نظام مبارك يلتزم الصمت المخزي حيال مصير العالم العربي سعد زغلول
العرب اونلاين: محمد صالح مجيّد:
لقد أثبت اجتياح العراق أنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة لم تتوغّل في رمال الحرب بحثا عن أسلحة الدمار الشامل، كما روّج لذلك البيت الأبيض وإعلامه، بل كانت تبغي من وراء مُغامرتها جَمْعَ “عقول العلم الشامل” التي مكّنت العراق مِنْ أن يسير في طريق النووي بحثا وتجربة، وتوظيف كلّ الوسائل إلى ترويضها واستمالتها.
ومِن القضايا التي ما زالت تمثّل لغزا محيّرا، قضيّة العالم النوويّ المصري “أسامة زغلول” التي أثارت الاستغراب في مصر وأمريكا، وطرحت عديد الأسئلة عن الطرق التي تلجأ إليها الولايات المتحّدة الأمريكيّة لصيد العقول كرها وطوعا، بالترغيب مرّة، وبالترهيب مرّات.
ورغم التعتيم الإعلامي، ورغم مرور سَنَتيْن على اعتقال “أسامة زغلول” فإنّ هذه المظلمة التي سُلّطَت على هذا العالم قد بدأت تعرف طريقها إلى الإعلام بفضل جهود عائلته التي لا تريد أن تفرّط في حقّ ابنها المعتقل.
و”أسامة زغلول” عالم مصريّ هاجر إلى الولايات المتحدة سنة 1994 بعد أن وقع إغراؤه بالمال، كغيره من عديد الكفاءات العربيّة في مجالات مختلفة، فاستقرّ فيها باحثا وأستاذا بجامعة “واشنطن ستيت”. واعترافا بمكانته العلميّة، مثّل الولايات المتحدة الأمريكية في ندوات ومؤتمرات عالميّة، آخرها بألمانيا، وعند عودته وجد نفسه مرميّا في السجن بتهم يُمْكن أن تحكم عليه بأن يظلّ بقيّة حياته في السجن.
لقد بدأت مأساته عندما قرّر لأسباب نفسيّة أو عائليّة، أن يعود إلى مصر لزيارة قبر والده الذي توفي أثناء سفره، ولم يتمكن من حضور جنازته. ولم يكن يدور بخلده أنّ مثل هذا الطلب الذي قوبل بالرفض، فأصرّ عليه، سيجعله مرميّا في السجن بتهم شتّى هي التحرّش الجنسي والاعتداء على ستة عشر طفلا! ولعلّ أغرب هذه التهم “الاعتداء الجنسي على زوجته”! وغير خاف أنّ مثل هذه التهمة يَصعُب إثباتها. وهو ما جعل الأسرة تعتبرها تهمة ملفّقة الغاية منها تحطيم هذا العالم نفسيّا والدفع به إلى حافة الانهيار!!.
وتؤكّد عائلته أنّ اعتقاله سنة 2008 تمّ بُعيْد مطالبته بالعودة إلى بلاده، مُشيرة إلى أنّ السلطات الأمريكيّة أقدمت إضافة إلى سجنه على الحجز على رصيده من الأموال في البنك والذي بلغ سبعة ملايين دولار جمعها بالتعب والشقاء والبحث العلميّ الجّاد.
وإذا ثبت أنّ العالم “أسامة زغلول” قد تحرّش بامرأة واعتدى على الأطفال جنسيّا فأيّ مبرّر للحجز على أمواله؟ هل تشكّ السلطات في مصدرها؟ وهل يُحجز مال كلّ متحرّش أو معتد على زوجته في أمريكا؟؟
والمثير فى قضيّة الاعتداء على الأطفال هو اختفاء أسر الضحايا وملازمتها الصمت! فأين هؤلاء الأطفال الذين اعتدى عليهم؟ وأين هي أسرهم؟ وما هي الأدلّة التى تقدموا بها؟!
وإذا سلّمنا بصحّة هذه التهم المتجمّعة بالصدفة، لماذا يبقى هذا العالم سنتيْن وراء القضبان دون محاكمة؟؟ وهل أنّ الزجّ به في السجن مجرّد قرار قضائي مبنيّ على جرائم أخلاقيّة ارتكبها أم أنّه لا يعدو أن يكون قرارا سياسيّا متعلّقا بالأمن القومي الأمريكي؟! وما سرّ تجديد سجنه كلّ ثلاثة أشهر؟!
والسؤال الأهم هو: هل أنّ رفض تمكين هذا العالم من العودة إلى بلاده في إجازة يعود إلى الخوف من أن يمدّ المصريين بمعلومات تستفيد منها مصر في المشروع النووي السلمي الذي تنوي إقامته بدعم من أمريكا!!؟؟ هل هو الخوف من أن يتكرّر ما حدث في “الباكستان” عندما باع “أب القنبلة النوويّة” أسرارا دقيقة إلى بلدان لا تطمئنّ إليها أمريكا؟
إنّ ما حدث، ويحدث للعالم “أسامة زغلول” يطرح مسألة غُربة العقل العربي الذي يجد نفسه محاصرا بإغراءات الغرب وتهديداته، عبر تمكينه من امتيازات خياليّة من جهة، وبالإقصاء والاغتيال والسجن إذا ما رفض الانصياع من جهة أخرى. فأين دور الجامعة العربية في حماية العقول العربية وخاصّة العراقيّة منها التي يُقتل أصحابها على مرأى ومسمع الجميع دون تحرّك عربيّ لحماية هؤلاء الذين يعتبرون ثروة وطنية تَجب حمايتها؟؟.
خلاصة القول، إنّ الولايات المتحدة الأمريكيّة زرعت عيونها في كلّ مكان، وهي تصطاد “العقول” وتُروّضها؛ وإذا ما لاقت عنتا أو ممانعة تُقْدِمُ على أبشع أساليب الاغتيال والإقصاء. وهلْ من دليل على بشاعة مصير مَنْ يرفع “لا” عالية في وجه الجشع الأمريكي، أقوى من الساحة العراقيّة التي تحوّلت إلى مخبر لتدجين العقول والقضاء على العلماء!؟.
ملاحظة: أمريكا اختطفت عالما إيرانيا في السعودية، ثم أعادته إلى وطنه بعد أشهر من الاحتجاز، ولم يصدر عن إيران ما يدلّ على رغبتها في محاربة “الشيطان الأكبر