الصعود الى حانة الأبدية في صحراء نيسابور كاظم حسوني

نتعرف في الصفحات الأولى على صحفي معطل يمضي وقته في ركن منسي بأحدى الصحف، لكنه ينتدب فجأة لمهمة صحفية من قبل رئيس التحرير لكتابة تحقيقات عن المراقد ومقابر الأولياء والعلماء والعارفين، وللتو لاقت المهمة صدى طيباً في نفسه اليائسة، وزرعت الأمل فيه، فطالما ظل يحدث نفسه فيما مضى ويتساءل عن الجدوى والثمرة من حياته التي تخطت الأربعين قائلاً (حين استرجع ما مضى من السنوات اكتشف انني كنت أدور في حلقة مفرغة كحمار الناعور تماماً، وأتساءل ما الذي تحقق حتى هذه اللحظة؟ وما الهاماتي وانجازاتي وتجاوزاتي؟ لكن الحال قد تغير بشرارة مفاجئة (خرجت من مكتب رئيس التحرير، وأنا في حالة جديدة!)..

وعقب هذا المستهل تبدأ الرواية، وقبل الشروع بقراءة النص لابد من الاشارة الى ان القاص حميد المختار دوّن روايته حينما كان نزيلاً في سجن (أبي غريب)، الى ذلك يبدو لي ان كتابة مثل هذه المدونة الصوفية لاتتأتى الا لمن اختزن تجربة معاشة استند اليها، لما انطوى عليه العمل من خبرات وحماسة وعمق، أراد لها الروائي السجين اثبات قدرة الذات على تحدي عذابات المعتقل وقيوده ووحشته من خلال الكتابة باطلاق حرية الفكر، وتحرير الروح من الجسد المكبل بين الجدران والأبواب المقفلة، وتحقيق حركة الفعل داخل الزنزانة، وفي هذا المعنى يكون قد جسد حريته، وهذا هو صلّب هدفه وترجمة جلية لارادته، مثلما صنع همنغوي في (الشيخ والبحر) فليس الصيد هو الغاية، انما جاءت مغامرة بطله الشيخ لأجل اثبات ارادته واعلان انتصاره، رغم ان الحصيلة التي خرج بها الشيخ كانت هيكل سمكة نهشتها الحيتان، ولعل ارادة الصحفي بطل (رواية صحراء نيسابور) مشابهة لمغامرة العجوز لدى همنغوي مع الفارق، كون رواية المختار رحلة الى الداخل، في حين جاءت (الشيخ والبحر) لتمثل صراع الارادة مع الطبيعة، ويمكن وصف (صحراء نيسابور) بأنها رحلة صوفية، أو سيرة ذاتية روحية جسدت صوراً مختلفة لعبور الذات وصعودها لعوالم أرضية وسماوية، عبر خانات وبرازخ ومقامات، واختراق حجب وأستار، ومجالات أخرى، فالبطل فور عثوره على مرقد الشيخ الجبلي في مستهل طوافه، تغير وكأنه ولد من جديد، وان العمل الذي انتدب اليه لكتابة التحقيقات عن مراقد الأولياء والشيوخ العرفانيين تحول عنده الى قضية مصيرية خرجت عن اطارها الوظيفي، ففي غمرة نشوة الاكتشاف يصرح (أما الآن فقد راح كل شيء في طي النسيان، الجريدة والتحقيقات، المراقد والصور، والكتابات واللقاءات، وغدر الأحبة، والصداقات الكاذبة، كل شيء غادر وانتهى ولم يعد له وجود في حياتي) ويفصح أكثر من ذلك في موضع آخر عن الانقلاب الذي حصل له (كانت زيارة مرقد الشيخ الجبلي الحد الفاصل بين عهدين ونفسين، وجسدين

نتعرف في الصفحات الأولى على صحفي معطل يمضي وقته في ركن منسي بأحدى الصحف، لكنه ينتدب فجأة لمهمة صحفية من قبل رئيس التحرير لكتابة تحقيقات عن المراقد ومقابر الأولياء والعلماء والعارفين، وللتو لاقت المهمة صدى طيباً في نفسه اليائسة، وزرعت الأمل فيه، فطالما ظل يحدث نفسه فيما مضى ويتساءل عن الجدوى والثمرة من حياته التي تخطت الأربعين قائلاً (حين استرجع ما مضى من السنوات اكتشف انني كنت أدور في حلقة مفرغة كحمار الناعور تماماً، وأتساءل ما الذي تحقق حتى هذه اللحظة؟ وما الهاماتي وانجازاتي وتجاوزاتي؟ لكن الحال قد تغير بشرارة مفاجئة (خرجت من مكتب رئيس التحرير، وأنا في حالة جديدة!)..

