابع “شكلنا لجنة تطوعية من مجموعة من المهندسين لغرض تقييم الاضرار للبدء بإعادة تأهيلها وبنائها وقد توصلت اللجنة الى ان هناك ما يقارب 65 بيتا تحتاج الى اعادة بناء كونها مدمرة بالكامل، بالإضافة الى عشرات البيوت الاخرى التي تحتاج الى اعمار نصفي نتيجة الضرر الجزئي الذي اصابها”.
واوضح انه تم تقسيم المنازل المتضررة إلى ثلاث فئات (أ. ب. ج)حسب نوع الضرر الذي اصابها، مؤكدا أن هذه الحملة اطلقت اعتمادا على الجهود الذاتية وذلك بطلب التبرع بجزء يسير من راتب كل موظف ضمن منطقة الجبور في الضلوعية.
ومضى الشيخ يقول “لقد اذهلني ان الحملة لاقت تجاوبا حتى من الاطفال، فقد كنت مارا بأحد الشوارع فاستوقفني طفل يبلغ من العمر 10 سنوات واحضر حصالة نقوده وفتحها امامي فاذا بها 60 الف دينار عراقي (اي ما يعادل 50 دولارا) فأعطاني 50 الف دينار وقال هذا تبرع مني لمشروع تضميد الجرح، وهذه الـ 10 آلاف مصروف لي”.
وخلص الشيخ ماهر الى القول “اعتمدنا على انفسنا عندما اهملت الحكومة مسؤولياتها تجاه مواطنيها، وحرصاً منا على ايجاد سقف لكل متضرر يقيه حر الصيف وبرد الشتاء اطلقنا هذا المشروع وسنواصله بجهود الخيرين والباحثين عن فعل الخير”.
وعن آلية جمع التبرعات قال الشيخ علي الجبوري “مشروعنا خيري وانساني ويهدف الى مساعدة اخواننا الذين دمرت منازلهم، لذلك قررنا ان يكون هناك التبرع شهريا على كل موظف بما لا يقل عن 5 بالمائة من راتبه، تجمع من قبل اشخاص في كل حي ثم تسلم الى اللجنة المالية الخاصة بالمشروع، ويفتح لها سجل خاص وبإمكان اي متبرع الاطلاع على هذا السجل”.
وذكر الجبوري بان ما دفعهم على القيام بهذا المشروع هو ان 90 بالمائة من المنازل مشيدة على اراض زراعية وهي غير مشمولة بالتعويضات الحكومية، وتحتاج الى قرار من البرلمان والحكومة معا، وهذا يستغرق وقتا طويلا، في ظل الازمة الراهنة التي يعيشها العراق والمناكفات السياسية بين الكتل، لذلك لجأنا الى هذا المشروع لان من غير المعقول ان تبقى نحو 200 عائلة في العراء كل هذه الفترة الطويلة من الزمن دون منازل.
من جانبها قالت الشاعرة العراقية المعروفة امل الجبوري، التي تبرعت بقلادتها الذهبية دعما للمشروع “دائماً الامم الحية والتي مرت بنكبات ولازالت كما هو حال العراق، تسعى لان تحول الأزمة الى فرصة للتواصل والتراحم”.
واضافت “نحن في محنة وهذه المحنة هي فرصة لمراجعة الأخطاء القاتلة التي اوصلتنا الى هذا الوضع الكارثي، هذا على الصعيد الرسمي والسياسي ( لكن للأسف هذا لم يحصل حتى اللحظة)، اما على الصعيد الشعبي فالتضامن مع النازحين والمدمرة منازلهم والوقوف معهم حتى ولو لو كان حجم المساندة رمزيا فهو شيء مهم واحد الخطوات في مشروع تضميد جراح العراقيين”.
وتابعت “وما مبادرة مشروع تضميد الجراح الا خطوة إيجابية وواقعية وايضا فرصة للآخرين المتفرجين وغيرهم لإظهار حسن نواياهم وكشف مواقف الناس جميعا لان اعادة الأعمار مهمة فهي إشارة للأمل الذي من دونه نحن أمة آيلة للانقراض”.
