الحوار الوطني لبناء ليبيا الغد

د . أبوالعلاء  عبد المنعم الزوي

 

 

 

 

 

 

 

 

 

إن   من   أبرز   مقاصد   الأمم   المتحدة حفظ السلم والأمن الدوليين ، وتحقيقاً لهذه الغاية الإنسانية النبيلة دعت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة إلى أن تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم والأمن الدوليين ، ولإزالتها وقمع أعمال العدوان وغيرها مايخل بالسلم ، وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الاخلال بالسلم أو لتسويتها بالطرق السلمية .. بعيداً عن الأعمال العسكرية التي تهدد أرواح المدنيين .. هكذا نصت كل مواثيق الأمم المتحدة ..

 ولكن لو نظرنا اليوم إلى الأعمال والممارسات التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية ، وحلف (الناتو) حيال المدنيين الليبيين من أعمال إرهابية ، وقصف للمؤسسات المدنية من مدارس ومستشفيات ومخازن السلع التموينية ومنازل ، وتدمير البنى التحتية ، وتعطيل مشاريع التنمية العملاقة ، وانتهاك سيادة الدولة الليبية .. كلها أعمال تؤكد على حقيقة المؤامرة القذرة التي استهدفت أمن واستقرار هذا البلد الذي لعب دوراً أساسياً في توحيد القارة الإفريقية ، وإطفاء كل حرائق الصراعات الدموية ، والحروب الأهلية في ربوع القارة الإفريقية .. كما أنها تعد الدولة الوحيدة التي أرست نظاماً ديمقراطياً قائماً على فلسفة )سلطة الشعب( ، الأمر الذي جعل القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية تستشعر الخطر خوفاً على مصالحها الاستغلالية الرأسمالية ، فعمدت إلى تفجير هذه الفتنة الكبرى بهدف تمزيق وحدة ليبيا وإضعافها وصولاً إلى فرض الهيمنة ، والسيطرة على مواردها الطبيعية ، خاصة ثروة النفط.

إن هذه المؤامرة القذرة بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية باتت مفضوحة لدى كل أحرار العالم الذين عبروا بكل وضوح عن رفضهم لها من خلال المظاهرات العارمة التي عمت أرجاء العالم ، وهي تطالب بوقف هذا التدخل الاستعماري الصليبي الأطلسي الحاقد في الشؤون الداخلية لليبيا ، على أساس احترام ميثاق الأمم المتحدة الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين الشعوب ، وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها ، وليس في هذا الميثاق الأممي ما يسوغ للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون الداخلية التي هي من صميم السلطان الداخلي لدولة ما .. كما أن المادة الثالثة والثلاثين من الميثاق الفصل السادس تطالب أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض السلم والأمن الدوليين للخطر ، أن يلتمسوا بالمفاوضات والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية ، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها .. حفاظاً على السلم والأمن الدوليين .. هذا ما يدعو إليه ميثاق الأمم المتحدة ، لكن الغريب في الأمر أن كل هذه المقاصد المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة لم تتبع إطلاقاً في معالجة الأزمة الليبية المفتعلة ، حيث إن جامعة الدول العربية وباعتبارها منظمة إقليمية عربية لم تقم بواجبها القومي في معالجة الأزمة بالطرق السلمية والودية لرأب الصدع بين الأشقاء لإعادة الأمور إلى مجاريها الطبيعية ، بل على العكس من ذلك تماماً نجدها تسارع وبضغط من دولة قطر القزمية .. تطالب بفرض الحظر الجوي على ليبيا ، وبالتدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية لليبيا ، وما تبع ذلك من أعمال عدوانية إرهابية راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء ، وفي الحقيقة إن جامعة الدول العربية وللأسف هي من منح القوى الامبريالية الصليبية الحاقدة الحق في ضرب وتقتيل الأبرياء الليبيين الذين كانوا ينتظرون من الجامعة العربية أن تعالج هذه الأزمة بروح من الأخوة والتضامن العربي وفقاً لميثاق الجامعة العربية ، ولكن أيا كان حجم  المؤامرة فإن الشعب الليبي ومعه جميع أحرار العالم استطاع بفضل تماسكه والتفافه أن يواجه هذه المؤامرة بكل أبعادها ، ويتصدى لها بكل شجاعة وإقدام ، ويجعلها تفشل فشلاً ذريعاً في تحقيق أهدافها ومراميها الاستعمارية الحاقدة.

إيماناً بأهمية وحدتنا الترابية ولحمتنا الوطنية ، خاصة بعد أن افتضحت في الآونة الأخيرة أبعاد هذه المؤامرة القذرة وأهدافها الشيطانية ، فإننا ندعو أشقاءنا في المناطق الشرقية إلى تحكيم لغة العقل ، والابتعاد عن لغة الرصاص التي تؤدي إلى المزيد من سفك دماء الأبرياء ، وتدمير البلاد ، وعليهم الجلوس جميعاً إلى طاولة (الحوار الوطني الجاد) الذي طالما دعونا إليه منذ اندلاع هذه الفتنة الحاقدة لتحقيق المصالحة الوطنية بما يحقق لنا مطالبنا ، خاصة وأن هناك جهودا للمصالحة يقوم بها الشرفاء من أبناء هذا الوطن الغالي لبناء ليبيا الغد ، ليبيا الوجه الحضاري الجديد الذي يحلم به كل الليبيين..

إن الأمر بات اليوم يتطلب الاحتكام إلى الضمير الوطني وإلى المنطق ولغة العقل .. فهذه الفوضى الدموية إلى أين سوف تقودنا جميعاً .. ؟ إنها دوامة للموت ، وتعميق للهوة بين الأشقاء ، ولا يستفيد منها إلا الأعداء الذين لا يريدون لنا الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.

على كل حال نحن أملنا كبير في اللّه ، وفي إرادة أبناء الشعب الليبي البطل في تحقيق النصر على الأعداء الصليبيين الحاقدين الذين أوصلونا إلى هذه المأساة الكبرى .. وختاماً نقول إن الحوار الوطني ، والمصالحة الوطنية بين الأشقاء على اختلاف مشاربهم الفكرية والسياسية هما جناحا الأمن والاستقرار والسلام والتقدم والازدهار لبلادنا التي نأمل لها الإسراع في تجاوز هذه المحنة الكبرى ، والدخول مباشرة إلى تفعيل المشروع الحضاري الكبير ( مشروع ليبيا الغد ) هذا المشروع الذي يتيح لكل الليبيين ـ دون إقصاء لأحد أن يساهموا جميعاً في بناء ليبيا حتى نتمكن في مواجهة كل التحديات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تواجهنا من القوى الامبريالية والصهيونية والرجعية.

 

 

Facebook
Twitter