احلام هـــــــــــــــاملت

نص مسرحي

كتابة د: شاكر عبد العظيم

ناقد وكاتب مسرحي من العراق

 

ــ المكان مصبغة ملابس ، احواض للصبغ وقد توزعت في المكان بشكل غير مرتب ولا جميل .

ــ كل شيء في المكانعبارة عن لونين ابيض واسود ، فالجدران المحيطة بالمكان بيضاء ، وثمة مجموعة دلاء توزعت بشكل غير هارموني على ارضية التمثيل هنا وهناك ، وقد امتلأ كل دلو منها بلون معين ، كأن يكون اصفر او احمر او اي لون اخر ، وكلما زاد عدد الالوان يكون الناتج اجمل ، الا ان لون الدلاء اسود والمتلقي لن يرى الالوان الا بعد ان تصطبغ بالوانها الاقمشة .

ــ هنالك فتاتان في المكان يرتديان اللون الابيض والأسود المتقاطع .

ـــ يمكن ان تكون اوفيليا واحدة منهن ، ودزدمونة زوجة عطيل . او الاقرب هن يعشقن هاتين الشخصيتين لتصلا حد تقمصهما .

ــ ( صوت الفتاة التي تؤدي دزدمونة وهي تغني اغنية اجنبية بهمهمات فقط ، ،ضربات ايقاع. تتحرك الفتاة التي تؤدي دور اوفيليا وهي ترتب مجموعة اقمشة بعصبية واضحة متضايقة من صوت دزدمونة .)

ــ مرايا مهشمة تتوزع في الامكنة الجانبية وفي العمق .

ــ اغنية دزدمونة وهمهماتها لا تناسب المكان ولا تناسب اي شيء هنا ، هذه الاغنية هي موسيقى الافتتاح)

اوفيليا : (اوفيليا تثور ثائرتها ) الا تكفًين عن ترديد هذه الاغنية .

(دزدمونة تستمر دون تعيرها اهمية )

(اوفيليا تسرع اكثر في عملها ، تتحرك بسرعه ، وهي غاضبة ، ترمي بعض الحبال والاقمشة في احواض الصباغة بتوتر حتى يتطاير منها بعض الاصباغ على الارضية وعلى ملابس اوفيليا ، بعد ان تكمل عملها تقف بين دزدمونة والمرأة بسرعة )

اوفيليا : لقد اتعبني سماع هذه الاغنية . الا تصمتين ؟؟

دزدمونة : ولماذا علي ان اصمت ؟؟ انتي تقيدين حريتي .

اوفيليا : حريتك ؟؟؟؟ على حساب هدوئي تتنامى حريتك ؟ اتفهمين ؟

دزدمونة : لم اكن ارغب ان اكون في مكان واحد معك ، فانا اعرف عللك واعرف كل امراضك وجنونك .

اوفيليا : انا ؟؟ مجنونة ؟؟ انا مريضة ؟؟  ( تشعر بالصدمة ويستمر صمتها لفترة قصيرة ) وا اسفاه  يا صاحبة المنديل .

دزدمونة : (ثائرة )  ارجوك انها ليست غلطتي ….. لم اكن مخادعة ، فخسرت كل شيء ، كل شيء ، لكني لم اخسر ذاتي يوما .. فلا ينبغي على فتاة مثلي ان تكن كحرباء تتغير في كل بيئة تطأها قدمها  .

اوفيليا : ( تضحك بهستيريا ) حرباء ؟؟؟ وصف جميل (كأنها تقصد ان هذا القول يطابق دزدمونة فعلا) .

دزدمونة : يكفي ايتها ال (اوفيليا )  التي غادرها مجنونها ( تضحك دزدمونة بسخرية عالية ) .

اوفيليا : (تنفجر ثائرة ، ونستشعر جنونها الحقيقي ، تدور في ارجاء المكان صارخة  بكل قوتها ) . لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل .. لم يرحل ..  (تنهار بهدوء وبطء .. وبعد فترة صمت ) كان فقط يريد ان ينتقم من قاتل ابيه ، من تزوج امه بالخداع .. ( تنتبه لوضع العمل والاقمشة والاصباغ ) اووووه ، كفاك ثرثرة واعملي بجد ، هيا.

(اوفيليا تسحب دزدمونة من يدها حتى تقفان على احد الاحواض ، تأتي اوفيليا بالأقمشة وترميها امام دزدمونة ، وتبدآن العمل بصمت ، تقوم دزدمونة وقد وضعت الاقمشة في الاحواض ، وتستمران بهذا الفعل ، بحيث يبدوسعيهن الى مليء الدلاء باكبر كمية من الاقمشة )

دزدمونة : ( متعبة ) لا ادري ما الذي جاء بي الى هنا وفي مكان واحد معك انتي .

اوفيليا : قلت كفى ، ولنعمل .

