ياسر عرفات توسط لزيارة الوفد وصدام اعطى الضوء الاخضر
احد اعضاء الوفد : من شعراء عراقيين عرفت ان هناك جهنما حقا
جاكي حوكي
ترجمة : صباح ناجي الشيخلي
تخيلوا مع أنفسكم، أن يصل في صباح ربيعي مشرق إلى مطار بغداد الدولي، وفد يضم عشرات الإسرائيليين من أصل عراقي. وتنتظرهم في المطار سيارات حكومية، إذ يستقبلهم بود موظفون رسميون تابعون لصدام حسين. ويجري نقلهم من هناك إلى قصره، بغية إجراء مقابلة موسعة معه. ثم يتحدثون في الحوار عن كل شيء: فهم يحكون له عن صباهم في هذا البلد، ويسألونه عن رأيه حول مشاكل مستعرة يتضمنها جدول أعمال الشرق الأوسط، كما يتمازحون من هنا وهناك حول الأيام التي ضرب بها العراق إسرائيل بصواريخ سكاد. وعلى الرغم من ذلك، يقترح على كل واحد منهم القيام بزيارة أولية لجذور مسقط رأسه. ويتفقد أحدهم بعد الآخر منازل آبائهم فيصابون بخيبة أمل عند اكتشافهم أن الأحياء قد تغيرت، وهم لن يتمكنوا من التعرف على أي شيء. وينتظرهم في إسرائيل سياسيون بوجوه متجهمة، ولكن منْ يعنيه هذا الأمر. ويقول أحدهم عند عودته : ” صدام هذا يُعد لطيفا بشكل خاص”.
يتضح الآن أن هذا لم يكن حلما ولا أسطورة، إنما برنامج كان يمكن تحقيقه قبل أربعة عشر عاما، وكاد يخرج إلى حيز التنفيذ لولا الإحباط المستهدف الذي نفذه الرئيس الأمريكي جورج بوش ضد ذلك البرنامج، الذي وسم صدام بوصفه عدو الإنسانية، وتوجه للإطاحة به. فقد شنت القوات الأمريكية في العشرين من آذار عام 2003 حربا، إذ احتلت عند انتهاء ثلاثة أسابيع فقط بغداد وطردوا منها الرئيس الذي يعلم كل شيء، وأعدم صدام في الثلاثين من كانون الأول عام 2006، عند انتهاء محاكمة طويلة وعلنية.
ويحكي لأول مرة لطيف دوري الرجل اليساري عند مرور عقد من الزمن على إعدام صدام، عن تفصيلات البرنامج الذي صاغه بوساطة ياسر عرفات وموافقة حماسية لعشرات الإسرائيليين من نازحي العراق. ويُجري دوري الذي هو أحد مستوطني رمات – كان منذ عشرات السنين اتصالات مع كبار مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية. وهو يهودي من مواليد بغداد، وعضو حركة “ميرتس″، من أولئك الذين يقولون عنهم أنهم من اليساريين الذين يمشون في منامهم، بينما هم يشهدون على أنفسهم، أنهم دائما يسبقون زمانهم.
سمك مسكوف
كان الوضع الإنساني للعراق عشية الحرب، سيئا جدا بسبب نظام العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عليه منذ غزو صدام للكويت، قبل ذلك بثلاث عشرة سنة. وقد بدأت رياح الحرب تهب، وفكر دوري كيف يستطيع مساعدة العراقيين دون أن يثير غضب الأمم المتحدة من جهة، ورفض بغداد لذلك من جهة ثانية. وقرر أن يقوم بجمع غذاء ودواء، فكدّس خلال بعضة أسابيع إرسالية تزن مئات الكيلو غرامات. ويقول دوري: “أسهم الجميع بذلك، وبضمنهم رجال اليمين أيضا. إذ يُعد هذا الأمر مسألة إنسانية. تعّرفتُ على عرفات وكنا صديقين جيدين. وكنتُ أزوره كل أسبوع أو عشرة أيام في مكتبه. وهو أحبني كثيرا. أحيانا يوقف جلسات الحكومة عندما أصل إليه. ليس من أجلي وإنما من أجل السلام. عندئذ ذهبتُ إليه في أحد أيام كانون الأول عام 2002، وقلتُ له، سيدي أطلبُ منك أن تتوجه إلى صدام وتستأذنه أن يسمح بإدخال المساعدة، مع وفد من يهود العراق. فقد كانت له علاقات جيدة مع صدام. فأجاب لا توجد مشكلة. واستطعتُ أن أبعث بعض الأشخاص الذين رغبتُ بهم، ولم تكن هناك أية قيود”.
