وهذه ليلة تأثّثتْ بقوة الحظّ، ونعمة المصادفة الرحيمة. فيلمٌ أوسكاريٌّ عظيم، يتبارى على بطولته إثنان. واحدٌ رجلٌ وسيمٌ بديعٌ مذهلٌ لا أدري اسمهُ، والثاني كلبٌ صغير تائهٌ بمحطة قطار، نطَّ بغتةً من بين ساقي البطل، مثل قسمة قدرية لا تردُّ.
اسم الكلب الجرو، يشبه تماما عطسة جدّتي. قد ينام هذا التوصيف المنزاح، على بعض لبسٍ ومعمعة ومخيال، لكنّ النفرة ستزول حتماً، إذا ما عرفتم أنّ هذا الكلب اليتيم الذي حطّم قلبي الليلة، اسمه“هاتشي” وهو من سلالة نبيلة.
البطل وجهُ الراحة والوسامة، كان موسيقارا مدهشا، يعرفه بائع النقانق الأسود، وقاطع التذاكر السمين، الذي لا يهبك ذرة فرصة كي تكرههُ. موسيقى الشريط العذبة، محمولة فوق أصابع بيانو. فيثنية من خواصر الفيلم، عرف البطل أنّ الجرو الوفيّ، جروٌ يابانيّ قحّ، لحظتها تناغم وجه البطل الطيب مع وجه كلبه. كبر الجروُ وصار معبود القرية، سودها وبيضها ورجالها ونسائها، اللاتي كانت منهنَّ واحدة مالكة ملحمة في لحمها حقٌّ ثابتٌ لهيتاشي المدلل. كان بعض وجوه القرية الوادعة، يسمّونه هيتاشيكو وهيتاشو، ومع هذه التنغيمات المستحدثة، كان بمستطاعي الإنصات ثانيةً، إلى عطسات جدتي المبروكة، وهي تنزخُّ على ليلتي من جبٍّ بعيد. زبدة المنظر ومكروره الذي لا يُملُّ، كانت عبارة عن كلب محبوب، يوصل صاحبه إلى بوابة محطة القطار، وحيث يعود البطل المصنوع وجهه من حنّية ألف أُمّ، سيجد هيتاشي ناطرهُ على نار شوقٍ مبين.
في الربع المتأخر من شريط ليلتي، سيسقط الموسيقار فوق دكة المسرح ويموت، وسينزرع هيتاشيكو عصرية كلّ يوم فوق تدويرة عالية بباب المحطة، يقرأ وجوه النازلين المستعجلين، ويتشمّم بقايا أعطارهم، لكن دون جدوى. هنا صار هيتاشي مثل حائط ضريحٍ مبجّل، تتسايل فوقه دمعات مكبوتات ومعلنات، ويتحايل العتاة من أجل عودته إلى بيته الدافىء، لكنه ظلّ عنيدا نبيلا ناطرا أباه الموسيقار. يتبدّل الموسم، فيهطل الثلج وتتسلّخ الأشجار، وتعزف وريقاتها الساقطات فوق اسفلت الشارع، نفس روح البيانو العتيق، وهيتاشيكو مهوى فؤادي وكبدي، هو هوَ، نابت فوق مرقبهِ حتى إغماضتهِ الأبدية.
في هذا الآن الفاتر من الموقعة، كان عليَّ أن أتحسّس جسدي المهزول، وأستلُّ من مطمورات القحف، ذكرى مُخمّرة ممكنة لبكاءٍ طويل