هذا هو الاسلام ، هذا هو الخالصي-القسم الثامن

حاوره: عبدالرضا الحميد

مقدمة

يحدث ان يجرى حوار مع ثائر بين أحراش الوطن او على أكتافه فلايجد المحاور ـ بخفض الواو ـ شديد مشقة في اقتناص اسئله من لغة الأحراش وأناشيد الثائر.

ويحدث ان يجرى حوار مع زعيم وطني او ديني, فلايجد المحاور ـ بخفض الواو ايضا ـ كثير عناء في التقاط اسئلة من افواه الناس او عابري سبيل او جهد ذاتي محض.

ويحدث ان يسعى كاتب او صحفي الى حوار مع عالم انتبذ له ركنا قصيا في اقصي من الأرض منجمد او في اقصى من الارض على فوهة بركان ناشط, فلايجد الساعي رهقا في قطف اسئلته من فضاء ذهني, قصير زمنه, خفيف ظله, نزير قلقه.

لكم ما لايحدث ان يجرى حوار مع وطن اجل: وطن.

هذا الجدل الذاتي استغرقني اسابيع طويلة وانا اروض عقلي لتقحم محاورة من نوع غير مطروق ايامنا هذه, مع وطن يمشي على قدمين اسمه جواد الخالصي .

قد يفتئت ضال فينعت قــولي هذا بــمديح, وحاشــا للخالصي ان يكون من طالبــي المديح وحاشــا لي ان اكون من المداحين, فحين ضج الوطن باكيا بنيه الذين خنعوا للغزاة وطأطأوا هاماتهم:

اضاعوني واي فتى اضاعوا

 ليوم كريهة وسداد ثغر

كان الجواد الخالصي وحــده مع صحابـــة الوطن وصديقــيه واهل بـــيته يذودون عن دياره وذماره, مهطال النار وطائشها, مديما بـــذلك نســغ النشــيد العراقي العظيم الهادر الذي اطلقه الإمام الخالصي الكبير بوجه الغزو البــريطاني حتــى ضجت من هول مقاومته لندن وحلفاؤها.

ومابين وثبة الجد الاكبر ووثبة الحفيد الكبير ليست سلالة جهادية موقفية وطنية اسلامية عروبية فقط بل سلالة من الانتماء الفريد ونادر المثال للاصل الجوهر. ففي الاصل الجوهر ان الإســلام الواحــد وطن, والخالصيون وحدهم يمموا وجوههم شطر الإسلام المحمدي القرآني الموحــد في زمن تنابــز فيه الناس بــالطائفية والتمذهب, فلبــث الخالصيون في غار الإسلام وانصرف بعض سواهم الى اوثان الجاهلية الجديدة.

وفي الاصل الجوهر ان الإسلام وطن العرب الروحي والفكري والإنساني ألانبعاثي, وان العرب وطن مهد الإسلام وبؤرة نوره,والخالصيون وحــدهم وعوا مذ بدء مثاباتهم الاول هذه الحقيقة في وقت انزاح بــعض سواهم الى تفكيك هذه الاصرة, علها, مع التقادم, تغرب الإسلام وتعيد العرب الى الجاهلية الاولى.

وفي الاصل الجوهر ان العراق الوطن جمجمة العرب وان بغداد في البلاد كالأستاذ في العبــاد, وان حــب الوطن من الإيمان, وان بعض هذا الحــب جهاد دون ذله وذل اهله وان الجهاد من اصول الدين ومن أصول حــب الوطن الذي ماغزي أهله في عقـــره الا ذلوا, والخالصيون تنكبوا الوطن قياما وقعودا مع اهل بيت الوطن وصحابته وصديقــيه وتنادوا ان (حي على العراق), فما غشــيتهم غاشــية, ولا دانت لهم عالية, وما ارتد لهم طرف, ولا وجــب لهــم فــؤاد, ولــم يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه ونزرة الخيل وشحة الزاد, وكأني بــهم يوم حشــر العراق تقوم قيامتهم وحدهم بين يديه تماما كالماشــي في الأرض بزهد ابن العذراء مريم.

ترى: من أي مآذن المعاني الإســـلامية الســـامية الاصيلة, ومن أي ذاريات المواطنة الصادقـة العفيفة الزاهدة, ومن أي مثابات التاريخ والحاضر الشريفة, يكون حواري مع الاســتاذ المرجع الديني الإمام المجاهد الكبير سماحـة الشـــيخ جــواد الخالصي؟

سؤال تركت الإجابة عليه الى متن الحوار الذي أسبح للحي القيوم حمدا وشكرا على الفوز بــه في زمن ندر فيه صوت عظيم مثل صوت الإمام الخالصي.    

