/* Style Definitions */
table.MsoNormalTable
{mso-style-name:”Table Normal”;
mso-tstyle-rowband-size:0;
mso-tstyle-colband-size:0;
mso-style-noshow:yes;
mso-style-priority:99;
mso-style-parent:””;
mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt;
mso-para-margin:0cm;
mso-para-margin-bottom:.0001pt;
mso-pagination:widow-orphan;
font-size:10.0pt;
font-family:”Calibri”,”sans-serif”;
mso-bidi-font-family:Arial;}
حميد سعيد وعلي جعفر العلاق وعلاء بشير وفاروق يوسف وهيثم فتح الله وكرم نعمة يعلقون زهرة في قداس لشاعر سيدة التفاحات الاربع.
ميدل ايست أونلاين/ عالية ممدوح
عن دار الأديب للصحافة والنشر في عمان يقدم الناشر والإعلامي العراقي هيثم فتح الله، صديق الفنانين العراقيين والعرب، اليتامي وأبناء السبيل، وبنات آوى من الفنانات العراقيات والعربيات، في الإصدار الجديد، الجميل الانيق، والمترف عن صديقنا جميعا الشاعر العراقي والروائي، المسرحي والتشكيلي يوسف الصائغ الذي مازالت الضواري تّجد في ملاحقته وبعد مماته ولا تتعب من ذلك، فيحضر هذا الكتاب من فنان وناشر عراقي وبمجموعة من شهادات من شعراء وكتاب، وكاتبة وحيدة!
هو كتاب إعلان وافادة وفاء ليس للصائغ والكتابة، ولا لرحلة طويلة تنقل فيها المحتفى به بين تجارب إبداعية شتى، وتراجيديا صريحة ومخفية ما بين الذاتي والثقافي، ما بين الوطني والعاطفي، وانما هو أيضا احتفاء لخصلة الاخلاص التي أفلت وتصدعت ويبدو انها في طريقها للانقراض، من يدري!
هذا الأمر الأول الذي استوقفني وبالدرجة الأولى عندما يتم الاتصال بالموتى/ الاحياء عن طريق بث البوح بالمشاعر والتأمل، التحليل والاكتشاف فيقدم هذا النوع من الكتب، نوعا من التعزية للنفس بذلك الفقدان الفظ المؤذي لقامة شعرية عراقية باهرة كانت مكتظة بالألم والشجن، بالسخرية والمرارة، بالمرض والوجع، بالطموح والشغف.
بعد أيام، أي في الثاني عشر من ديسمبر- كانون الاول من العام 2005 تمر الذكرى السابعة لمغادرته فيجئ هذا الكتاب الذي اختار بجانب شهادات أصحابه تشكيلات ومقاطع من دواوينه، نصوصه، رسومه ولوحاته وبياض صمته.
يقول الناشر هيثم فتح الله وهو يقدم هذا الكتاب البهي “قبل ان يرحل عنا المبدع يوسف الصائغ بأشهر قليلة أودع لدينا مجموعة من التخطيطات والرسومات لنحافظ عليها كبقية قليلة من ذكرياته ومعاناته الذي سجلها بريشته لتكون شاهد على ما كان يعانيه الصائغ من احوال منهكة ويأس قاتل“.
في الغلاف الأخير ُيختار هذا المقطع للشاعر الصائغ وكأنه تذوق التلف والتلاشي قبل موته “ما هذا زمن الشعر، ولا هذا زمني، هذا زمن مسدود، يأكل فيه الدود، صار العشاق يهودا فيه، والشعراء قرود، باركني بيدك الباردتين، وامنحني غفرانك يا وطني“.
اصحاب ورفاق يوسف في هذا الكتاب الشاعر العراقي حميد سعيد الذي يعنون شهادته بـ “الصائغ المختلف المبدع” “شّكل ظاهرة إبداعية استثنائية انفتحت على التعدد في انتاجه الثقافي.
تعرفت عليه في العام 1962 في مدينة الحلة، كان قد نقل من مدينة الموصل إلى الحلة لاسباب سياسية وعمل مدرسا في احدى مدارسها“.