ووصفت الجبوري مشروع تضميد الجراح بانه خطوة مهمة حتى وان كانت رمزية ، وهي خطوة باتجاه استراتيجية ما بعد الحرب وهي استراتيجية البناء، قائلة ” إن المرحلة القادمة هي مرحلة إعمار وترميم النفوس وإعمار البلد”.
الى ذلك قال جاسم المعجون، احد الذين دمرت منازلهم “إن، تضميد الجراح، هو عمل طوعي جماعي يتم من خلاله مساعدة اهالي منطقة جبور بالضلوعية الذين تصدوا لهمجية داعش التي استهدفت القضاء على كل امل للحياة في الحدود الجغرافية لمنطقة الجبور، حيث نتج عن هذه الهجمة البربرية تهديم وحرق الكثير من المنازل واصبح ساكنوها في العراء مما اقتضى من جميع اهالي هذه المنطقة التناخي لمساعدة هؤلاء المتضررين”.
واضاف المعجون “ان الحكومة المركزية خذلت اهالي الضلوعية في مساعدتهم بإعادة بناء مساكنهم المدمرة، ومن اكبر منصب فيها ممثلا برئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء ومرورا بعشرات المسؤولين الذين زاروا الضلوعية ووعدونا ببناء ما دمر من بيوت لكن كانت وعودهم مجرد كلام دون فعل”.
ثم يسكت للحظات ويواصل حديثه قائلا ” تناخي ابناء منطقة الجبور، الذين لم يبخلوا ببذل الدم دفاعا عن الضلوعية، ببذل المال لبنائها، فكانت الضلوعية لحمة اجتماعية في البناء، كما كانت لحمة اجتماعية في القتال.. وهذا لعمري مؤشر ينبئ لنا عن الروح العالية التي يتحلى بها ابناء هذه المنطقة التي لم تطالها مادية العولمة التي طغت على اغلب ارجاء العالم المعاصر”.
آخر الداعمين لهذا المشروع هو نقيب المحامين العراقيين محمد الفيصل الذي تبرع بمبلغ مليوني دينار مساهمة منه في تضميد جراح الضلوعية، وقال خلال زيارته للمدينة “اي شيء نقدمه للضلوعية واهلها قليل بحقهم، فهؤلاء ابطال وقفوا وقفة تاريخية محل تقدير واعجاب كل العراقيين، كونهم ضحوا بدمائهم ومنازلهم من اجل العراق”.
يذكر أن الضلوعية انتفضت على تنظيم داعش الارهابي في 14 حزيران الماضي اي بعد يومين من احتلال التنظيم لها، وطردته من داخل المدينة وبقيت تقاومه على اطرافها، لكنه احتل الاجزاء الشمالية منها في هجوم كاسح فجر 13 تموز ، غير انه فشل في اقتحام الجزء الجنوبي وبقيت المعارك الضارية تدور بين اهالي القسم الجنوبي وهم ابناء عشيرة الجبور وهذا التنظيم الارهابي لغاية 31 كانون الاول الماضي، عندما طهرت القوات العراقية والحشد الشعبي المدينة واطرافها بشكل كامل.
وخلال فترة المعارك شن تنظيم داعش اكثر من 98 هجوما كبيرا بعضها بإشراف البغدادي نفسه او نائبه القائد العسكري واشتركت في العديد من الهجمات ما يسمى بسرية الغرباء (قوات النخبة لدى داعش) وهم من الانتحاريين العرب والاجانب، كما قصفت منطقة الجبور بنحو 3000 قذيفة هاون مختلفة الانواع وصواريخ كاتيوشا، ورغم كل ذلك بقيت منطقة الجبور صامدة بعد ان وقف اهلها جميعا حتى النساء ضد هذا التنظيم المتطرف.

Facebook
Twitter