 لقاء الشيخ ضاري المحمود والشيخ الخالصي على مقاومة الاحتلال الانكليزي استند إلى ثوابت الانتماء الإنساني إلى الدين والوطن والمجتمع

 الإكراه او الإغراء او التهييج طائفياً او عرقياً او فئوياً, ومحاولة تقليد النموذج الغربي هي العوامل الفاعلة في ما يسمى بالانتخابات

 عبارة((لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حراً)) ضمانة لمن آمن بها من الانحدار الى درك العبودية والذلة والمهانة

 مراحل الانتخابات في الشورى الإسلامية مفتوحة لكل الناس, مع لزوم حصول المشارك على المواصفات اللازمة لكل مرحلة من مراحلها

في الأسئلة التالية التي وجهناها إلى المرجع الديني الإمام المجاهد سماحة الشيخ جواد الخالصي تفضل بالإجابة عليها من موقع المرجعية الدينية, التي تتحمل المسؤولية الوطنية في العراق, والمسؤولية الأممية لأهل القبلة كافة باعتبارهم امة واحدة هي امة الإسلام والقران, والمسؤولية الإنسانية, وهذا يشمل حتماً كل القوميات والشعوب والأمم التي تدخل في هذا الاهتمام الإنساني والاممي الشامل, ومنها الأمم والشعوب العربية والكردية والتركية والفارسية وباقي أمم الأرض, ضمن دعوة إيمانية ربانية إلى الإنسان أكرم المخلوقات, لكي يأخذ دوره في الاستخلاف الرباني ليعمر الأرض بالصلاح والإصلاح, كبديل عن المناهج المادية المنحرفة التي تريد أن تستولي على الأرض والإنسان والثروات وفق مناهج الاستكبار والاستعلاء التي سببت هذا الفساد الأخلاقي وما افرزه من تلوث في ضمير الإنسان وبيئة الإنسان.  