وعقب هذا المستهل تبدأ الرواية، وقبل الشروع بقراءة النص لابد من الاشارة الى ان القاص حميد المختار دوّن روايته حينما كان نزيلاً في سجن (أبي غريب)، الى ذلك يبدو لي ان كتابة مثل هذه المدونة الصوفية لاتتأتى الا لمن اختزن تجربة معاشة استند اليها، لما انطوى عليه العمل من خبرات وحماسة وعمق، أراد لها الروائي السجين اثبات قدرة الذات على تحدي عذابات المعتقل وقيوده ووحشته من خلال الكتابة باطلاق حرية الفكر، وتحرير الروح من الجسد المكبل بين الجدران والأبواب المقفلة، وتحقيق حركة الفعل داخل الزنزانة، وفي هذا المعنى يكون قد جسد حريته، وهذا هو صلّب هدفه وترجمة جلية لارادته، مثلما صنع همنغوي في (الشيخ والبحر) فليس الصيد هو الغاية، انما جاءت مغامرة بطله الشيخ لأجل اثبات ارادته واعلان انتصاره، رغم ان الحصيلة التي خرج بها الشيخ كانت هيكل سمكة نهشتها الحيتان، ولعل ارادة الصحفي بطل (رواية صحراء نيسابور) مشابهة لمغامرة العجوز لدى همنغوي مع الفارق، كون رواية المختار رحلة الى الداخل، في حين جاءت (الشيخ والبحر) لتمثل صراع الارادة مع الطبيعة، ويمكن وصف (صحراء نيسابور) بأنها رحلة صوفية، أو سيرة ذاتية روحية جسدت صوراً مختلفة لعبور الذات وصعودها لعوالم أرضية وسماوية، عبر خانات وبرازخ ومقامات، واختراق حجب وأستار، ومجالات أخرى، فالبطل فور عثوره على مرقد الشيخ الجبلي في مستهل طوافه، تغير وكأنه ولد من جديد، وان العمل الذي انتدب اليه لكتابة التحقيقات عن مراقد الأولياء والشيوخ العرفانيين تحول عنده الى قضية مصيرية خرجت عن اطارها الوظيفي، ففي غمرة نشوة الاكتشاف يصرح (أما الآن فقد راح كل شيء في طي النسيان، الجريدة والتحقيقات، المراقد والصور، والكتابات واللقاءات، وغدر الأحبة، والصداقات الكاذبة، كل شيء غادر وانتهى ولم يعد له وجود في حياتي) ويفصح أكثر من ذلك في موضع آخر عن الانقلاب الذي حصل له (كانت زيارة مرقد الشيخ الجبلي الحد الفاصل بين عهدين ونفسين، وجسدين، كل له عالمه وأحلامه وخيالاته وخياراته) متسائلاً : أين كنت قبل حياتي هذه، لقد كنت في عالم العدم، وها أنا أولد تواً في عالمي الجديد هذا.. يمكن للقارئ أن يرى تحولات البطل على مدى الفصول السبعة للرواية، اذ يمثل كل فصل بوابة ارتقاء، وصعودا بتدرج متناغم مع الكفاح الدائب للبطل في اجتياز المراحل والمفازات والتنقل بين خانات الدراويش والمجانين والمتسولين والكشوفات التي انفتحت له بطريق الصعود، فعند كل عتبة ومرتبة جديدة تنفتح له صور لخطوات أخرى. كل عالم راح يفضي به لعوالم أخرى في مسيرة الروح، وكأن الصحفي قد أدخر حياته من قبل لهذه المهمة التي يبدو ان جذورها كانت متخفية في نفسه، الا ان أوانها لم يحن فيما مضى، لكن شرارتها اندلعت عقب عثوره على مرقد الشيخ الجبلي، الذي أحاله الى انسان آخر، انفتحت له مجالات وفيوضات سرية منحته الاشراق وتوهج الروح، لأنه قرر أن يجعل من حياته على الدوام