في آمرلي هذه المدينة العجيبة التي قاتل رجالها ونساؤها واطفالها وشيوخها طيلة ثلاثة وثمانين يوما عصابات الارهاب والموت ومنعوها باسلحة بسيطة وبطون جائعة وعروق شبه يابسة لطول ظمأ من ان تدنس مدينتهم حتى شبهها المراقبون بمدينة ستالينغراد السوفيتية اكثر من قصة يتداخل فيها العجائبي والاسطوري وتصلح لان تكون وعاء روائيا او سينمائيا كبيرا.
ام مصطفى سيدة تركت اوجاع سنواتها السبعين على محياها حزنا فجائعيا جفف الدموع في عينيها.
بيت السيدة ام مصطفى يقع خلف ساتر ترابي عمله المواطنون في آمرلي لمقاتلة الدواعش.
من البيت هب زوجها واولاده الثلاثة منذ اليوم الاول لمحاولة الارهابيين اقتحام المدينة الى مقاتلتهم فتحول بيتهم الى ساتر قتالي آخر برع فيه الاب واولاده في القتال حتى اوجعوا الارهابيين واصابوا الكثير منهم مقتلا.
يتناوبون ليلا ونهارا على حراسة مدينتهم عبر بيتهم من جهة وتحصيل ما يمكن تحصيله من طعام، ومن ماء يغترف من بئر ضحلة.
في اولى فجائع هذه السيدة فقدانها لاحد ابنائها اذ استشهد بقذيفة صوبها الارهابيون نحوه وهو يقاتلهم قتال الفرسان الاصلاء، وكان اوجع فجائعها ان الارهابيين تمكنوا من اصابة زوجها وابنيها الاخرين ثم سحلهما على حصى شفرته القذائف حتى الموت.
هذه السيدة الصابرة المحتسبة اوجعتني وهي تروي لي تفاصيل قصتها الدامية في بيت لم يبق منه الا الظل فقط، فقد دمره الارهابيون وحولوه الى اطلال بعد ما كان بيتا لعائلة مسالمة آمنة مطمئنة تعنى بالخير والمحبة والسلام.
ام مصطفى الان بلا منزل، تقضي نهاراتها قرب اطلال منزلها المدمر تسترجع ذكريات زوجها وابنائها، هنا اكلوا، هنا شربوا، هنا جلسوا، هنا صلوا، هنا افطروا بعد صيام، وتتوجه ليلا للمبيت في مسجد قريب.
بأي وجه سيقابل هؤلاء الوحوش رب المحبة والسلام؟؟