سعيد والصائغ كانت تجمعهما روح صداقية وثقافية في الإبداع والشعر، وفي تذوق زهو الصداقة الني كنا نشهدها حين يحضران سويا في رحلات ثقافية لباريس بالذات. للشاعر حميد سعيد طاقة رحمانية في تحمل الاختلاف والتعدد، وأحيانا في الصوم عن اطلاق الدروس أو التفاخر. لقد اتاحت لي شخصيا لقاءات شتى كنت الطرف الثالث فيما بينهما وكانت المشاكسة واللجاجة من الصائغ هي المسرات والتلذذ بكل ما هو حي، هامشي خطر مستنزف ومقلوب رأسا على عقب .
يواصل سعيد قائلا “اتسمت حياة الصائغ بكثير من عدم الاستقرار إلى حد الفوضى، انه مجموعة مبدعين في واحد، وان ريشته الإبداعية شكلت باستمرار مفاجأة للذين عرفوه عن كثب أكثر من الذين لم يعرفوه، هو الذاتي المختلف والمتمرد الملول. هل كان يرى الحياة في الإبداع أكثر جمالا وأكثر استحقاقا في أن يعيشها“.
العلاق ويوسف يكتبان عن الصائغ
هذا الكتاب يحمل دراسة ثمينة عن تجربة الصائغ في القراءة المتفحصة لمنجزه الشعري، وبالتالي تحليل لحمولته التشكيلية من شاعرين هما علي جعفر العلاق وفاروق يوسف.
الأول تناول الصائغ في مراحله الثلاث “إن تجربة يوسف الصائغ كانت تمر في تصاعدها المثير للجدل عبر محطات ثلاث هي في حقيقتها، انتماءات ثلاثة: الانتماء الإنساني العام، الانتماء للذات، الانتماء للوطن. فالقصيدة في عالمه الشعري، ليست نجمة وحيدة، أو منبتة الصلة بمثيلاتها، انها جزء من عنقود الضوء أو نهر النجوم المتراصة“.
يحلل العلاق بطريقة منهجية وبقراءة ذكية وسقف معرفي وهاج مراحل الصائغ في دواوينه الشهيرة، مالك بن الريب، سيدة التفاحات الأربع. في الأول “إن اتخاذ قصيدة مالك بن الريب منطلقا للقول، وفر لقصيدة الصائغ ما تحتاجه من جاذبية الشجن“.
أما في سيدة التفاحات الأربع فقد كانت “انعطافة شعرية كبيرة في مسيرة الصائغ مغايرة تماما. هي نبرة الفرد، الاعزل اليائس الوحيد. حيث الذات تتآكل بفعل كوابيسها السوداء فالندم الفردي والخطأ الذي لا يقبل القسمة على اثنين“.
أعرف تلك السيدة صاحبة التفاحات الأربع، زوجته التي قتلت في حادث سير بين طريق العراق وتركيا.
تجاورنا في الحي الواحد ولاعوام قليلة قبل ان اترك العراق نهائيا في العام 1982. وكنا نزوره، ثلة من الصديقات فنشاهد أمامنا رجلا مهدما مستنزفا للنسغ البشري.
كنت اقول له، لو كنت كاهنا فتنقطع للتراتيل والصلوات ولإلقاء الدروس الدينية في احدى الكنائس.
لا يجيب ولا يبتسم، يدخن ويعرض نفسه للعبة الموت بشئ من المجون الذي يشبه الانتحار.
يختم العلاق قراءته المهمة بتشخيص شديد الذكاء “تناغما مع حياته التي كانت سريعة التحول، سريعة العطب سريعة الارتداد على الذات وعلى الآخر أيضا“.
تصميم هذا الكتاب النفيس جاء فاتنا فهو دس بطريقة شعرية أيضا ما بين الشهادات والصفحات تخطيطات ولوحات من رسومات الفنان الصائغ معظمها كانت في العام 2000 او بدون تواريخ، ومقاطع من ديوانه مالك بن الريب
“لقد أنبتوا حسكا في قرابة روحك
واحتفروا موضعا للشكوك، فبين جناحي غراب
حدودك يا بلدي وحدود الخيام
هنا يبتدي جسدي“.