تخطياً، وصعوداً متواصلاً، فمهمته الوحيدة الارتقاء دائماً في برازخ الروح صوب فردوس (حانة الأبدية) فكان عليه عبر مواصلته في قطع الطريق الالتقاء بوجوه عديدة، وأماكن، ومفازات وخانات، كانت كلها تمده بالخبرة والذخيرة في سفره الباطني الطويل، ما جعله يشعر بالتجدد والتحول من مقام لآخر للمضي قدماً الى عالم ثان، عالم اللازمني السامي المتجاوز لكل ماهو واقعي وأرضي، فرواية (صحراء نيسابور)على مستوى الواقع تبدأ فيها رحلة البطل وتنتهي في مكانها، كرحلة طير فريد الدين العطار، حيث قامت رواية حميد المختار على سفر ذهني، وارتقاء باطني ابتكره الكاتب لتبديد وحشة السجن وظلمته، واتسم اسلوب الرواية برشاقة لغوية عالية، وسرد يتدفق مع تنامي الأحداث بحيوية فائقة وانثيالات شعر، كبساط ريح في فضاء الأرواح السحري الزاخر بالرؤى والكشوفات، والانوار القدسية.
الرواية تحكي لنا قصة انسان حمل أوجاع قلبه، مستدعياً كل ما مضى من تجربته سالكاً طريق العبور من العابر والحسي الى الأبدي والمطلق، مثلما كانت غواية الكتابة للقاص حميد المختار خروجا من ضيق السجن الى اتساع الحياة، جاعلاً بطله يكرس نفسه للمطلق لتحقيق هدفه الروحي للصعود الى مبتغاه (حانة الأبدية) رغم ما تجشم من ضروب المكابدات والعناء، التي لم تزده الا اصراراً، اذ أيقن ان معاناته ماهي الا اختبار لقدراته وايمانه، وان حياته غدت تخطياً ومرقاة خطوة تلو خطوة (حملت أمتعتي وسلكت طريقاً ليس له نهاية، صادفت فيه أناساً كثيرين بمشارب شتى وأمزجة واتجاهات متنافرة، رأيت كثيراً منهم عادوا أدراجهم، منهم من فقد قواه وخر منهاراً وسط الطريق)، وحيث خاض البطل سفر الارتقاء العظيم ورأى انهيار وفشل الكثير في مواصلة الطريق، زاده ذلك عزيمة في اجتياز الموانع وتخطي الصعاب بغية الوصول الى شيوخه وأساتذته ممن خاضوا قبله مجاهدات وتجارب مشابهة، شيوخه الموجودون في (حانة الأبدية)، تلك النخبة المقدسة من الأولياء، التي لايمكن أن تلتحق بها الا روح شفافة، اكتملت واكتوت بتحمل المهمات السامية، واشراقات الحب الالهي، لذا كانت تتسع سعادة الصحفي بطل الرواية وهو يقطع أطوار النمو والاكتمال، ولهب روحه يتعاظم مع رفع الحجب والفيوضات المتواصلة، مندفعاً أكثر لاداء مهمته الوحيدة، الصعود، الصعود نحو هدفه (حانة الأبدية) التي زاد من شغفه اليها قول أحد العارفين (الحانة تختار زبائنها وروادها فلا تعجل ستسمع النداء عبر شرارات النيازك ووميض البرق وصلاة العصافير، وأنين العواصف وبكاء اليمامات، ووهج الحباحب، وحنين القمر الى الساقية).. وفي غمرة ارتحاله وسعيه بروح عنيدة للارتقاء في مدارج القمم، وحين شعر انه تحول الى روح متحررة من أعباء الجسد، أذهله انه يقف فجأة على تخوم جنته (باب الحانة)، فصرخ بأعلى صوته (آه، انها هي، هي ذي أخيراً أملي ومحط رحلتي، وحال دخوله زايلته جميع متاعبه، وسمع الأصوات تنادي عليه، فرأى شيخه الجبلي، الى جانب شيخ الرواق مع محمود المجنون، رأى أصحابه المساجين، رأى الشهداء والأولياء، ثم يقول (رأيتني محلقاً صاعداً، وأنا أخترق عوالم ومجالات وكنت أخترق حجبي وبرازخي، وأطير، أطير الى هناك بلا أجنحة أو رياح).. الرواية مثلما راينا كرست ورصدت تحولات بطلها الصحفي وسفره الباطني، أما الشخصيات الأخرى فكان وجودها عابراً لاستكمال رسم معالم الشخصية الرئيسة، وانارة جميع جوانبها، كالشيخ الجبلي بمرقده، ومحمود المجنون، وآخرين التقاهم البطل أثناء الطريق، وهناك أصدقاؤه المساجين، وفي الختام يمكن القول ان رواية (صحراء نيسابور) هي رواية الروح بتجلياتها وهي تلتقي في معراجها مدارج الوالهين، وتنتمي الرواية الى نمط الكتابات العرفانية في بحثها في أوطان الروح وخلق يوتوبياها الخاصة، وفي اعتقادي لم تشهد السرديات العراقية مثل هذه النصوص، عدا القلة النادرة في قصص جمعة اللامي في سبعينات القرن الماضي، علاوة على تميز الرواية بحبكة بنائية متقنة عابقة بنثيث الشعر ومكتسية بروح السحر وجماليات فن السرد التي تنم عن خبرة الكاتب ومهاراته في صنعة الكتابة..، كل له عالمه وأحلامه وخيالاته وخياراته) متسائلاً : أين كنت قبل حياتي هذه، لقد كنت في عالم العدم، وها أنا أولد تواً في عالمي الجديد هذا.. يمكن للقارئ أن يرى تحولات البطل على مدى الفصول السبعة للرواية، اذ يمثل كل فصل بوابة ارتقاء، وصعودا بتدرج متناغم مع الكفاح الدائب للبطل في اجتياز المراحل والمفازات والتنقل بين خانات الدراويش والمجانين والمتسولين والكشوفات التي انفتحت له بطريق الصعود، فعند كل عتبة ومرتبة جديدة تنفتح له صور لخطوات أخرى. كل عالم راح يفضي به لعوالم أخرى في مسيرة الروح، وكأن الصحفي قد أدخر حياته من قبل لهذه المهمة التي يبدو ان جذورها كانت متخفية في نفسه، الا ان أوانها لم يحن فيما مضى، لكن شرارتها اندلعت عقب عثوره على مرقد الشيخ الجبلي، الذي أحاله الى انسان آخر، انفتحت له مجالات وفيوضات سرية منحته الاشراق وتوهج الروح، لأنه قرر أن يجعل من حياته على الدوام تخطياً، وصعوداً متواصلاً، فمهمته الوحيدة الارتقاء دائماً في برازخ الروح صوب فردوس (حانة الأبدية) فكان عليه عبر مواصلته في قطع الطريق الالتقاء بوجوه عديدة، وأماكن، ومفازات وخانات، كانت كلها تمده بالخبرة والذخيرة في سفره الباطني الطويل، ما جعله يشعر بالتجدد والتحول من مقام لآخر للمضي قدماً الى عالم ثان، عالم اللازمني السامي المتجاوز لكل ماهو واقعي وأرضي، فرواية (صحراء نيسابور)على مستوى الواقع تبدأ فيها رحلة البطل وتنتهي في مكانها، كرحلة طير فريد الدين العطار، حيث قامت رواية حميد المختار على سفر ذهني، وارتقاء باطني ابتكره الكاتب لتبديد وحشة السجن وظلمته، واتسم اسلوب الرواية برشاقة لغوية عالية، وسرد يتدفق مع تنامي الأحداث بحيوية فائقة وانثيالات شعر، كبساط ريح في فضاء الأرواح السحري الزاخر بالرؤى والكشوفات، والانوار القدسية.
