خلافا لكل التصريحات التي اطلقها رئيس الحكومة واركانها حول جاهزية القوات العراقية لادارة الملف الامني بعد رحيل قوات الغزو والاحتلال كشفت صحيفة لوس انجلوس تايمز عن وثيقة استراتيجية اعدتها وزارة الدفاع العراقية، تؤكد حاجة العراق لنوع من الوجود العسكري الاميركي المستمر لحمايته من التهديدات الخارجية ولتدريب قواته خصوصا وانه غير قادر على الدفاع عن مجاله الجوي. وطبقاً للقادة الاميركيين والعراقيين فان العراق سيحتاج الدعم العسكري الاميركي لعقد آخر للدفَاع عن حدوده، لأن الجيش العراقي لن يكون جاهزا لحماية البلاد عندما تغادر القوات الاميركية في نهاية المطاف.وبحسب لوس انجلوس تايمز، فان وثيقة إستراتيجية لوزارة الدفاعِ العراقية توضح ان العراق لن يكون قادرا على الدفاع عن حدوده حتى 2020، وفقا لما قاله رئيس هيئة أركان القوات المسلحة العراقية، الجنرال بابكر زيباري، الذي اضاف “ان الجنود والضباط العراقيين يودون بقاء القوات الاميركيةَ في العراق لحين تمكنهم من القيام بعملهم 100 %، ولا اقول قوة ضخمة، فقط ثلاث او أربع قواعد”.وحتى القادة الاميركيين الذين يقولون بأنهم واثقون إلى حدّ معقول بقدرة القوات الأمنية العراقية في الاستمرار بحفظ النظام عند مواجهة التهديدات الداخليةَ الأخرى، يؤكدون ان ” ذلك لن يتحقق عندما يتعلق الأمر بقدرة الجيش على حماية البلد من هجمات الدول الأخرى، عندما يبقى وحيدا في الميدان بعد مغادرة القوات الاميركية”، طبقاً للجنرال مايكل باربيرو قائد البرنامج التدريبي العسكريِ الاميركيِ في العراق.ويضيف “يجب أن يكون هناك نوع من الوجود العسكري الاميركي المستمر بعد 2011، وهذه محاولة اقناع فظة للأميركان المتلهفين لإنسحاب سريع، لحماية البلد من التهديدات الخارجية ولتوفير التدريب الضروري للجيش العراقي للوصول به في النهاية الى الاعلى بعد البداية معه من الصفر”.وما يسبب القلق قد يكون عدم قدرة العراق على الدفَاع عن مجاله الجوي في منطقة تمتلئ بالصواريخ والطائرات المقاتلة بالإضافة إلى الغيرة الطويلة المدى وتأريخ طويل من الحروب، منها حروب بسبب الخلافات الحدودية. وقد قدمت الحكومة العراقية طلبها الأول للولايات المتحدة للحصول على 18 طائرة مقاتلة من نوع إف -16 في آذار، التي يتوقع وصولها في 2013.ويقول اللواء سكوت هانسن، الذي يترأس البعثة الأميركيةَ المسؤولة عن تدريب القوة الجوية العراقية “يمكنني ان اقول اننا جزء لخمس سنوات من برنامج يمتد على مدى 10- 15 سنة، ونحن على مدرج منزلق ولكننا لسنا في نهاية الممر”.ويقول محللو الاخبار في لوس انجلوس تايمز انه مع الغموض السائد فمن المستحيل توقع ان كانت القوات الاميركية ستبقى بعد الموعد النهائي. والقضيةَ حساسة سياسيا في واشنطن وبغداد على حد سواء، والكثير سيعتمد على الحكومة العراقية المقبلة، والتي ان كانت تحت قيادة الحلفاء المقربين لإيران فمن غير المحتمل أن تطلب استمرار المساعدة الاميركية.وكذلك فان ثمة اسئلة اخرى حول رغبة اميركا لابقاء قوات اميركية لمدى طويل مع القدرة على توفير التمويل اللازم. وقد طالبت وزارة الدفاع بان يقوم مجلس الشيوخ بمراجعة قراره بشطر طلبها بتخصيص ملياري دولار لتوفير اجهزة للجيش العراقيِ في عام2011 الى نصفين.ويقول مسؤولون اميركان ان هناك تحديات محلية، مثل العودة المحتملة للمسلحين، مع وجود ميليشات مسلحة بشكل جيد، اضافة للتوترات بين الفئات السياسية وكلها تشكل التهديد العام الأكبر لاستقرار العراق على المدى الطويل. لكن العديد من العراقيين يخافون من كون بلادهم ضعيفة مع وجود طموحات للبلدان المجاورة التي تملك جيوشا كبيرة. ويقول بابكر زيباري “إذا سحبت اميركا قواتها وتسببت إحدى البلدان المجاورة بمشكلة، فاننا سنكون في ورطة”.ويقول تيد جالينوس كاربينتر خبير الامن القومي في معهد كاتو ومقره واشنطن “يبدو ان المخططين العسكريين الاميركان هناك يعانون من الحول”، ويعتقد ان على الولايات المتحدة ابقاء تواجد عسكري كبير ذي قيمة بعد عام 2011 لكي لايكون العراق الزناد الذي يشعل عدم الاستقرار في المنطقة.ويضيف “ما يدهشني هو ان صناع القرار السياسي لم يضعوا ذلك في بالهم عندما قرروا ازاحة العراق عن مكانته كلاعب جيوستراتيجي في المنطقة، ولست متأكدا عما كان يدور في حساباتهم.”ويقول المسؤولون العسكريون الاميركيون بأنهم مدركون بقوة للنقص في قابليات العراق الدفاعية. ويقول اللواء سكوت هانسن، الذي يترأس البعثة الاميركيةَ المسؤولة عن تدريب القوة الجوية العراقية “قبل سنتين كانت مستويات العنف أعلى بكثير مما هي عليه اليوم والقتال كَان يشكل البؤرةَ، وفي تلك الفترة كان العمل منصبا بذلك الاتجاه”، فيما يحاول الفريق مايكل باربيرو قائد البرنامج التدريبي العسكريِ الاميركيِ في العراق التهدئة بالقول ان مهمة الجيش الاميركي التدريبية خلال 2011 ستغير وجهتها نحو تهيئة الجيش العراقي للدفَاع ضد التهديدات الخارجية.وفي مركز تدريب بسماية القتالي الواقع شرق بغداد فان الجهود جارية للتدريب على صد الاعتداءات الخارجية، ففي كل صباح يمكنك مشاهدة 6 دبابات أبرامز قتالية وفرها الجيش الاميركيِ لاغراض التدريب، تتحرك إلى البرية للممارسة على ضرب أهداف من ورق مقوى في وقت كان فيه متدرب عراقي يتحكم بجهاز سيطرة، يصدر الاوامر من برج سيطرة.وصرخ المدرب في احد الاطقم الذي بدا انه يطلق النار عشوائيا “على ماذا تطلق النار؟ ليس هناك من هدف! اوقف اطلاق النار”. وتصاعدت دوامة من الغبار في الافق وتم تصحيح وضع الدبابة فاصابت هدفين مما ألهب التصفيق من قبل المدربين الاميركان والمتدربين العراقيين.ودبابة الابرامز التي هي “حصان العمل” للجيش الاميركي ستصبح القطعة المركزيةَ في دفاعات العراق الارضية. وقد وصلت الاسبوع الماضي الدفعة الاولى البالغة 11 دبابة من اصل 140 اشترتها الحكومة العراقية. لكن الاطقم لن تكون قادرة على تشغيلها، والدبابات لن تصل حتى منتصف عام 2012. اضافة لذلك فان للعراق اسلحة بقيمة 13 مليار دولار اميركي قام بطلبها او انها قيد المناقشة لكنها تحتاج لسنوات للبت فيها.والعديد من اطقم التدريب العراقيين هم من محاربي العراق السابقين وهم حانقون لان عدد افراد الجيش العراقي الجديد 238 ألفا اي أصغر بكثير من الجيش السابق، الذي عُد مرة بانه اكثر من 500 الف مقاتل وكانت تخافه كل دول المنطقة.ويقول النقيب هشام جميل 36 عاما الذي كان آمراً لطاقم دبابة أثناء حرب 2003 “نحن نحتاج أكثَر، نحتاج الطائرات، والدبابات، وناقلات جنود مسلحة، وعربات السترايكر والبرادلي “.والعراق بعيد من الوصول للحالة التي يمكنه فيها ان يهدد جيرانه ثانية. ويقول مسؤولون اميركان ان مبيعات الأسلحة التي في البال لن تقربه من تلك النقطة. ورغم ذلك، فان البعض من المبيعات يمكن أن تثير جدلا وأكراد العراق أبدوا معارضةَ لصفقة بيع مقاتلات إف -16.ويقول المحللون ان هناك ادراكا واسعا في واشنطن للحاجة لبناء علاقة عسكرية دائمية مع العراق.ومن المحتمل، ان أي حضور بسيط للمستشارين بعد 2011 سيحصل على الدعم وفقا لما قاله كينيث كاتزمان الباحث في الكونغرس، والذي يستطلع ثقة القادة الاميركيين في قابليات القوات الأمنية العراقية المحلية.ويضيف ان للولايات المتحدة “مصلحة ستراتيجية طويلة المدى هناك. وإذا نفذ برنامج الانسحاب الكامل فمن الممكن ان يتعرض العراق للتقسيم بسبب النزاعِ الطائفيِ، وسيتدخل الجيران وهذا يعني ان المشروع بكامله قد يتحطم. أعتقد ان هناك شعورا بعدم ترك ذلك يحدث”
وقال ناثان هيغس، مدير قسم التحليلات العسكرية في شركة الاستخبارات العالمية ((ستراتفور))، إنه على الرغم من ان القوات العراقية حققت تقدما خلال السنتين الماضيتين، فإنها حققت ذلك في بيئة يسودها الامن الى حد كبير مقارنة مع تلك التي كانت قبل تطبيق اتفاق مشاركة السلطة في بغداد. وأضاف ان “هذا قد تحقق بفضل وجود عدد كبير من القوات في البلاد”.غير ان ميزان القوى بين الفصائل الطائفية في العراق هش، واذا اخل به فإن قوات الامن العراقية لن تكون فعالة، على حد قوله. واردف قائلا “لذا، فإن السؤال الحقيقي هو هل تستطيع اي حكومة جديدة فرض السيطرة في بغداد؟ هل يمكن ايجاد اتفاق متكافيء ومقبول لدى كافة الفصائل الطائفية بشأن تقاسم السلطة ؟ .. اذا تحقق هذا، فربما تتمكن قوات الامن العراقية من القيام بمهمتها. ولكن بدون التفاهم السياسي والتفاهم بين الطوائف والاعراق المختلفة، فربما لن تتمكن القوات العراقية من احلال الامن على الارض ).