أصدقـائي الشعراء كذّابون. يقولون ما لا يصنعون. جلّاسهم غاوون، يـدفعـون فاتورة السـهرة وهم منـصتون.
في أيام مهرجان المربد ولياليه الجميلة حقاً، كانوا يتجمّعون في غرف الضيوف وحانات فندق الميليا منصور الرائعة بشطّ دجلة.
صعاليك طيّبون غير مدعوّين، لكنهم عباقرة في تدبّر بطاقات الأكل والسكْر والنوم تحت الأسرّة. ساعةَ يثملون بكؤوس النبيذ الفاخر، تنفتح مخاييلهم الظريفة على وسع الكون، فيسرقون من الحانة كأساً كريستالية مدهشة، ومن عرض الكتب كتاباً، ويتركون فوق مؤخرة النادلة الضخمة كلَّ عيونهم.
أتذكّر الآن بقوة، هجماتهم القاسية ضدّ قصيدة العمود وبحور الخليل وشعرائه، وترويجهم لقصيدة النثر وهذا أحد مصطلحات الإلتباس.
اليوم تبدّلتْ بوصلاتهم، منهم من عاد لكتابة قصيدة عمودية أو حرّة سيّابية، لأنّ المزاد ليس بمقدوره أن يهزَّ وسطهُ على تنغيمات قطعة نثر يابسة.
الحداثويون والحداثويات أضافوا لأسمائهم عطر العشيرة ولقب “السيّد” وشالوا من سِيَرِهم المعدّلة جُمَلاً لم تعد صالحةً للاستهلاك الشعريّ، من مــثل طُبعَ على نفـقة عـدي صـدام حسين، وأخـريات حائـمات حول نفـس الـمعنـى.
أصدقائي الشعراء والقصاصون والروائيون والنَقَدة والرسّامون والنحّاتون والمسرحيون والموسيقيون والمغنّون والراقصون وأهل الصحائف، عادوا إلى جبّ الطائفة وصاروا طائفيين ولم يكونوا كذلك من قبل، بل هم أضحوا على هذه الحال لأنّ الطائفة صارتْ منبع أكلٍ وشربٍ ودَسَمٍ وسفر.
لقد تمَّ تحطيم وتسويد قلوبهم وضـمائرهم بوساطة قوة المال القاسـية.
أصدقائي الذين لم يصوموا ولم يصلّوا ولم يقاوموا الغزاة، يذهبون إلى أضرحة عليّ والحسين والعباس والكاظم، يلتقطون صوراً خاشعة ومؤثرة، في أكبر عملية فصام ثقافيّ جمعيّ لا شبيه له سوى ما يصنعهُ شيوعيّو الحكومة.
لو كان الأمر دِيناً وعقيدةً لما كرهتهم.
أصدقائي الآن يكتبون عن بطولات عتيقةٍ لم يقترفوها أبداً. شياطين لغة وحمّالو وجوه ولَبَسة أقنعة خارج وظيفة النصّ.
أنا أحبكم يا صحبي المعتّقين وأحنُّ إلى لياليكم وموائدكم وحاناتكم وصعلكاتكم ونصوصكم البكر غير الملوّثات، لكنني أراكم اللحظةَ تؤذون البلاد العزيزة، تماما مثلما صنع بها الغزاة.
إنْ تحولت الحياة إلى ترسة معدة بالطيور وبالأسماك وبالهرافي وضوع الشواء، فاقرأوا على ما تبقّى الفاتحةَ والسلام.