نداء التراب العراقي

جمعة اللامي

 

 

كان على الحكومة العراقية الحالية ، أن تتريث كثيراً ، وتفكر أكثر ، وأن يتمنى كل عضو فيها أن تكون له رقبة بعير ، قبل أن يدلي بتصريح حول اوضاع الحدود مع اي دولة عربية شقيقة ، أو صديقة ، او عدوة .

 فلماذا قصّر الذين يعلنون أنهم يتأسّون بسيد الخلق عليه افضل الصلاة والسلام، من طول رقابهم ، وجعلوا السنتهم في غير مواضعها ؟.

 ونحسب أن قولنا هذا ، مرتبط بقناعات ونداءات سابقة، أّسّس لذاته نقطة في خطّ قول امير المؤمنين ، علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : ( الحكمة شجرة، تنبت في القلب، وتثمر في اللسان ،

وهذا لساني عراقي ، عربي ، لاميّ ، طائيّ ، قحطاني : ( انا ابرأُ الى الله من كل حاكم ومحكوم

لا يحافظ على حفنة تراب واحدة من ارض العراق) .

 

أقول هذا ، بلحاظ أن الحكومات التي حكمت  العراق في عهود الأنظمة السابقة ، كما في عهد  هذه المنظومات التي تشكلت منذ الاحتلال الامريكي للوطن سنة 2003 ، غير مؤهلة للبتّ في قضايا توازي الشرف الوطني ، نذكر منها التفريط بأقسام من التراب الوطني لبلادنا ، لصالح دولة ـ أودول ـ  أجنبية تحت اي ذريعة يحتمي خلفها الذرائعيون ، واصحاب الذرائع .

 

إن الموقف حيال فتر واحد من أرض العراق ، لا يبتُّ فيه إلا الشعب العراقي بجميع اطيافه ، في إستفتاء وطني شامل يمارسه كل مواطن عراقي، وكل مواطنة عراقية ، بلغا سنّ الحلم ، وفي أوضاع داخلية سياسية وحقوقية يتمتع فيها العراقيون جميعا، بالحقوق التي كفلتها القوانين الإلهية ، وأقرتها المجموعة البشرية .

 

إن من يتنازل عن شبرمن الأرض العراقية لشقيق او صديق أو عدو ، إنما يقوم بتمزيق جسد كل مواطن عراقي ، وكل مواطنة عراقية ، عن عمد وإصرار مسبق ، ومعرفة بخطورة ما إرتكبه ، وعليه أن يتعظ من حوادث التاريخ القريب ، وليس الاقرب أو البعيد فقط !

 

وكانت مسيرة العمل الوطني والرسالي في العراق ، منذ تأسيس الدولة العراقية ، قد حفلت بأسماء الذين لم يفرطوا بالحقوق العراقية الثابتة وغير القابلة للتصرف في ترابهم الوطني ، وفي مياه وطنهم ، وكذلك في أجوائه ، وكانت دماؤهم مداداً لأساتيذ الثقافة العراقية التي تحفل بها مكتبات العالم .

فكيف يجوز لفرد ، أو لحزب ، او لأحزاب مؤتلفة ، في الحكم أو خارج الحكومة ، الإقرار والتسليم بحقوق عراقية ثابتة في التراب والمياه وألأجواء، لصالح غير العراقيين أفرادا وحكومات ؟!

وقديما قال إبن الرومي :

وَلِي وَطَنٌ آليتُ ألاّ أبيعهُ

                  والاّ أرى غَيري لَهُ الدَّهرَ مالِكا

 

بل إن تحرير أي ذرة من التراب الوطني ، عدْلٌ لتحرير شعب كامل . وإن هذه العملية الراقية في كل المعايير ، فرصة لأن نصبح فيها ، نحن المواطنين الأحرار، افضل حالاً . لأن المواطنين الاحرار هم الذين يبنون أوطانهم الحرة ، ويستحقون العيش فيها ، كما قال فولتير.

 

وعلينا أن نتذكر مصائر أبناء وطننا الشرفاء ، وما إنتهى اليه مآل الذين لم يصونوا كرامة مواطنيهم ، وفرّطوا بحقوق ابناء بلدهم . إن جراح شرفاء الاوطان تنضح بعطور الجنة .

