بايدن: لن ننسحب من العراق وسنعزز وجودنا في كل انحاء العراق
المقال التالي الذي كتبه نائب الرئيس جو بايدن، نُشر في صحيفة نيويورك تايمز اليوم:
“ما الذي يتوجب علينا فعله من أجل العراق الآن”
بقلم جوزيف آر. بايدن جونيور
قبل ثمانية أيام، وافق القادة السياسيون العراقيون على وضع إطار عمل لتشكيل حكومة جديدة لتوجيه بلدهم خلال السنوات الحاسمة القادمة. منذ الانتخابات التي جرت هناك في آذار/مارس، قالت حكومتنا إن الشعب العراقي يستحق حكومة تعكس نتائج تلك الانتخابات، وتضم جميع الكتل الرئيسية التي تمثل مختلف المجتمعات الأهلية العراقية ولا تستبعد أو تُهمّش أحداً. وهذا هو ما سيكون لديهم الآن.
وفي حين لعب الرئيس أوباما وأنا – وفريق بارز من المسؤولين الأميركيين في واشنطن وبغداد – دوراً نشطاً في دعم هذه الجهود، إلا أن الخطوات الأكثر أهمية اتُّخذت في العراق من جانب قادة أكبر الأحزاب السياسية العراقية. إن ما أنجزوه هو آخر وأقوى دليل على حدوث تطور أساسي في العراق خلال السنتين الماضيتين، حيث برزت السياسة على أنها الوسيلة السائدة لحل الخلافات وتقدم المصالح.
لقد عمل القادة العراقيون مراراً وتكراراً وبجهد كبير خلال الأشهر الأخيرة لحل قضايا شائكة – بما في ذلك الخلافات حول من هو المؤهل للترشح إلى منصب في الحكومة أو الخدمة فيها، والتحديات حول نتائج الانتخابات وترتيبات تقاسم السلطة – دون اللجوء إلى العنف. لم يكن الأمر دائماً مثالياً، لكن السياسة نادراً ما تكون مثالية في العراق، أو في أميركا، أو في أي مكان آخر. لكن، باتفاقهم حول تشكيل حكومة شراكة وطنية، بعث القادة العراقيون برسالة جليّة إلى إخوانهم المواطنين، وإلى المنطقة والعالم: بعد أكثر من سبع سنوات من الحرب، وعقود من الدكتاتورية، يسعى العراقيون إلى دولة تعترف بحقوق جميع المواطنين وتسخر فيها المواهب لإطلاق جميع الطاقات الكامنة.
وفي بلد لا يزال يواجه تحدّيات هائلة على الطريق المؤدي إلى الأمن والازدهار، لم يكن هذا الهدف أبداً أساسياً مثلما هو عليه اليوم. والخطوة التالية بالنسبة لقادة الحكومة العراقية الجديدة تتمثل في الوفاء بالتزامهم التاريخي لتقاسم السلطة – وهو تعهّد منصوص عليه في المجلس الوطني الجديد للسياسات العليا الذي يجري حالياً تحديد مسؤولياته وسلطاته، والذي سوف يتكرس في نهاية المطاف ضمن قانون.
ويجب على الولايات المتحدة أيضاً أن تواصل القيام بدورها في تعزيز التقدّم في العراق. ولهذا السبب لن ننسحب من العراق – وبدلاً من ذلك، فإن طبيعة انخراطنا ستتبدّل من قيادة عسكرية إلى قيادة مدنية.
منذ توليه منصبه، سحبت حكومة أوباما نحو 10 الف جندي من العراق وأنهت عملياتنا القتالية هناك. أما القوات المؤلفة من 50 ألف جندي التي ستبقى حتى نهاية عام 2011 فإن لديها مهمة جديدة: تقديم المشورة والمساعدة لنظرائهم العراقيين، وحماية موظفينا وممتلكاتنا، والمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب. وفي هذه الأثناء، نحن نؤسس لأن يكون لنا وجود دبلوماسي في جميع أرجاء البلاد، وبناء شراكة ديناميكية عبر تشكيلة متعددة من القطاعات الحكومية بما فيها التعليم، والطاقة، والتجارة، والصحة، والثقافة، وتكنولوجيا المعلومات، وفرض تطبيق القانون، والقضاء، وذلك بموجب أحكام اتفاقية إطار العمل الاستراتيجي.