في المخطوطات بورتريه لوجوه نسائية، اجساد تتشابك مع بعضها، عريها شفيف ويكاد يصرخ بالحزن الذي لا فكاك منه. عيون مغمضة واقدام مصابة بالفالج. حين يكتب الشاعر والناقد فاروق يوسف عن يوسف الرسام ومرحلته الايروتيكية.
وحسنا فعل فاروق فهذه مرحلة شديدة الاثارة في وجدان الصائغ، فهو العاشق الذي تنازل عن نصرانيته وصار مسلما من اجل غرامه الذي افقده رشده.
في شهادة فاروق يوسف يضعنا داخل شهوية التشكيلي حين زاره مع حشد من الشعراء المشاكسين.
الصائغ شاعر حدّاع لا نستطيع ان نحدد ظاهرة الايروتيك لديه، وعبر لوحة او لوحات فحسب، وانما في اثناء مفهوم العنف واللحم الذي نراه احيانا في بعض لوحاته مشبوبا وكأنه يشوى على نار هادئة.
يحلل فاروق يوسف قائلا “كان سرياليا في مزاجه السادي العنيف، ايروتيكيته تخلت عن كل حيطة وصارت تسمى الاشياء باسمائها الصريحة. شخصية معقدة ومركبة من هذا المعنى لا يمكن ان ترضى بجماليات ناعمة. كان مهتما بالمعنى المشحون بقدر لافت من الحس المأساوي الذي يجتمع من خلالها المتخيل بالواقعي عند نقطة واحدة من العذاب، فهو وان لم يكن رساما محترفا وظل واقفا عند حافة الهواية“.
شهادتي
شخصيا كتبت عنه شهادة ضمن هذا الكتاب أيضا، وهي شهادة تشي بهشاشة ما ندونه عن الاصدقاء الموتى.
شعرت وأنا اقرأها ثانية وأنا في عمان والكتاب على وشك الصدور، انها تقع بين الثناء أو التكريم الناقص عن حده، فهو ما زال صديقي، هو واحد من أجمل الاصدقاء في حياتي، واشعر انه في كثير من الأوقات أشد حضورا في صداقته، هو الغائب من كثير من الشعراء الحاضرين الاحياء.
في كثير من الأمكنة والدول أشعر بانتماء ما إلى يوسف الصائغ، ليس صلة قرابة فنحن لا نؤمن بها معا.
فما أنا الا سيدة شكاكة، ملحاحة ولدي أنانية في بعض الأحيان لا تطاق وهو أكثر مني!
كنت أشعر انه من ذرية عجولة ومستعجلة مثلي، وان جميع الوظائف التي نشغلها لا علاقة لنا بها، وان عيوبنا هي النوغ الامثل من فضائل الكتابة وغير مرتبطة بزمان أو مكان.
هو حي واستعجله هذه المرة، وحسنا لم اره على سرير الاحتضار فقد تركته قليل الاشراق لكنه متبرم عنيف يشيد الصداقة حتى لو لم يكن لها القداس الذي يخص الوفاء اللائق بها، لكنه دائما كان يقول عني “فلانة بنت ممدوح صديق، وليس صديقة فقط الخ“!
في شهادتي المنشورة سابقا في صحيفة الرياض، والتي اعدنا نشرها في هذا الكتاب، لم يستلطفها الشاعر حميد سعيد، ربما لأنني الأنثى الوحيدة وسط الذكور الغيارى، لكنني انا أيضا لم استلطفها لأنها لم تعط الصائغ حقه ولن.
الرسام العراقي وصديق الصائغ علاء بشير هو أيضا كتب قائلا “لقد عرفت مظاهر انفعالاته التي يجاهد ان يطوقها بابداعه الفذ، وكان مصدرها ادراكه عدم تمكنه من اظهار جوانب كثيرة لطاقته الكامنة في ضميره ووجدانه“.
أما الصحافي والكاتب كرم نعمة فقد ختم الكتاب بشهادة آسرة ومرة، بمرثية عن الشاعر، فقد اعاد الصائغ لكتابه عموده الاشهر “افكار بصوت عال” من على صفحات جريدة الزمان العراقية “بعد سنوات الصمت المريرة بالتأمل والحرقة لبلاد احبها وهي تستباح أمامه، باح بما باح من أسئلة عن الشعر والوطن وجراح التماثيل ودمها المراق في الزمن الديمقراطي الجديد“.