عبد الرضا الحميد
قبل أن يعتذر لك رئيس الحكومة اعتذر أيها الشعب من شرطته
في خضم حملته الانفعالية قبيل انطلاقة انتفاضة ساحة التحرير وبعدها كانت لرئيس الحكومة ردود فعل عليها توسمت بطابع النية المبيتة لإفشالها وإسقاط القائمين بها وربما التنكيل بهم لاحقا، ففي البدء وصمهم بالبعثيين والإرهابيين والقاعديين ولم يكن بينهم بعثي ولا إرهابي ولا قاعدي، ثم عاد ليوصم بعضهم بالمندسين ولم يكن من مندس بينهم غير الذين خلعوا ملابسهم الرسمية وانحشروا بين المتظاهرين ليخطفوا هذا ويتابعوا ذاك ، ويقتادونهم إلى أقبية أمنية خفية لنيل علقات ساخنة من فنون التعذيب، ثم جنح إلى أنهم يبغون إسقاط العملية السياسية والنظام السياسي، وكأن هذه العملية ونظامها أكثر قداسة من حقوق الناس ودمائهم التي هضمت على مذبحها ، وأكثر أهمية من إشباع بطن جائعة وستر جسد عار وإغاثة مشرد مستغيث وإجابة أرملة مستجيرة أو يتيم نائح؟.
ثم لما طولب بالاعتذار من الشعب عما اقترفته أجهزته من خطايا تجاه المتظاهرين رفض الاعتذار قائلا ( ومن يعتذر من الأجهزة الأمنية؟) وكأنه يريد القول إن المتظاهرين هم الذين هشموا أطراف الشرطة ، وانهم هم الذين فتحوا خراطيم المياه الصافية أو المياه المخلوطة بالبهارات، وإنهم هم الذين أطلقوا الرصاص المطاط ، وإنهم هم الذين فتحوا النار بالرصاص الحي فسقط من الشباب من سقط شهيدا وجرح من جرح، وإنهم هم الذين كادوا يلامسون رؤوس الناس بالطائرات، وإنهم هم الذين اختطفوا الصحفيين وعذبوهم، وإنهم هم الذين جردوا الناس من أقلامهم وحطموا كاميراتهم، وإنهم هم روعوا الناس وقطعوا أرزاقهم وأشعلوا نيران الخوف في ثيابهم.
رئيس الوزراء اثبت بمواقفه هذه أن لا ولاء له للشعب وان ولاءه محسوم قطعا للعملية السياسية ونظامها السياسي سواء أسقطت الموت والجوع والفقر والتشرد والحرمان والأمية والجهل والمرض والفساد على الشعب أو سقط الشعب بين ميت وجائع ومعدم ومتشرد ومحروم وجاهل ومريض بسببها وبتأثيرها وبما نجم وينجم عنها ، وأضاع سبيله إلى الثقة بالله والثقة بالشعب عندما رهن ثقته بقوة السلاح وبطشه وبتخويف الناس وترويعهم وردعهم عن المطالبة بحقوقهم ولم ينافسوه على كرسي رئاسته ولم ينازعوه على صداقة السفير الأميركي ، كما أضاع سبيله إلى العلم والحلم.
رُوي أن أعرابيا سأل الإمام الحسين بن علي ( عليه السلام ) حاجة قال : سمعت جدك يقول : إذا سألتم حاجة فاسألوها من أوجه أربعة : إما عربيا شريفا ، أو مولى كريما ، أو حامل القرآن ، أو صاحب الوجه الصبيح .أما العرب فشرفت بجدك و أما الكرم فدأبكم و سيرتكم ، و أما القرآن ففي بيوتكم نزل ، و أما الوجه الصبيح فاني سمعت رسول الله ( ص ) يقول : إذا أردتم أن تنظروا إليَّ فانظروا إلى الحسن و الحسين.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : ما حاجتك ؟
فكتبها على الأرض .
فقال الحسين: سمعت أبي عليا: يقول : قيمة كل امرئ ما يحسنه ، و سمعت جدي يقول : المعروف بقدر المعرفة ، فأسألك عن ثلاث مسائل ، إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما معي ، و إن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي ، و إن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي .
و قد حُمل إلى الحسين صرة مختومة من العراق .
فقال : سَل و لا قوة الا بالله .
فقال ( عليه السلام ) : أي الأعمال أفضل ؟
قال الإعرابي : الإيمان بالله .
قال : فما نجاة العبد من الهلكة ؟
قال : الثقة بالله .
قال : فما يزين المرء ؟
قال : علم معه حلم .
قال : فان أخطأ ذلك ؟
قال : فمالٌ معه كَرم .
قال : فان أخطأ ذلك ؟
قال : ففَقْرٌ معه صبر .
قال : فان أخطأ ذلك ؟
قال : فصاعقة من السماء فتحرقه .
فضحك الحسين ( عليه السلام) و رمى بالصرة إليه.
صالح مطلك والإعرابي
ـ طالب صالح المطلك رئيس الحكومة بالاستقالة إذا فشلت الحكومة في تقويم أدائها وخدمة الناس خلال المئة يوم، وكأنه ليس جزءا من الحكومة، وليس نائبا لرئيسها، وحاله في ذلك حال الإعرابي وإمامه.
روي أن إعرابيا صلى مع قوم فقرأ الإمام في ما قرأ من الآيات في صلاته : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم).
فقال الأعرابي و هو يخاطب إمام الجماعة : أهلكك الله وحدك ! ما ذنب الذين معك؟
فقطع المصلون صلاتهم من شدة الضحك