 (دزدمونة تشعر بالتعب والإعياء ، تجلس على الارض وقد تلطخت ثيابها بالالوان ايضا  اوفيليا تستمر بعملها ولكن ببطء )

دزدمونة : (بعد فترة من الصمت ) ما هذا الذ يحدث ، اشعر بالشوق لسماع تلك الحكايات الجميلة التي اسمعها عنه ، كان يقصها عليً ، اخبار كل معاركه وبطولاته مواقفه التي اذهلت الجميع ، قوته الفاااااااائقة ، اااااااااه كم كنت حكاياته جميلة ،   

( اوفيليا هي الاخرى تشعر بالتعب ، وتجلس على الجانب الاخر من المسرح ، وقد سمعت ماقالته دزدمونة ، وسخرت منه )

اوفيليا : كان مجرد بالون سرعان ما انفجر ، وهو لا يستحق منك كل هذا .

دزدمونة : (ثائرة ) بل يستحق يا انتِ. فهو على الاقل لم يكن مترددا يوما ولا متأملا .

اوفيليا : الى هنا عليك التوقف ، فقد كان هاملت يمتلك الحكمة التي منحته كبرياءً وأنفه .

دزدمونة : ( تضحك بقوة ) اية حكمة هذه التي تتحدثين عنها ، لقد ساقته خرافة الشبح الى حتفه .

اوفيليا : (ثائرة ) لم تكن خرافة ، بل الخرافات ما كان يفعلها شجاعك المغربي هذا والتي استغرب كيف تصدقينها . محض خرافات .

دزدمونة : اغلقي فمك خير لك وانظري الى بؤسك .

اوفيليا : بؤس !!!!!!!!!؟ ( تنهض من مكانها وتتجه نحو الجدار الجانبي للمسرح وتتكئ عليه حالمة )

 لقد كان حلما بهيا ايتها الغبية .

دزدمونه : انا غبية ؟؟؟؟؟؟

اوفيليا : (باسترسال ) كان حلما ، كم  وددت لو امتلكت جناحا حمامة لاذهب … .

دزدمونة : ( تقاطعها ساخرة ) ما هذا الهراء ؟؟ ههههههههههههههه

اوفيليا : ( تستمر دون ان تنتبه لكلام دزدمونة) . كنت احس انني ارغب وارغب وارغب .لكن …

دزدمونة : (تضحك بصوت عال حد اثارة اوفيليا )

اوفيليا : (تصرخ بوجهها ) لقد كان اجمل وابهى من هذا الذي كان يراك مخادعة .لم يشك يوما بإخلاصي .

دزدمونة : ليس هو المذنب ، لقد كان ضحية .

اوفيليا : قائد جيوش ، وينتصر دائما ، وتقولين ضحية . (تضحك منها بسخرية واضحة ) ضحية . ضحية ، يالبؤسك يا انتي .

دزدمونة : وهاملتك الغبي كان ضحية هو الاخر ، لاتهربي من الحقيقة ، بكل حكمته لم يكن يعرف المحبة ، متردد ، خائف ، لا يعرف ماذا يفعل  .

اوفيليا : بل كان يعرف جيدا ماذا يفعل ، تلك سلوكيات الحكماء ، لولا ان النقاد والدارسين شوهو كثيرا من ذاته .

دزدمونة : ماذا ؟؟؟ شوهوا؟؟ وفي الجانب الاخر فأنهم اعظموا من شأن المغربي لولا ..

اوفيليا : لولا ماذا ؟؟؟ تكلمي ؟؟؟ (معلنة وبصوت عال ) المنديل ، الضربة القاصمة .

( دزدمونة تتهاوى على الارض )

دزدمونة : بائسة ومجنونة ، طوال مسرحية كأمله لم تفعلي شيئا سوى انك تتقافزين كطفل لا يريد ان يكبر .

اوفيليا : المهم لن ارد عليك . ( متحفزة وخائفة ) لحظة لحظة ، اعتقد هذا صاحب المصبغة راح يدخل علينا . ييلا نشتغل بسرعه .

دزدمونة : عيني تأكدي يجوز واحد من العمال ، (تنتبه اوفيليا بعد ان تمد رأسها وتعود مطمئنه ) لالا الحمد لله مو صاحب المصبغة ، المهم اني ما كتلج ؟؟

دزدمونة : شنو .

اوفيليا : المبلغ الي جمعته حتى اشتري بيه بيت صغير على كد حالي ماباقي الا القليل منه ويكتمل ، اااه تعبت اني وابني من الايجار ، كل يوم بيت وانتقال  .والله تعبنا ياربي . ياربي بيت صغير هو كل احلامي .

دزدمونة : اووف واني احلم اشتري سيارة ن ولو صغيرة اروح واجي بيها للشغل ، تعبت من المشي والنفرات والتكسيات .

( تنتبه لقدوم صاحب المصبغة ، تركض للعمل ، يتراكضن مسرعات بلا توقف )

اوفيليا : انهضي بسرعه ، صاحب المصبغة قادم . هذه المرة حقيقة . انهضي

(تنهض دزدمونة مسرعة ، تقومان بالعمل بكل آلية )

(فترة صمت قصيرة ، استمرار العمل )

ــ يدخل صاحب المصبغة ، يحمل جهاز (أيباد ) وهو يريد ادخاله في حقيبته ، اوفيليا ودزدمونة لا يشعرن بوجوده )

صاحب المصبغة : (منزعج ) اهووووو ، هاي شلون لغوة ، النت ضعيف ، الفايبر ساعة يلا توصل الكلمة بيه . اتصالات ضعيفة . شيء عجيب .