وفي بلد لا يزال المتطرفون فيه عازمين على زرع الفوضى، وحيث لا يزال الأبرياء يُعانون من صعوبات لا توصف، يتوقف الانتقال إلى مجتمع أكثر أمنا على التطور المتواصل لقوات الأمن العراقية التي تعدّ الآن أكثر من 650 ألف عنصر.
خلال الزيارة السادسة التي قُمتُ بها إلى العراق منذ كانون الثاني/يناير 2009، شاهدت التقدم الملحوظ الذي حققته الشرطة العراقية والجنود العراقيون. إن العراق اليوم أصبح أكثر أمناً بدرجة كبيرة وأكثر استقراراً من أي وقت منذ اندلاع الحرب سنة 2003. قبل أكثر من سنة خَلَت، أخذت القوات العراقية على عاتقها المهمة الأمنية في المدن الرئيسية، وفي آب/أغسطس الماضي، عندما انتهت المهمة القتالية الأميركية، تولّت هذه القوات المسؤولية الأولية على صعيد البلاد. خلال الأشهر الأخيرة، وباستخدامها استخباراتها الخاصة، قتلت القوات العراقية أو اعتقلت عشرات من كبار قادة القاعدة في العراق ومن المجموعات المتطرفة الأخرى. العدد الأسبوعي لحوادث العنف هبط إلى 160 حادثاً من قرابة 1600 سنة 2007.
على الرغم من ذلك، لا تزال قوات الأمن العراقية غير جاهزة للعمل بالكامل بمفردها. وعلينا مواصلة دعمها. وعلينا أيضاً مساعدة القادة العراقيين لمواجهة مجموعة من التحديات الماثلة أمامهم: إجراء إحصاء للسكان؛ دمج أكبر لقوات الأمن الكردية في قوات الأمن العراقية؛ الحفاظ على الالتزامات إزاء منظمة أبناء العراق، المجموعات السُنية التي تَوَحّدت معاً ضد المتمردّين؛ وحل الخلافات حول الحدود الداخلية ومستقبل مدينة كركوك الشمالية التي يطالب بها كل من العرب والأكراد؛ وإقرار قانون الهيدروكربون الذي سوف يوزع عائدات النفط ويزيد فوائدها إلى أقصى حدّ لصالح جميع العراقيين؛ وإرساء استقرار الاقتصاد عبر الاستثمارات الأجنبية، وتنمية القطاع الخاص وموارد عائدات جديدة غير النفط؛ وإقرار موازنة مسؤولة مالياً؛ والتوصل وإلى وضع نهاية لالتزامات العراق تجاه الأمم المتحدة التي أعقبت حرب الخليج.
وفي حين سيأتي اليوم الذي ستتمكن فيه ثروات العراق الطبيعية الهائلة من تمويل حاجاته الأمنية والاستثمارية بالكامل، وعندما لا تعد تحتاج مؤسساته المدنية إلى هذا الدعم الكبير، إلا أن هذا اليوم لم يصل بعد. لقد زاد العراق إنفاقه الخاص في هذه المجالات، وهو، بالترافق مع الالتزام الأميركي المستدام، فإنه سيخرج من أجيال من التجارب المؤلمة ليصبح دولة مستقرة تعتمد على نفسها.
لهذه الأسباب، وحتى في هذه الأوقات الاقتصادية الصعبة، سوف نطالب الكونغرس بتلبية طلبات موازنتنا لدعم التزام أميركا المتواصل، بما في ذلك حضورنا الدبلوماسي الأوسع، وخطة تحديث قوات الأمن العراقية، وتمويل برنامج لتطوير الشرطة. إن خفض عدد القوات الأميركية سوف يُوفر 15 بليون دولار في السنة المالية القادمة – إننا نسعى إلى توجيه أقل من ثلث هذا المبلغ لتقديم المساعدة اللازمة لقوات الأمن العراقية وإلى جهود وزارة الخارجية لدينا في قيادتها المدنية.
لقد كلفّت الحرب العراقية دولتنا ثمناً باهظاً، وأكبر ثمن هو الذي دفعه 4430 بطلاً قدموا بحياتهم التضحية الكبرى. والآن، من مصلحة أميركا الأساسية المساعدة في الحفاظ على المكاسب التي حققها العراق، والحيلولة دون عودة ظهور المتطرفين الذين يمارسون العنف، وتشجيع العراق ليصبح حليفاً أميركياً محورياً في منطقة استراتيجية حساسة، وناشطا إقليمياً مسؤولاً بحد ذاته.
جوزف آر. بايدن . نائب رئيس الولايات المتحدة.