جمال حافظ واعي
1
عندما يكون الوجه عصيا على الأقنعة ذلك لأنه غير متاح لها، وليس له صورة في مقاساتها. وجه لا يُستدل عليه إلاّ به ولا يستعير ما فصلوه لسواه. القناع عند بعض الوجوه يشبه جواز المرور أو سر الليل، أو فزاعة مريبة. لا مرآة للقناع مادام يضلّل المرايا ويسكن في شقوقها. ثمة وجوه تستطيع أن تفصّل منها أقنعة لا حصر لها كونها مقنّعة بالوراثة وقد جُبلت على التنكر لأنها نكرات أصلا.
الوجه الذي لا يصلح لأي قناع، هو في نقطة ما يؤسس احتدامه، ذلك الخارج عن التقاويم ومنظومة التدجين والإكراه، يتتابع في المضي وكأن قدره أن يكون النسخة المضادة لإيقونة التاريخ. الانحشار في القناع هو ضآلة الكائن المكرس في الجوقة التي تتأهب عند سماع بوق التعداد في صباحات الثكنة. القناع وصفة جاهزة للانخراط في كل ما لا تسمية له. عندما لا تشبه نفسك فالقناع أولى بها. ثمة وجوه مهيأة لأي قناع، تختصر نفسها فيه، فهي مقاسات جاهزة تمطّ نفسها حسب الطلب وتنكمش إذا دعت الضرورة. كل الأضداد والثنائيات تخذل وجوهها داخل الأقنعة إذ تترك لهذه الأقنعة مهمة أن تتكفل بصياغتها
2
القناع هو الضد الآخر الذي يتربص بك ليحول بينك وبين ذاتك. عندما تكون الأقنعة مبثوثة في الشوارع، أشبه بحقول ألغام، فما عليك إلاّ التفلّت من الوجوه المنحشرة فيها، تلك القابلة للانفجار في أية لحظة. تاريخ السلالات هو تاريخ الأقنعة والتبدلات التي تطرأ على الوجوه هي ذاتها التي تطرأ على الأقنعة. ثمة وجوه تتطابق مع أقنعتها إلى حد الحلول بحيث يصعب عليك أن تفرق بين الوجه وقناعه، تلك الوجوه انوجدت أصلا كيما تتلبسها الأقنعة وتحل فيها، بل ان زمن هذه الوجوه في أقنعتها أكثر من زمنها مجردة منها فقد استمرأت حياة الأقنعة. لكن بالمقابل هناك وجوه تتقيأ الأقنعة كلما اقتربت منها، بل انها تتآكل تحت سطوة القناع وهو بالنسبة لها لا يختلف عن الورم الخبيث.
الأقنعة التي تتقدم إلينا بكهوفها تستنفر فينا غريزة الاحتماء وتستغفل التاريخ حين تفبرك أقنعة مومياءاتها لاستنطاق الوجوه. القناع احتراف والشخصية المقنّعة تخلق أقنعتها من العدم وهاجسها هو المكوث في منطقة القناع وعدم مبارحتها وجعلها مثابة تصنّع فيها أقنعة الجهات الأربع.
انها توحي لنا بأنها مشغولة بهواجس الأسئلة الكبرى وتلك خديعتها في تحشيد الذوات.