(يرن هاتفه النقال )

صاحب المصبغة الوووو ، اهلا اهلا ، اطمئن ، بشرفي اطمئن ، بس انت ابعثلي المبلغ كامل ، اي حتى نشتري اصباغ ، الاصباغ خلصت وأنت مستعجل ، حول لي المبلغ كامل من غير نقص . اوك ، اوك . باي

(يغلق هاتفه ، يتوجه بالحديث الى دزدمونة واوفيليا ، يرن هاتفه من جديد )

صاحب  المصبغة : الووووووو ، انت جاي ، اوك .. اوك .. راح انتظرك بادارة المصبغة ، يلا تعال ، بس جيب المبلغ وياك مو تنسى . اوك اوك ، بانتظارك.

(يغلق الموبايل ، ويتوجه بالحديث الى اوفيليا ودزدمونة )

صاحب المطبعة : شنو الموضوع ؟؟ ليش الشغل متأخر ، ليش ؟؟ كافي ، كافي احاديث جانبية وسوالف ، ورانا شغل . كافي احلام .

اوفيليا : استاد ، لالا  ، احنه نشتغل بدون توقف ، ماكو اي احلام ، الشغل شغل .

صاحب المصبغة : (الى دزدمونة ) صحيح هذا الكلام ؟؟؟؟؟

دزدمونة : (متلعثمة ) نعم نعم صحيح استاذ ، جججججدا جدا صحيح ، الشغل اهم من الاحلام استاذ.

(صاحب المصبغة ينظر اليهن بطرف عينه ويخرج بطيئا )

اوفيليا : ( بعد ان يخرج تتنفس الصعداء ) أه الحمد لله ، انه خرج . كدنا ان نفقد عملنا بسببك ؟

دزدمونة : بل بسبب هاملتك واحلامه وتأملاته اللا مجدية .

اوفيليا : يعني ليس بسبب من كان يشك بك ؟؟؟ ليس بسبب المنديل .؟؟؟

دزدمونة : اوووه عدنا للمنديل ثانية ؟؟؟؟

اوفيليا : لانك عدت الى احلام هاملت .

دزدمونة : لانه كان يحلم ، او ربما يفكر ، او ربما لا يحلم ، بل ربما كان غير واقعي ، نعم هذا اقرب للصواب .

اوفيليا : من انتي لتقيمين وضع هاملت ، ناقدة ؟؟ قارئة تخترقين النص وتأولينه ؟؟ من انتي ، ثم هل كان عطيل واقعيا . الم يكن يفكر ويتأمل فيك كثيرا على انك خائنة؟؟

دزدمونة : على الاقل كان صاحب قرار ، شجاع ولم يتخوف او يتردد .

اوفيليا :اوووووووو ه ، سأتقيأ من كلماتك في الشجاعة الزائفة . كان العوبة .

دزدمونة : بل هاملت من كان العوبة صغيرة لوضعه النفسي ، حتى انه كان اقرب للمجنون او كان مجنون .

اوفيليا : (تمسك برأسها وتصرخ ) مجنون مجنون مجنون .

صاحب المصبغة : (من خارج الخشبة ) الوووو

(تنتبهان الى قدومه ، تتوقف حركتهن ، ثم يتراكضن بسرعه نحو الدلاء وبعميلة ركض سريعة ينشرن ما اصطبغ من الاقمشة وينشرنه على الجادر الخلفي للإحداث وكذلك على جانبي الخشبة حتى ليبدو المكان الخلفي والجانبين كلوحة الوان تسيل على ارضية خشبة المسرح .)

ــ تشعر الفتاتان بتعب شديد وكل منها تقف في جانب وقد تحولت الى كتلة الوان .

 فجأة يدخل صاحب المصبغة غاضبا جدا ، عندما يشاهدن الرجل ، يتوقفن عن الحركة ، صمت رهيب يخيم على المكان ، صاحب المصبغة يتقدم الى وسط المسرح ، وبعد صمت طويل

 صاحب المصبغة : (ساخرا ) هاملت ؟؟ عطيل؟؟؟ لقد سئمت احاديثكن ، ولابد من الخلاص منكن . فبعد خمسٍ دقائق من الان لا اريد وجودكن هنا ، خمسدقائق فقط .

ينظر في وجوههن ويخرج .

(فترة صمت )

دزدمونة : راحت السيارة الي حلمت بيها .

اوفيليا : يلا ، يلا نروح ندور شغل بمكان ثاني

دزدمونة : بس بشرط ، لا هاملت ولا عطيل ، اوكي ؟؟

اوفيليا : (بعد تأمل) o.k

 

Facebook
Twitter