{ هل هناك منْ رفض؟
قليلون. ولماذا يرفضون؟ مكثنا ألفين وسبعمائة سنة في العراق. وكانت لنا علاقات عظيمة. تُرى في أي مجال لم نكن مندمجين؟ في مجال الثقافة، في السياسة، في الأمور المالية، في البناء. “كان من بين الشيوعيين الكثير من اليهود. لذلك كان السقوط بالنسبة لنا خطيرا جدا. فخلال أيام عدة، تصل من باب الشرقي إلى اللد. أنه ظلام دامس”. ويحكي دوري، وجّه عرفات في العشرين من كانون الثاني 2003، طلبا إلى صدام. وتلقت رام الله في الخامس من آذار الضوء الأخضر من بغداد. “وشرعتُ بالعمل لتشكيل الوفد من، سامي ميخائيل، ساسون سوميخ، روني سومك وشمعون بلاس، وجميعهم من الطبقة المثقفة الأولى. ورغبنا أن يكون ذلك شيئا ما مبجلا.
ولكن، في غضون ذلك قام البيت الأبيض بنسج خطط أخرى. كانت إدارة الرئيس جورج بوش مرتبكة بسبب أحداث الحادي عشر من أيلول والتورط في أفغانستان، لذلك كان بحاجة لانتصار سريع. وقررت الدولة العظمى الأقوى في العالم بإجراء متهور وينطوي على السطحية، القيام بعملية عسكرية لإسقاط صدام ، على الرغم من أنه لم يكن له أية صلة بأحداث الحادي عشر من أيلول. وذكر دوري، “حينما حل العشرين من آذار، غزى أولئك الأشرار العراق ووضعوا نهاية ذلك العمل”.
اضطرت بغداد للانتظار
ضاع البرنامج هباءً منثورا. ولم يبق لنا سوى التظاهر. فقد تظاهر في الغداة ثلاثة آلاف شخص في تل أبيب ضد الحرب، أكثرهم من اليهود. “تظاهرنا مرة ثانية بعد أيام معدودات أمام سفارة الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أجرت بعض الصحف العربية مقابلات معي. فقلتُ لهم : أنا ولدتُ هناك، وأن الغزو الأمريكي حال دون زيارتي إلى العراق”.
{ إذاً، دمرّ جورج بوش زيارة وطنك.
– “هذا الكلب. لا بأس على الزيارة. فهو قد دمر الشعب العراقي”.
{ وماذا حل بمصير الإرسالية؟
سلمتُها لعرفات، وهو قام بنقلها إلى مخيمات اللاجئين. وقد أبدى أسفه الكبير وأخذ يلعن الأمريكان وآبائهم. “لو تم تنفيذ البرنامج، صف لنا أي صدى كان سيُحدثهُ لك”. يتذكر الشاعر روني سومك جيدا طلب دوري. ولد سومك في بغداد في كانون الأول عام 1951، وهو يحتفظ حتى الآن ببيان ولادته الذي أصدره له موظفو المملكة. ويقص لنا سومك هذا الاسبوع بقوله: “حدث في البيت نقاش مستعر، فقد انتاب زوجتي ليئورا ذعر، كوني قد خططتُ للسفر. كان الإغراء كبيرا، فمن ناحيتي كانت دعوة للتعرف على غرفة ولادتي. والأكثر من ذلك ما قال لي سامي ميخائيل: نحن ذاهبون في الأسبوع المقبل لتناول المسكوف (سمك) عند ضفاف نهر دجلة. وقلتُ معي نفسي، الآن أنا ذاهب لإخراج العظام التي أخرجها جدي وجدتي من تلك الأسماك أيضا”.
وقد وجهت لسومك، بعد سنوات عدة لزيارة العراق التي منعت عنه، من لدن معارف له في الجيش الأمريكي الذين خدموا في بغداد. واختار رفض ذلك. قائلا: “قررتُ أنني لا أعود تحت حماية الجيش الأمريكي. فأنا أريد أن أهبط في مطار بغداد لكي أقدم جواز سفري العراقي، ولأحصل على الختم واشعر مثل أي مولود عراقي حقيقي”.
خسرت السفرة، لكن ربحت اللقاءات مع شعراء عراقيين، التي لم تكن تُجرى لولا إسقاط النظام.
الحقيقة أن هؤلاء شعراء هربوا من العراق بعد قليل من تسنم صدام للسلطة، وقد ساعدتني معرفتهم في باريس. “فقد صدر لي مع أحدهم وهو صلاح الحمداني، كتاب شعري مشترك في فرنسا. وحينما استمعُ منهم عن صدام ، أفهم أنه يوجد لكلمة جهنم معنى حقيقي”.
{ آمل أنك الآن هادئ، فمنذ عشر سنين ورئيسك ليس معنا.
كان يتوجب إبعاده، لأنه فعل جرائم ضد الإنسانية. وعندما ألتقي مع شعراء عراقيين أذكر لهم – صدام – “فهذا الأمر قد يماثل ذكر هيتلر على مسامع الناجين من الكارثة”.(يتبع في العدد المقبل).