المحاور: ما فلسفة الحرية في الإسلام؟

 الخالصي: الحرية في الإسلام هي أوسع من فكرة فلسفية, بل هي ثقافية إنسانية عامة, وممارسة تحفظ للإنسان وجوده وكرامته, وتضع الحدود الفاصلة بين الحرية والفساد والتسيب وتتيح للإنسان كل فرص الحركة والنهوض بقدراته ومجتمعه الإنساني, فهذه الفكرة تبدأ والثقافة تبدأ من منطلق الإيمان بالإله الواحد, فلن يكون الإنسان عبداً لأحد ولا لشئ إلا لربه الذي خلقه وأوجده, وبهذا لن تفقد كرامة الإنسان من اجل العيش والوجود,ولن يشعر بأنه عبد لأحد آخر, سواء كان مالكاً جباراً او ديكتاتوراً ظالماً, او جيشاً عرمرماً او ثقلاً اقتصادياً, او تجمعاً حزبياً, او توجهاً ثورياً او رأيا ثقافياً, بل سيكون الإنسان الفرد الحر, قادراًَ على المشاركة النافعة في أي عمل جماعي أنساني, ولكنه لا يفقد وجوده بل يؤثر من خلال وجود اثراً ايجابياً واضحاً, وإذا أريد له ان يبقى ضمن مسيرة القطيع ولو الى المسلخ, فانه يملك من قدرات الإيمان من تمكنه من التحرر من هذا التوجه الخطير الذي اهلك أجيالا من البشر, فعبارة الإيمان الواضحة وهي تخاطب الإنسان((لا تكن عبد غيرك وقد خلق الله حراً)) تبقى شاهداً ومعلماً على سلامة المسيرة, وضمانة لمن آمن بها من ان ينحدر الى سلم درك العبودية والذلة والمهانة, ومن أراد الحرية مع التمرد على خالقهِ فانه في الحقيقة قد يحصل على بعض الشهوات والرغبات التي يسميها خطاً بالحرية, ولكن سيكون مستعبداً لكل ما حوله من الماديات والقوى الخارجية, وبذلك لن يكون قادراً على حفظ إنسانيته وإنما سيصبح أداة تخريب او عبث او ضرر لكل مسيرة الحياة وحسب ما أراد المخططون, ومن هنا نفهم ما يقوله الهدى علي عليه السلام حين يناجي ربه( كفاني عزاً ان أكون لك عبداً، وكفاني ان تكون لي ربا). وكانت هذه النفحة الإيمانية ضامنة لمسيرة الحرية الإنسانية التي ولدت الطاقات من الأجيال الإيمانية التي سارت على نهج الأنبياء وحققت المعاجز في حفظ الرسالات وحفظ كرامة الإنسان, وإلا كيف تمكن حواريوا المسيح من إيصال رسالتهم الى العالم حتى أصبحت أوربا الوثنية ملتزمة برسالتهم بعد عدة أجيال, وكيف صمد حملة رسالة الإيمان أمام التعذيب الوحشي والمهانة القاسية في سجون روما وقلاعها الشهيرة. وكيف تمكن جيل الإيمان والنبوات من هداية العالم خلال ربع قرن وإيصال نور الإسلام إليه, أنها معجزة الحرية النابعة من العبودية للإله الواحد الأحد. لا لغيرهِ من المخلوقات, كما ان الحرية الحقيقة هذه وقد أخرجت الإنسان من الخضوع للكون المخلوق وآيات الأرض والسماء, فإنها رفعت في الإنسان قوة قاهره لكي يفكر في المخلوقات, على اعتباره أشياء سخرت لأجله, فكانت هذه النظرة منطلقاً للنهضة العالمية التي طورها المسلمون وأوصلت الإنسان الى عصر العلم الحديث, كما ان هذه الحرية تعطي ضمانه للإنسان وصيانة لشخصيته من ان تتآكل من الداخل او تصاب بالانهيار النفسي الذي يدفعه الى استعمال وسائل خطيرة تقضي على الإنسانية مثل الّخمور والمخدرات ووسائل اللهو والفجور, وحتى الانشغال بأوهام يصنعها الإنسان لنفسه تحت عناوين براقة, ولكن محتوياتها زائفة, مثل الثقافة والتقدم, والعلم والحضارة, والاقتصاد والاختراعات وكل شئ قد يبدو جميلاً في حقيقته ولكنه يتحول وهم قاتل او ماده مخدره حين يفقد محتواه الإنساني ويؤثر على جوهر الإنسان, وكيانه الروحي والنفسي, كما نلاحظ عظيم الضرر الذي بطش في الإنسان المعاصر حتى أوصله الى هذه الهاوية السحيقة التي يعذب فيها في هذا الزمان, خصوصاً حين تلاحظ مقدار الضرر الذي خلفه هذا الإنسان على بيئته وظروف حياته من خلال أساليب الحياة الترفه, ووسائل الترف الرخيصة.                         

 الشورى ديمقراطية نخبوية ام جماهيرية ؟

المحاور: هل الشورى في الإسلام مظهر ديمقراطي نخبوي ام جماهيري؟ وكيف تتأتى او تحكم جماهيرية الشورى؟