 ألا فليتذكر من يتنازل عن ذرة تراب عراقية قول طاغور : ” تُرى ، أتذهب دماءُ الشهداء ودموعُ الأمهات في تراب الارض هدراً ؟ ألا تُشترى بها الجنة ؟ “

 

وقديما قال الشاعر الروماني هوراس : ” الوطنية ، أن تموت من أجل وطنك ” .

وأنا اعرف أن في اوساط الطبقة السياسية العراقية ، الآن ، من كان التطبيق العملي لقول شاعر روما الفذ .

 

ويعرف بعض هؤلاء ايضا  أننا ـ  من موطيء أقدامنا على أرض دولة الإمارات العربية المتحدة ، وعلى إمتداد ربع قرن ونيف ـ كنا قاب قوسين أو أدنى من التصفية الجسدية. لأننا قارعنا الظلم بمداد قلمنا ، واشهدنا الله والناس على صدق قولنا وفعلنا . ولا تزال كلماتنا خضراء.

 أليس كذلك يا( بعض ) سكنة المنطقة الخضراء …..  اليوم ؟

 

إننا من أجواء تلك الايام الرائعة في حياة العراقيين الذين إختاروا النفي الطوعي  طلباً للحرية ، وهم يتمسكون بحقهم في الحياة الكريمة . ولم يتعاطفوا مع حزب أو طغمة او نظام أو طائفة، على حساب وطنهم ومصلحة شعبهم ، نحذر الذين يتنازلون عن أي حبة رمل واحدة من تراب العراق ، لأي كان من العرب وغير العرب .

 

إن نداءنا الذي وجهناه من ابو ظبي ، إلى ادباء العراق ومثقفيه في الداخل والخارج ، بتاريخ 17 نيسان ، 1990 وبثّته  وكالة الأنباء الكويتية في حينه ، لا يزال عندي هو ميزان الشرف والكرامة الوطنية . وإنني أعيد تلخيص مضمونه في كل حرف من كلمات هذا الإعلان .

إن هذه الكلمات دعوة الى اليقظة والإستيقاظ ، والعمل المبرمج للحفاظ على المصالح العراقية العليا .

وهي عمر كامل على طريق كلمات من جبران خليل جبران 🙁 إذا رايت نائما ، ايقظهُ وحدّثه ُ عن الحرية ) .

إنني بإعتباري كاتباًَ يعرف حقوقه وواجباته تجاه وطنه وخيار الحرية ، اعلن أنني سوف أبقى أعارض أي تضييع لأي جزء من التراب العراقي ما دمت حياً . وإن موقفي هذا هو وصيتي إلى من يبقى على قيد الحياة  من اهلي ، بعد رحيلي من هذه الدنيا الفانية .

وهوـ كذلك ـ  إعادة لسرد الموقف الوطني الصحيح حيال السيادة العراقية على الارض والمياه والهواء ، بين أيدي الخاصة والعامة في عراق الألم والامل .

 

فلربما أنست قصور المنطقة الخضراء ، كثيرا من فقراء الامس ، فقرهم وعوزهم وقلّة ناصرهم. كما أنست غيرهم من الذين طالما اعلنوا أنهم عنادل شعبهم عندما كانوا في صفوف المعارضة ، فإذا بهم ـ بعدما تنازلوا عن حق شعبهم في ارضه ومائه وهوائه ـ  تحولوا الى غربان نعّاقة .

يا سبحان الله (!!)

 

ولكن ، …

لعل في المنطقة الخضراء من لا يزال  يستمع الى القول الحسن ، فيتمسك بالعروة الوثقى . وينصت الى كلمات الحرية ، ويتذكر مصير ماريشال فرنسا ، فيليب بيتان ،  المتواطيء مع اعداء فرنسا، على سيادة فرنسا. فهل نفعته نياشين معاركه في الحرب العالمية الاولى ؟.

 ونهاية موسوليني كذلك ، لا تزال تضج بين عمدان الحضارة الرومانية !

 

أليست نهاية كل دكتاتور وظالم …. واحدة ؟!

 

 

  ** ــــــ **

   26 أيلول 2010

 

 

    

 

 

Facebook
Twitter