الرواية تحكي لنا قصة انسان حمل أوجاع قلبه، مستدعياً كل ما مضى من تجربته سالكاً طريق العبور من العابر والحسي الى الأبدي والمطلق، مثلما كانت غواية الكتابة للقاص حميد المختار خروجا من ضيق السجن الى اتساع الحياة، جاعلاً بطله يكرس نفسه للمطلق لتحقيق هدفه الروحي للصعود الى مبتغاه (حانة الأبدية) رغم ما تجشم من ضروب المكابدات والعناء، التي لم تزده الا اصراراً، اذ أيقن ان معاناته ماهي الا اختبار لقدراته وايمانه، وان حياته غدت تخطياً ومرقاة خطوة تلو خطوة (حملت أمتعتي وسلكت طريقاً ليس له نهاية، صادفت فيه أناساً كثيرين بمشارب شتى وأمزجة واتجاهات متنافرة، رأيت كثيراً منهم عادوا أدراجهم، منهم من فقد قواه وخر منهاراً وسط الطريق)، وحيث خاض البطل سفر الارتقاء العظيم ورأى انهيار وفشل الكثير في مواصلة الطريق، زاده ذلك عزيمة في اجتياز الموانع وتخطي الصعاب بغية الوصول الى شيوخه وأساتذته ممن خاضوا قبله مجاهدات وتجارب مشابهة، شيوخه الموجودون في (حانة الأبدية)، تلك النخبة المقدسة من الأولياء، التي لايمكن أن تلتحق بها الا روح شفافة، اكتملت واكتوت بتحمل المهمات السامية، واشراقات الحب الالهي، لذا كانت تتسع سعادة الصحفي بطل الرواية وهو يقطع أطوار النمو والاكتمال، ولهب روحه يتعاظم مع رفع الحجب والفيوضات المتواصلة، مندفعاً أكثر لاداء مهمته الوحيدة، الصعود، الصعود نحو هدفه (حانة الأبدية) التي زاد من شغفه اليها قول أحد العارفين (الحانة تختار زبائنها وروادها فلا تعجل ستسمع النداء عبر شرارات النيازك ووميض البرق وصلاة العصافير، وأنين العواصف وبكاء اليمامات، ووهج الحباحب، وحنين القمر الى الساقية).. وفي غمرة ارتحاله وسعيه بروح عنيدة للارتقاء في مدارج القمم، وحين شعر انه تحول الى روح متحررة من أعباء الجسد، أذهله انه يقف فجأة على تخوم جنته (باب الحانة)، فصرخ بأعلى صوته (آه، انها هي، هي ذي أخيراً أملي ومحط رحلتي، وحال دخوله زايلته جميع متاعبه، وسمع الأصوات تنادي عليه، فرأى شيخه الجبلي، الى جانب شيخ الرواق مع محمود المجنون، رأى أصحابه المساجين، رأى الشهداء والأولياء، ثم يقول (رأيتني محلقاً صاعداً، وأنا أخترق عوالم ومجالات وكنت أخترق حجبي وبرازخي، وأطير، أطير الى هناك بلا أجنحة أو رياح).. الرواية مثلما راينا كرست ورصدت تحولات بطلها الصحفي وسفره الباطني، أما الشخصيات الأخرى فكان وجودها عابراً لاستكمال رسم معالم الشخصية الرئيسة، وانارة جميع جوانبها، كالشيخ الجبلي بمرقده، ومحمود المجنون، وآخرين التقاهم البطل أثناء الطريق، وهناك أصدقاؤه المساجين، وفي الختام يمكن القول ان رواية (صحراء نيسابور) هي رواية الروح بتجلياتها وهي تلتقي في معراجها مدارج الوالهين، وتنتمي الرواية الى نمط الكتابات العرفانية في بحثها في أوطان الروح وخلق يوتوبياها الخاصة، وفي اعتقادي لم تشهد السرديات العراقية مثل هذه النصوص، عدا القلة النادرة في قصص جمعة اللامي في سبعينات القرن الماضي، علاوة على تميز الرواية بحبكة بنائية متقنة عابقة بنثيث الشعر ومكتسية بروح السحر وجماليات فن السرد التي تنم عن خبرة الكاتب ومهاراته في صنعة الكتابة..

Facebook
Twitter