 الخالصي: الشورى في الإسلام مظهر شامل, بحدود المصلحة والإمكانية الواقعية, فهي تتسع لكل إنسان قادر على إبداء رأي في أية مسألة من مسائل الحياة, التي تختلف درجاتها وأهميتها, وبذلك تتفاوت قدرات الإنسان في التعامل معها, فانتخاب مجلس قروي او بلدي, ليس كانتخاب مجلس محافظة او ولاية, وانتخاب عضو لمجلس تشريعي او تقنيني, أعظم أهمية من انتخاب المجالس المذكورة, وانتخاب رجل من أهل الحل والعقد سيكون أكثر أهمية لأنه سيساهم في انتخاب القائد ومراقبة تحركاته, ولكل هذه المرحلة مشاركة وشرائط يجب ان تتحقق في من يدلي برأيه في هذه الأمور, وهي شرائط او مواصفات تزداد رفعة وقوه كلما ازدادت أهمية المواقع المختار, ولن نكون جديين وعمليين اذا قلنا ان كل شخص يستطيع ان يدلي برأيه في كل قضية مهما كانت مرتبتها, ومثل هذا الادعاء هو صالح فقط للدعاية السياسية او الادعاء باننا نمارس الانتخابات العامة, وبذلك فنحن((ديمقراطيون)), كما يجري في كل الديمقراطيات المتخلفة, وهو ما ينطبق حتى على الديمقراطيات المتقدمة في بعض جوانبها, ففي الدول الغربية, تكون الدعاية عاملاً حاسماً, وشكل المرشح, وأناقته وقدراته الجذابة, تكون عوامل تغلب الكفاءة, والثقافة كما يعترف بذلك أكثر الناس. وإما في بلادنا فعوامل الإكراه او الإغراء او التهييج طائفياً او عرقياً او فئوياً, ومحاولة تقليد النموذج الغربي تكون هي الفاعلة في ما يسمى بالانتخابات, التي لا تشكل وحدها, وبأية صورة, حقيقة الديمقراطية, والتي لا نعتبرها النظام المطلوب قياساً إلى نظام الإسلام الواقعي والعملي, فالديمقراطية إذن هي واقعية, اذا قبلنا هذا المصطلح, حين يراد تطبيقها في دولة الإسلام, وبذلك فإننا نختار لها مصطلح الشورى, وهي جماهيرية حين تعطي الحق لكل مواطن بالمشاركة فيها, من خلال منحه الفرصة لكي يحصل على المواصفات اللازمة للمشاركة, وحين لا يحصل عليها فسيكون من الظلم والإساءة الى الشورى ان نجعلها فوضى دعائية لا تخرج بنتائج حاسمة وسيكون المطلوب للمشاركة في انتخابات المجالس الدنيا, ما ينسجم مع حاجة هذه المجالس, وكذلك نقابات المهن الحرة, وتتصاعد المواصفات الى مرحلة عليا بالنسبة الى أهم المجالس في الشورى الحاكمة. وقد يقول البعض ان هذا تحجيم لأمر الشورى ومنع المشاركة لقطاعات من الناس, والجواب هو ان العقلاء من المشرعين والسياسيين, يسقطون حق المشاركة عن إفراد من المجتمع, بسبب قدراتهم الذهنية او مخالفاتهم الاجتماعية او الخيانية, او عدم تخصصهم في الموضوع المطروح للنقاش والانتخاب, وهذا يؤكد صوابية جعل مراحل الانتخابات في الشورى الإسلامية مفتوحة لكل الناس, مع لزوم حصول المشارك على المواصفات اللازمة لكل مرحلة من مراحلها.           

 علماء الدين وشيوخ العشائر ومقاومة الاحتلال

المحاور: مثل سماحة المغفور له الشيخ المجاهد جدكم مع المغفور له الشيخ المجاهد ضاري المحمود علامة من علامات مقاومة شعبنا للاحتلال الانكليزي مطلع القرن الماضي .. هلا أنارنا سماحتكم بأبرز خصائص هذه العلامة وما أنتجت؟

 الخالصي: لقاء الشيخ ضاري المحمود وهو الزعيم العشائري الواعي والشجاع, مع الشيخ الخالصي وهو العالم الديني الواعي والشجاع كان طبيعياً ومستنداً إلى ثوابت الانتماء الإنساني إلى الدين والوطن والمجتمع والمصالح التي تهم العباد في الأولى والآخرة. فحين يأتي محتل أجنبي فسيجد كل إنسان مخلص نفسه في الخندق الذي يقف فيه الإنسان المخلص الآخر, فكيف اذا كان الغازي المحتل حامل لقاء عقيدة كافره جائرة, ومشروع استكباري طاغي, وفكره هيمنة لا تحدها حدود الطمع والنهم الشره, مع القسوة المفرطة التي تغلف بشعارات الحرية والديمقراطية, فحين يرفض الخالصي دعوات المحتلين التقسيم العرقية المزيفة والطائفية الكاذبة فانه سيجد بطلاً شجاعاً يرفض هذه الدعوات واقفاً الى جانبه, وقريباً من قلبه أكثر من قرب أي إنسان آخر, يواجه الاحتلال بميوعة الطامع وجبن المستسلم, فضلاً عمن يستقبل المحتل بالأحضان والقبلات كما قال الشاعر آنذاك

عُدْ للعراق وأصلح منه ما فسدا      وابثث به العدل وامنح أهله الرغدا

انه نفس العبارات التي استقبل به الخائرون طغاة المحتلين عبر التاريخ ومن كل مكان, ولكن  حين يرفض المخلصون شعارات التفرقة ويلتقون على مشروع التحرير والاستقلال فإنما يشكلان دعامة مشروع وطني يراهن عليه المخلصون وسيستمر الى نهاية الشوط

Facebook
Twitter