هل راتب الزوجة من حقها فقط ؟

تشكل ثنائية الأسرة والعمل هاجسا أساسيا في حياة المرأة، خاصة حين تتحول بوصفها شخصا عاملا إلى عنصر أساسي يشارك في الإنفاق على مصاريف العائلة.

لعل المرأة نفسها لم تكن تفكر حين قررت خوض غمار الحياة العملية أنها ستتحول بشكل تدريجي إلى شخص يحمل المزيد من الأعباء الحياتية إضافة إلى أعباء المنزل والأطفال؛ بل فكرت على نحو أول أنها عبر تحقيق دخل مادي مستقل ستحقق ذاتها عبر العمل والطموح العملي الذي سينتشلها من دائرة البيت المغلقة، وفي نفس الوقت تستطيع المساهمة في معاونة الزوج ماديا من دون أن تلقي على عاتقها كثير من الأعباء، لكن على أرض الواقع تبدو الحقيقة مختلفة.

فالزوج اختلفت نظرته إلى زوجته العاملة، فبمجرد نزولها إلى العمل يواصل الرجال القيام بأدوارهم المادية تجاه المنزل والأسرة، وتكون الزوجة شريكاً أساسياً في الإنفاق لشراء احتياجات المنزل، خاصةً بعد أن أصبح لها دخل ثابت.

تقول زينب: “تعرفت على زوجي من خلال العمل في البنك، وقبل الزواج لم يكن ينظر إلى راتبي أو يلمح لمثل هذه الأمور، ولكن بعد الزواج كان يريد تسديد ديونه، وبدأ يتحدث عن إمكانية الحصول على جزء من راتبي، لأنه يعرف جيداً قيمته والحوافز التي أحصل عليها شهرياً، بخلاف نسبة الأرباح السنوية التي توزع على العاملين”، وتضيف: “ازدادت الخلافات بيننا بعد أن رفضت طلبه، من أجل تأمين مستقبل أولادنا، ولكن الحقيقة كانت غير ذلك، فأنا أدبر متطلبات الأولاد والمنزل من راتبي الشخصي، حتى أصبحت مسؤولة عن إعالة الأسرة بأكملها”.

وتضيف هند عبد الرحمن: “أثناء زواجي لم أكن أعمل، وكنت أنتظر قرار التعيين بعد تخرجي، وبعد الزواج بحوالي ستة أشهر استلمت خطاب العمل بنظام التعاقد، في البداية رفض زوجي ولكن مع إصراري على العمل، بسبب بخله الشديد وحرصه المادي الكبير، أقنعته بضرورة استغلال فرصة العمل”، وتابعت: “بعد ذلك فوجئت به يطلب راتبي الشهري، بحجة توفير تكاليف الولادة، ولم أتردد لحظة في مساعدته من أجل التكاتف الأسري، لكن بعد أن طلبت منه ترك راتبي لشراء متطلبات الأسرة، ولرغبتي في الاســـتقلال المالي، استشاط جنوناً ونهرني، وكـــأن راتبي أصبح حقاً مكتـــسباً له”.

الحياة الزوجية تعتبر مشاركة ومناصفة بين الزوجين، ولا مانع أن تعطي المرأة راتبها إلى زوجها، بشرط أن يلبي احتياجاتها فورا

وتوضح ضحى: أنها كانت تعتقد منذ زواجها وحسب الشرع والدين، أن الزوج هو الذي يعول الأسرة ويلبي طلباتها، لكن بعد الزواج أدركت أن زوجي لا يتردد في الحصول على راتبي، من أجل تحقيق احتياجاته الشخصية، لا سيما في السهر مع أصدقائه أو الخروج والتنزه، وتشير إلى أنها لا تتردد في منح زوجها راتبها، لكنها ترغب في نفس الوقت في تحقيق ذاتها وطموحها.

وتحكي عزة:  أن راتبها مقسم إلى جزأين، جزء إلى زوجها، وجزء خاص بها، وتقول: زوجي لا يمتنع عن توفير نفقات المنزل المالية، لكن في نفس الوقت يذهب الجزء الخاص بي إلى أولادي، وقد أقتطع جزءا منه لتلبية احتياجاتي المنزلية والشخصية.

وعن آراء المتخصصين، تقول الدكتورة عزة كريم أستاذة علم الاجتماع: إن الحياة الزوجية تعتبر مشاركة ومناصفة بين الزوجين، ولا مانع أن تعطي المرأة راتبها إلى زوجها، بشرط أن يلبي احتياجاتها فوراً، لكن عليها أن تكون معقولة في طلباتها، لأن الزوج لن يقوم بالإنفاق على ملابس زوجته الداخلية مثلاً، ولن يستمع إليها عند طلبها شراء أدوات الماكياج، وتوضح أن المرأة عليها تعويض فترة غيابها عن البيت بسبب العمل، وتسهم في اقتطاع جزء من راتبها أو كله، لمشاركة الزوج متطلبات الحياة، ورغم أن الدين يلزم الرجل بالإنفاق على أسرته، إلا أن الواقع الاجتماعي جعل الرجل غير قادر على توفير أبسط متطلبات الحياة الزوجــية.

غيرة الرجل من زوجته بسبب نجاحها أو بسبب راتبها الكبير قد يكون وراء تمسكه بالحصول على راتبها أو جزء منه

ويشدد الدكتور سعيد عبدالعظيم أستاذ الطب النفسي ، على ضرورة التوافق والاتفاق بين الزوجين، في حال رغب الزوج في الحصول على راتب زوجته، حتى لا يثير ذلك كرهها النفسي له، أو امتعاضها الداخلي كل آخر شهر، ويوضح أن التوافق النفسي بين الزوجين يجعل مثل هذه الأمور البسيطة، لا تقف حائلاً أمام الود والاستقرار، كما أن المرأة من حقها أن تثبت ذاتها وتحقق طموحها في العمل.

ويؤكد عبدالعظيم أن غيرة الرجل من زوجته بسبب نجاحها أو بسبب راتبها الكبير قد يكون وراء تمسكه بالحصول على راتبها أو جزء منه، وقد يختلق أموراً اجتماعية حتى يثبت لها أنه مديون وخلافه، من أجل الحصول على راتبها، بينما في الأسر المتوسطة أو في مجتمع الموظفين، يكون الرجل في أشد الحاجة إلى راتب زوجته من أجل توفير متطلبات الحياة، خاصةً وأن راتبه بالكاد يكفي لمنتصف الشهر.

ويؤكد الدكتور أحمد كريم أستاذ الشريعة الإسلامية أن الشرع والدين يلزمان الرجل بتوفير نفقات الحياة الزوجية، كما أن الإسلام منح المرأة الحرية في القرار، ولا يجوز للزوج أخذ شيء منها إلا بعد استئذانها، والزوجة لها مطلق الحرية في منح زوجها راتبها لمساعدة زوجها على توفير نفقات الحياة، وغير ذلك فلا يجوز الضغط عليها أو هجر فراشها من أجل التنازل على كيانها المالي والمعنوي.

Facebook
Twitter