وها نحن بعد يأس ودوخة وفقدان أملٍ عظيم، نستعين بمقياس خير الضررين أو أهون الشرّين الحتميين، في مسألة عرش الرئاسة القادم بأميركا الوغدة.
شخصياً حسمتُ أمري وتوكلتُ على ربّي واتكأتُ على عقلي الشغّال ونظري الذي تدرب على قراءة الممحو والطامس خلف المعنى، وقررتُ الرهان العاطفيّ الممزوج بالعقل، على فوز دونالد ترامب بكرسي البيت الأبيض الثمين.
وحتى لا يكون الأمر مغبّشاً مضبّباً عائماً، لا طعمَ به كي نتذوّق، ولا ضوع عليه كي نتعطّر، سنفتي بأنّ فوز دونالد المستعجل سيعني لنا نحن الجزء الميت النائم حتى الآن من العالم، فائدتين لا أدري ثالثتهما حتى اللحظة.
فأما الأولى فإنّ الرجل نصف المجنون وبما عُرفَ عنه من حمقٍ وخفّة وفقدان توازن، قد يقود أميركا الشريرة إلى مغاطس ومطائن ومستنقعات جديدة، كما صنع من قبله الناقص بوش الإبن، وهذا شيء ستكون فوائده مبهجة للأرض أجمعين، إذ ثبت عملياً أنَّ أميركا ضعيفة ومريضة ومهدودة الحيل مثل رفسة ثورٍ أخيرة، سينتجُ عنها أميركا مسالمة وطيبة وعادلة وكريمة ومفيدة للناس كلهم.
وأما الفائدة الثانية فتكمن في أنه قد يلجأ إلى غلق بوابة أميركا على نفسها وتنظيفها وترتيبها من الداخل، وهذا أمرٌ مبهجٌ آخر للأرض المظلومة التي ستستريح وتلتقط أنفاسها وتحدد الناس مصائرها بعيداً عن أنفاس الوحش الأميركي الخطير، وقد تلد تلك العملية التأريخية الماجدة، ولايات متحدة أميركية محبوبة وطيبة من دون ذرة شر ومثقال جشع وغطرسة.
من أثاث دكة رهاني المبارك هذا، هو أنني قرأت تصريحاً فريداً واضحاً مستلاً من مشاعر ذنبٍ ساح على لسان ترامب، طلب فيه محاسبة كلّ جنود وضباط بلاده الحرامية الذين نقلوا سلالاً من دولارات مملينة مأخوذة من خزنة فقراء العراق، وهذا سيعني بالضرورة فتح الملف الدسم المغطى والمسكوت عنه من سيرة لصوص الدولارات والآثار والنفط المشاع، الرافدينيين منهم وأبناء وبنات العم سام.
من الموجع والمهين أننا نضبط ساعة حيواتنا الممكنة، حسب التوقيت المحلي لدقات ساعة الآخرين، وسيظلّ عزاؤنا المؤجل هو أنَّ الأيامَ دولٌ، لكن متى تأتي أيامنا ودولتنا؟